فن

بين طه حسين والسينما.. ثلاثة أفلام وثلاث حكايات

رغم الطبيعة الفكرية المختلفة لمؤلفات طه حسين التى تتسم بالعمق والشمول وتكتسب دائما الصفة الموسوعية، ورغم ما قد يوحيه هذا السمت لمؤلفات عميد الأدب العربى من أنه لابد وأن يكون بعيدا عن السينما وأذهان صانعيها، إلا أن السينما المصرية سعت إلى طه حسين وأخذت عن مؤلفاته ثلاثة أفلام أولها كان أول فيلم دينى مصرى وثانيها احتل مرتبة متقدمة فى قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية  وثالثها واحد من أجمل الأفلام الرومانسية التى عرفتها الشاشة الفضية.

ظهور الإسلام

أول الأفلام التى أنتجتها السينما لطه حسين كان فيلم ظهور الإسلام الذى بدأ عرضه فى 9 أبريل عام 1951 عن قصة وحوار طه حسين وكتب له السيناريو واخرجه ابراهيم عز الدين الذى عانى الأمرين ومعه طاقم العمل فى سبيل ظهور الفيلم، إذ أعلن الأزهر وعدد كبير من رجال الدين معارضتهم للعمل وأبدوا تخوفهم من أن يمس الفيلم – بقصد أو بدون قصد – صورة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترضوا على ظهور شخصيات الصحابة  المقربين ونجح المخرج فى إظهار شخصية عمار بن ياسر، وهو أول فيلم دينى فى تاريخ السينما المصرية.

الفيلم مأخوذ من رواية الوعد الحق التى كتبها طه حسن بأسلوبه التشويقى الجميل، ووصف فيها الحياة فى شبه الجزيرة العربية قبل ومع بدايات ظهور الإسلام وبعثة الرسول، وسرد بشكل ممتع جذاب لكثير من تفاصيل الحياة فى شبه الجزيرة العربية آنذاك، وقد حوى الكتاب تسعة وعشرين فصلا وصدر فى 170 صفحة من القطع المتوسط، ويتناول إرهاصات ظهور الإسلام منذ حملة أبرهة الأشرم على الكعبة التى تجلى فيها إعجاز الخالق برد أبرهة عن طريق الطير الأبابيل التى رمت جيشه بحجارة من سجيل فدمرته تدميرا كما ورد فى القرآن الكريم، ثم بداية البعثة والدعوة وإيمان وصبر وجهاد الصحابة الأولين من خلال قصة ياسر ابن عامر الذى قدم من اليمن إلى مكة بحثا عن أخيه سعيد، واستقبله فى مكة أبو حذيفة ابن المغيرة وأكرم وفادته وزوّجه جارية له هى سمية بنت خياط  وأنجبا عمارا بن ياسر. ومع بعثة الرسول الكريم ودعوته للحق  يؤمن ياسر وزوجته سمية وابنهما عمار برسالة محمد إيمان الصادقين الصابرين، ويتحملون فى سبيل ذلك ما لاقبل لبشر بتحمله من التعذيب والتنكيل.ولا يقتصر التعذيب فقط على آل ياسر الذين جاء لهم الرسول بالوعد الحق: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة» فهناك أيضا بلال بن رباح وعبد الله بن مسعود  وخباب بن الأرت.

وقد قام ببطولة هذا الفلم الفنان الراحل عماد حمدى الذي لعب دور عمار بن ياسر وكوكا في دور أمه سمية وكمال ياسين بدور والده ياسر ومحمد سالم حسن فى دور بلال. وكان لهذا الفيلم فضل اكتشاف عدد من الوجوه الجديدة آنذاك مثل أحمد مظهر وتوفيق الدقن وكمال ياسين وسعد أردش وعبد المنعم إبراهيم وعبد الحفيظ التطاوى.

https://www.facebook.com/aflam.zaman/videos/326697228146151/?t=38

دعاء الكروان

وفى عام 1960 أنتج  فيلم دعاء الكروان عن رائعة طه حسين التى كتبها بنفس الإسم، وصدرت عام 1934. وقد حاز دعاء الكروان على المركز الرابع عشر فى قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، ورشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبى، ولجائزة مهرجان برلين، وقام ببطولته فاتن حمامة وأحمد مظهر وزهرة العلا وأمينة رزق، وأخرج الفيلم هنرى بركات.

تقع رواية دعاء الكروان فى خمسة وعشرين فصلا بالإضافة إلى الإهداء والمقدمة. وقد أهداها طه حسين إلى العقاد وكتب فى إهدائه: «إلى صديقى الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد : أنت أقمت للكروان ديوانا فخما فى الشعر العربى الحديث.. فهل تأذن فى أن أتخذ له عشا متواضعا فى النثر العربى الحديث وأن أهدى إليك هذه القصة.. تحية خالصة من صديق مخلص».

