رؤى

قوة النبوءة: ملحمة دابق الكبرى

للنبوءة قدسية وسر.. تفعل فعلها في عقول ووجدان من يؤمن بها، حتى تصل به إلى أن تبقى غاية مراده، أن تتطاير أشلائه على أسوارها، وتنزف دماؤه في طريق تحققها.

دفعت «النبوءة» عبدالرحمن بن معاوية، إلى أن يعبر البحر، نحو بلاد الأندلس المضطربة، بعد أن تهاوى ملك أجداده الأمويين في الشام، ويحيي ملكهم هناك.. كانت نبوءة جده «مسلمة»، عالقة في ذهنه، مترسخة في وجدانه، إنه أغر بني أمية الذي سيجدد ملك آبائه في المغرب بعد زواله في المشرق.

خاض آل عثمان بن أرطغرل، حروبًا ضارية، ونجحوا في تجميع شتات قبائل الترك المتناحرة، ثم وجهوا قواهم في اتجاه «القسطنطينة» التي استعصت على من قبلهم من المقاتلين الأوائل، إلا أن هناك من كان يؤمن بالنبوءة، التي قضت أن أبوابها ستفتح على يد أحد أبناء «عثمان».

 لكن «النبوءة»، لم تستطع أن تكون وحدها عامل النجاح والتحقق، فظلت دافعًا ومحفزًا، يشترط لتحققها ظروفًا وأوضاعًا محددة، تورد أصحابها المهالك إن لم  تتوافر.

قد أفلت حركات وجماعات وأفراد، على مدى التاريخ، بينما كانت النبوءة حاضرة، لقد أعتمد كثير من الزعماء على نبوءات مقدسة إلا أنها خذلتهم وكان مصيرهم الهلاك والقتل.

والخلافة لدى التنظيمات الإسلامية ليست نظامًا وأسلوبًا رشيدًا للحكم فحسب، بل إن في استرجاعها تحقيقًا لنبوءات آخر الزمان التي وردت في الحديث ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).. لكن كل جماعة على حدة، اعتبرت نفسها هي المكلفة باسترجاعها، باعتبار أنها الجماعة الربانية المختارة التي صنعها الله على يديه، فبثت روح النبوءة في وجدان أتباعها لتشحذ وجدانهم وتستنفر هممهم.

كانت أفغانستان، مهد النبوءة الأولى، فقد استخرج الجهاديون، أحاديث تقول إن أصحاب الرايات السود «طلائع الفاتحين الجدد»، تتجمع في خراسان، فتوافد المقاتلون من كل صوب وحدب، ثم كان ضرب أمريكا في عقر دارها، وانتظار نزول «الروم»، إلى الشام حتى يلتقي الفريقان في «دابق».

https://www.youtube.com/watch?v=-oyTOJE0vl4

نشيد ملحمة دابق الكبرى

إلا أن ثمة خلل قد حدث، إذ إن الروم كانوا قد نزلوا في بلاد الرافدين «العراق».. كانت النبوءة تقضي بنزولهم في الشام، حتى إن أعدادا من المقاتلين، أبت الالتحاق بتنظيم «الزرقاوي»، لأنه لم تكن تنطبق عليه النبوءة.

حتى جاء المنظر القاعدي، أبو مصعب السوري، فبنى نظريته على تلك النبوءة، إذ إنه قسم مراحل «الجهاد» على 7 ، تبدأ بضرب الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها، وهو ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، ثم استدراج القوات الامريكية في العراق، ثم اسقاط النظام السوري، ودخول المقاتلين الجهاديين هناك، ثم تشكيل التحالف الدولي لقتالهم، ثم معركة الملاحم الكبرى في دابق بالقرب من حلب، ثم تدمير الكيان الصهيوني وغزو بلاد الروم.

راحت القاعدة لتنفيذ مخطط “السوري” فكانت ضربات الحادي عشر من سبتمبر، وبعدها ذهب الأمريكان لقتال القاعدة وطالبان في أفغانستان ثم ما لبثت أن حططت قواتهم في العراق، ثم أطلق بوش الابن تهديداته الشهيرة بأن سوريا هي المحطة الثانية للغزو.

كانت انعكاسات صيحة بوش الابن في سوريا أن سمح نظام الأسد بعبور المقاتلين في اتجاه العراق هادفا من وراء ذلك إضعاف النظام العراقي الجديد وكسر شوكة القوات الأمريكية، التي كانت على مرمي البصر من أراضيه، حتى تثني نفسها عن الدخول في معترك جديد لا تجني منه سوى الشوك.

إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفينة النظام السوري بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، فوجد نفسه في مرمى نيران القوات المعارضة له، فانتهزت القاعدة وفرعها في العراق وقتئذ الفرصة وأرسلت مفارزها إلى الداخل السوري، وسرعان ما اشتد عزمها فسيطرت على ما يقرب من 35 % من الأرضي السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock