«كان هناك فتاة يسخر منها باقي الأطفال لأنها مختلفة. وذات يوم كانت تقرأ في كتاب علم الأحياء فاكتشفت أن سبب اختلافها يعود لكونها خليطا بين البشر والكائنات الفضائية (زرقاء اللون)؛ فأمها من كوكب الأرض أما أبوها فمن كوكب آخر. وكما هو معروف، يتنفس البشر على كوكب الأرض الأوكسجين، أما على الكوكب الآخر، الذي تعيش عليه، فتتنفس الكائنات الزرقاء حمض الكبريت – القاتل للبشر. وعندها تعرف الفتاة أنها عندما ستبلغ عمر 12 ستموت لأنها لن تعود قادرة على أن تتنفس أبدا لا الأوكسجين ولا حمض الكبريت».
تحب دانيا أبو عون، ذات الـ 11 عاما، العلوم واللغة الإنجليزية، وهي مؤلفة هذه القصة التي كتبتها بالإنجليزية، وحكتها لي عبر الهاتف بعد أن انتهى دوامها في مدرستها، في مدينة ريدنغ، قرب العاصمة لندن.
والداها مهندسان سوريان درسا في جامعة دمشق ثم غادرا البلاد، عام 2004، نحو فرنسا، حيث عمل أبوها مهندسَ اتصالات، وحصلت أمها على شهادة ماجستير في هذا المجال.
وفي عام 2009 استقرت العائلة في بريطانيا، وكان عمر دانيا بضعة أشهر.
وبسبب ضغوط السفر المستمر الذي تطلبه عمل أنسام، أم دانيا، وبسبب استحالة تحولها للعمل بدوام جزئي، غيرت مهنتها وبدأت في تدريس الفيزياء، وبعدها انتقلت للعمل في مخبر.
تتذكر أنسام كيف كانت تحضّر مع ابنتها التجارب التي ستعرضها على طلاب الإعدادية في اليوم التالي، وكيف كانت تلك التجارب تسحر صغيرتها وحتى «تدوّخها» فتبدأ في إبداء رأيها وتفسيراتها لما كانت تراه أمامها.
وكان من ضمن ما لفت نظر أنسام، أثناء عملها كمدرّسة، أن عددا قليلا فقط من البنات يختار دراسة مواد الفيزياء.
«في إحدى السنوات، وأثناء عملي في إحدى مدارس ريدنغ ( Reading) كانت هناك طالبة واحدة فقط في صف A Level (المعادل للبكالوريا) اختارت مواد الفيزياء»، وتضيف أنسام: «هذه مشكلة كبيرة، وهذا منحى عام سائد في بريطانيا؛ إذ لا تقترب كثير من الفتيات من المواد العلمية كي لا تبدو كالصبيان، كما يقول الطلاب عادة».
يبدو أن دانيا تأثرت بمجال تخصص والديها؛ إذ علمها أبوها الكثير عن التشفير والبرمجة، لذا تضع مهنة «مهندسة كومبيوتر» ضمن قائمة المهن التي قد تعمل بها في المستقبل، أما حاليا فتتخيل اختراعا على شكل ربطة شعر يوضع على الرأس فيولد طاقة من الشمس، ويصبح بإمكان من يستخدمه التقاط الصور وسماع الموسيقى والاتصال بالناس ومعرفة الوقت – كما تشرح لي بحماسة بلغة عربية جيدة جدا، مستخدمة عددا من المفردات الإنجليزية.
أما خياراتها الأخرى لمهنة المستقبل، فتتضمن أن تصبح مصوّرة صحفية، أو سياسية – ولكن بشرط أن تكون ضمن حزب الخضر – أو ناشطة بيئية ومعلمة، في الوقت ذاته، كي تحصل على دخل مادي.
أرقام ملفتة في البلاد العربية
كان سبب حديثي مع دانيا وأمها هو اليوم العالمي للاحتفاء بالبنات والنساء العاملات والمهتمات بمجال العلوم، والمصادف لـ 11 فبراير، وعندما تحدد الأمم المتحدة يوما عالميا لموضوع ما فهدفها لفت النظر إليه لوجود مشكلة.