أما فى المقدمة فقد أورد حسين قصيدة كتبها الشاعر خليل مطران فى تمجيد رواية دعاء الكروان معتزا بها وفخورا بدأها بهذين البيتين:
دعاء هذا الكروان الذى … خلدته فى مسمع الدهر

له صدى فى القلب والفكر..من أشهى متاع القلب والفكر

فى سرد رائق جميل تحكى الرواية قصة حياة  تلك الفتاة الريفية آمنة وأختها هنادى وقد نشأتا لأب كان سىء السمعة، فأجبرهما خالهما المتجبر مع والدتهما على الرحيل من القرية إلى مكان آخر. وفى موطنهما الجديد تعمل آمنة خادمة لدى المأمور بينما تعمل شقيقتها هنادى خادمة لدى مهندس الرى أحمد الذى يوقعها فى حبه ويغرر بها ويعتدى عليها فيقتلها خالها درءا للعار، وهنا تقرر آمنة أن تنتقم من المهندس أحمد الذى كان سببا فى قتل أختها وتعاهد الكروان المغرد على الشجر بأن تنتقم لأختها، لكن آمنة تقع فى حب أحمد ويمنعها قلبها من الانتقام.

كان سرد طه حسين للقصة على لسان آمنة جميلا ومشوقا وقرأ الفنان الكبير فريد الأطرش الرواية فأعجب بها كثيرا وطلب من المخرج هنرى بركات أن يقدماها للسينما، لكن بركات أقنع فريد الأطرش بعدم ملاءمته لدور البطل المهندس أحمد. وقد حكى هنرى بركات القصة وكيف أقنع فريد الأطرش بعدم القيام بها.

وبعد اخراجه لفيلم حسن ونعيمة عام 1959 وتعامله مع الريف وطبيعته، شاهد بركات قرية تقع في بطن الجبل وهى تشبه تماما القرية التى صورها طه حسين فى «دعاء الكروان»، فذهب إليه وأبلغه برغبته فى تحويل الرواية إلى فيلم، فوافق واشترط أن يعرض عليه الفيلم بعد تصويره.

 وعن ذلك يقول بركات: «قلت له إن النهاية التى كتبها فى الرواية وهى أن تستمر آمنة فى العيش مع المهندس أحمد لن توافق جمهور السينما، وأنه لابد من نهاية جديدة، فطلب أن أصور النهايتين.. النهاية التى كتبها هو فى الرواية.. والنهاية التى أتصورها أنا، وسالنى من سيكتب الحوار فأخبرته إنه القاص يوسف جوهر فوافق. وحين انتهينا من التصوير عرضنا عليه العمل فى حضور ابنه مؤنس وكان هو موجودا يسمع الفيلم، وقال له ابنه مؤنس إن النهاية التى وضعها المخرج هى الأنسب وعُرض الفيلم بالنهاية التى وضعناها نحن».

الحب الضائع

ثالث الأفلام التى اخذتها السينما عن أعمال طه حسين كان فيلم «الحب الضائع» الذى اخرجه أيضا هنرى بركات وبطولة سعاد حسنى و ورشدى أباظة وزبيدة ثروت ومحمود المليجى عام 1970، وهو واحد من أجمل الأفلام الرومانسية الجميلة فى تاريخ السينما المصرية، ويدور حول صديقتين حميمتين هما ليلى التى جسدتها سعاد حسنى وسامية التى جسدتها زبيدة ثروت، وتتزوج ليلى من التونسى محمود الذى جسده الفنان التونسى على بن عياد وتسافر الى تونس ويموت محمود بعد  فترة قصيرة من الزواج وتعيش ليلى حالة نفسية سيئة، وتصر صديقتها سامية على دعوتها للإقامة معها فى بيتها للتغلب على أحزانها، فيقع مدحت زوج سامية الذى جسد شخصيته رشدى أباظة فى حب ليلى، ولا تستسلم ليلى بسهولة لحب مدحت لكن فى النهاية يضعف قلبها أمام مدحت فتحبه وتخون صديقتها وتكتشف سامية خيانة صديقتها وزوجها وينتهى الفيلم نهاية تراجيدية بمصرع ليلى وانفصال سامية ومدحت.

 صاغ طه حسين قصة الحب الضائع بشكل تغلب عليه الرومانسية المفرطة فى سرد مشوق، وضم القصة فى مجموعة قصصية وكانت هى أطول قصص المجموعة.. وقد كان مقررا أن يصنع الفيلم من خلال طاقم عمل مختلف عمن ظهروا فيه، فقد كان مقررا أن تقوم شادية ببطولته وأن تقوم فيه بالغناء ايضا، وأن يخرجه حسن الإمام، وكانت شادية فى أشهر حملها الاولى، لكنها وقبل بداية التصوير تعرضت للإجهاض فحزنت بشدة، وقررت ألا تمثل الفيلم، وكذلك انسحب حسن الإمام، فبحث المنتج رمسيس نجيب عن طاقم عمل آخر فأسند الإخراج لبركات والسيناريو والحوار ليوسف جوهر والبطولة لسعاد حسنى ورشدى أباظة وزبيدة ثروت،
 وعن استقبال عميد الأدب العربى لإنتاج قصته «الحب الضائع» فى السينما يقول بركات: «إن رمسيس نجيب ذهب إلى طه حسين وعرض عليه الطاقم الجديد للفيلم فلما سمع اسم بركات كمخرج ويوسف جوهر ككاتب سيناريو وحوار أبدى ارتياحه الشديد وقال لرمسيس: الاثنان قدما لى دعاء الكروان بشكل جيد، وأنا موافق عليهما «فكان الحب الضائع هو آخر اللآلىء التى اصطادتها السينما المصرية من إبداع طه حسين الذى لا يغيب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock