أقامت (دار الشروق) المصرية مساء الأثنين (28 من أكتوبر 2019 ) حفل توقيع كتاب (أخيل جريحا.. إرث عبدالناصر) للكاتب الكبير عبدالله السناوي، بحضور لفيف من نجوم المجتمع والصحافة والسياسة في مصر. وكان في مقدمة الحضور الدكتور محمد أبو الغار، والدكتور حسام عيسى، وحمدين صباحي، ووزير المالية الأسبق الدكتور أحمد جلال، ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، ووزير الصحة الأسبق الدكتور عمرو حلمي، والدكتور مصطفى حجازي، والدكتور حسام بدراوي، والموسيقار هشام جبر والدكتورة منى مينا، والمهندس ممدوح حمزة.
كما حضر حفل التوقيع الدكتورة أهداف سويف، والسيد محمد فايق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ووزير الإرشاد القومي في حقبة الستينيات، ومحمد زكريا محي الدين( نجل زكريا محي الدين)، وأمجد محمد صادق، وهو نجل الفريق محمد صادق رئيس أركان الجيش المصري السابق إلى جانب عدد من رؤساء تحرير الصحف المصرية على رأسهم ياسر رزق، وعماد الدين حسين، وأيمن الصياد، ومحمود مسلم.
كتاب عمدة
في بداية حفل التوقيع ألقى الدكتور حسام عيسى كلمة قدم خلالها رؤيته النقدية لكتاب عبد الله السناوي، حيث اعتبر أن (أخيل جريحا.. إرث عبدالناصر) كتاب عمدة في بابه، واجب القراءة لكل من أراد أن يعرف تاريخ عبد الناصر والناصرية، مجردا من الأهواء، سواء كانت مؤيدة أو رافضة.
وبحسب عيسى فإن أهمية الكتاب تنبع من السؤال المفتاحي الذي طرحه السناوي في مقدمة كتابه، وهو.. كيف حدث أن هذا المشروع الناصري الهائل سقط بهذه السهولة في أعقاب وفاة عبدالناصر؟، وهذا ما حاول المؤلف الإجابة عليه في تجرد وموضوعية، حين ذهب إلى أن مشروع ناصرقد تمت تصفيته بواسطة نظامه السياسي، وهي إجابة اعتبرها عيسى صادمة لمن اعتاد على الأجوبة التقليدية، وعلى هذا الأساس جعل السناوي من التمييز وكشف التناقض ما بين النظام والمشروع محورا أساسيا لكتابه ،الذي يعيد قراءة التجربة الناصرية.
ولم يخالج عيسى شك في أن السناوي انما هدف بذلك إلى إنقاذ المشروع الناصري الذي تتوالي عليه معاول الهدم، وهو ما جعل السناوي يستعرض في كتابه كل نقد وجه لعبدالناصر دون حرج أو تحيز.
أما السؤال الأكثر شجاعة والذي يطرحه الكتاب- من وجهة نظر حسام عيسى- فهو مدى مسؤلية عبدالناصر الشخصية والمباشرة عن هذا الإخفاق؟، وقد حاول السناوي الإجابة عنه من خلال كشف بعض نقاط ضعف النظام، والتي ركز فيها على نقطتين تمثلتا – في من وجهة نظره – في شخصتين هما عبدالحكيم عامر، وأنور السادات. إذ على الرغم من أنهما من أبناء النظام الناصري، إلا أنهما كانا – كما يرى السناوي – من معاول الهدم التي أطاحت بالمشروع الناصري. فقد كان الأول يفتقر للكفاءة العسكرية ويتسم بالرعونة الإدارية، بينما كان السادت رجلا مغامرا يتعامل مع استخبارت دول أجنبية في شبابه، ويشترك في محاولات اغتيال، ولم يكن من المفاجىء بالنسبة لجيل عيسى أن تولي السادات للسلطة يعني وأد المشروع الناصري.
تقييم موضوعي
قد نجح السناوي في كتابه- كما يرى عيسى- في إيضاح وكشف كيف حوصرت ثورة يوليو منذ البداية ،وكيف فُرضت على عبدالناصر خيارات كان مضطرا لبعضها، وقد ظل يتحسس طريقه لسنوات. فعبدالناصر على سبيل المثال توجه في بداية الثورة إلى الأمريكان لطلب تسليح الجيش المصري، لكنهم رفضوا مما اضطره للتوجة إلى الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وأعد قانونا للاستثمار يمنح رؤوس الأموال الأجنبية -من باب التشجيع على الاستثمار في مصر- العديد من الامتيازات، لكن رأس المال الأجنبي امتنع.
ووفقا للدكتور حسام عيسى فإن محاصرة عبدالناصر ومشروعه من الخارج والداخل دفعه للاحتماء بنظامه السياسي المتمثل في مؤسسات الدولة، لكن هذا النظام بمرور الوقت قوى وتغول عليه، وهذا ما حدث مع عبدالحكيم عامر الذي اختير لولاءه في البداية وليس لكفائته، ثم ذهب الولاء وبقي عدم الكفاءة. وعلى الرغم من ذلك فإن عبدالناصر ُظلم في الكثير من الاتهامات والانتقادات التي وجهت له ،وعلى راسها قضية تأميم قناة السويس، والزج بمصر في حرب مع القوى الكبرى، بينما تؤكد الوثائق الدولية الفرنسية والانجليزية أنه لم تكن هناك نية على الإطلاق لتسليم القناة للمصريين بعد انتهاء موعد الامتيازات، وإنما تراوحت الخطة ما بين الشراكة مع مصر، أو الامتلاك الحصري لصالح الفرنسيين والانجليز، أو تدويل القناة كمياة دولية.
وخلص عيسى في نهاية كلمته إلى أن السناوي بكتابه هذا، قد فتح بابا هائلا لتقييم التجربة الناصرية، دون إنحياز فج، مؤكدا أن النقد لن يقلل من عبدالناصر، الذي كان في كل ما فعل ابنا بارا للحركة الوطنية، معبرا عن أحلامها وأملها لمصر وللمجتمع المصري منذ أحمد عرابي، ومروا بمصطفى كامل ومحمد فريد، وسعد زغلول وحتى ثورة يوليو.ورغم ذلك فهو غير معصوم من الأخطاء فما حدث في حق كثيرين على رأسهم لويس عوض، وشهدي عطية، واسماعيل صبري عبد الله كانت أخطاء وجرائم فجه للنظام في عهد عبدالناصر، وكل نقد يوجه هو في حقيقته تنقية وتطهير للمشروع.
هديتي لشباب الغد
من جانبه اعتبر عبدالله السناوي مؤلف الكتاب أنه كان أسعد حظا من غيره، لأن الفرصة واتته ليقدم الانتقادات، ويحلل المضامين، بينما كان الآخرون محكومين بسياقات سياسية وتاريخية لم تتح لهم الاضطلاع بكامل دورهم. وقال إن هذا الكتاب هو هدية إلى شباب الغد، الذي يجب أن يكون انتماؤه للمشروع السياسي والمبادىء والقيم وليس النظام، مؤكدا أن: «علة نخبتنا وفكرها السياسي هو غياب فكرة التراكم الوطني، فنحن نصنع تناقضات وأضدادا بين المراحل التاريخية في عمر الحركة الوطنية، بينما أهداف ثورات مصر منذ عرابي وحتى ثورة 25 يناير، تتكامل وتتواصل في صناعة الوطن الذي نأمله».
في رده على أسئلة موقع «أصوات أونلاين» عن وحول الكتاب وما تضمنه، قال الأستاذ عبدالله السناوي إن التمييز بين النظام والمشروع في قراءة التجربة الناصرية مسألة ضرورية في أي مراجعة موضوعية لثورة 23 يوليو بعد كل هذا الوقت، «فنحن في حاجة لنقاش حقيقي موضوعي لكل ما جرى، فقد تم الانقضاض عليها من داخل نظامها.
وأضاف أن ثغرات ثورة يوليو تمثلت في النظام الذي تحول بمرور الوقت إلى عبء على التجربة،وعبء على المشروع بأفاقه الواسعة، فكان هناك تناقض بين اتساع المشروع وضيق النظام. كما اعتبر أن هذا التمييز يصلح كأساس نظري ليس فقط للمراجعة وإنما للبناء للمستقبل.