تقول منظمة اليونسكو في تقرير صادر عام 2017، إن نسبة النساء بين الباحثين في أنحاء العالم هي أقل من 30 في المئة، وتضيف أن هذه «الفروق الهائلة» وعدم المساواة ليست وليدة الصدفة؛ إذ تخفت حماسة فتيات كثيرات جدا لدراسة مواد علمية لأسباب عدة منها المعايير المجتمعية والتمييز ضدهن وغيرها من العوامل التي تؤثر على جودة تعليم الفتيات.
كما جاء في التقرير أنه منذ عام 1903، عندما فازت ماري كوري بجائزة نوبل في الفيزياء وحتى اليوم، لم تفز سوى 17 امرأة فقط بإحدى جوائز نوبل في الفيزياء أو الكيمياء أو الطب، مقابل فوز 572 رجلاً بهذه الجوائز في نفس الفترة الزمنية.
لكن عند الاطلاع على الأرقام المتعلقة بالبلاد العربية، والتي أوردها التقرير، نلاحظ نسبا مثيرة للاهتمام.
فنسب خريجات الكليات العلمية في معظم الدول العربية لا تعكس فجوة بين الذكور والإناث؛ بل إن نسب النساء أعلى في عدد من الدول مثل الجزائر، التي تقترب فيها نسبة النساء اللاتي يتخرجن في كليات علمية من 60 في المئة، تليها تونس وعمان وسوريا. كما أن نسب الخريجات في كليات علمية أعلى من نظيراتها في كليات علمية في دول غربية متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة – وفقا لتقرير اليونسكو.
ولكن النسب العالية لدراسة الشابات في كليات علمية، لا تعني، بالضروة، عملهن في هذه المجالات بعد التخرج.
تقرأ الشابة الأردنية، يارا مرعي، الأرقام السابقة المتعلقة بالبلاد العربية بطريقة مختلفة؛ إذ تعتقد أنه في الدول الغربية «تُحترم كل التخصصات الأكاديمية، علمية أو نظرية، أما في البلاد العربية فالتخصص الجامعي يكون بناء على معدل الطالب.
والملاحظ أن البنات عموما لديهن صبر أكثر على الدراسة، وبالتالي القدرة على تحصيل علامات مرتفعة جدا؛ لذا فاختيار التخصص لا يعكس رغبة الطالب الحقيقية، وإنما يستهدف تأمين عملٍ جيد في المستقبل».
وتضيف أن هناك عوامل أخرى تحكم اختيار البنات للتخصص مثل قرب الجامعة من بيتها، وأيضا التخصصات التي يفضلها المجتمع بالنسبة للشابات.
ويارا نفسها مهتمة جدا بالبحوث العلمية، ورغم أنها تخصصت، الآن، في الصيدلة، إلا أن كل اهتمامها منصب على البحوث الهندسية، وهو المجال الذي لم تستطع دراسته بسبب ارتفاع تكاليف أقساط الجامعة غير الحكومية التي كانت ترغب بارتيادها لأنها ذات مستوى تعليمي أفضل، كما تقول.
وبشكل عام، هي مهتمة بموضوع تنقية المياه وإعادة استخدامها، خاصة وأن بلدها ثالث أفقر دولة في الماء على مستوى العالم، إلى جانب اهتمامها بتصفية مياه البحر من بقع النفط بعد قراءتها عدداً كبيراً من الأبحاث العلمية أثناء فترة دراستها في مدرسة للطلاب المتميزين في الأردن.
كان التحاقها بتلك المدرسة يتطلب اجتياز امتحانات تتضمن اختبار مستوى الذكاء والرياضيات واستيعاب اللغة إلى جانب المقابلة الشخصية، كما أن التخرج يتطلب النجاح في مشروع نهائي يتعين على الطلاب تقديمه. وكانت النتيجة جهازا لتصفية مياه البحر، وإعادة الاستفادة من النفط المجمّع، حصلت إثره على عدة جوائز. ولا تزال يارا تشارك باختراعها في مسابقات، طامحةً للحصول على تمويل لتأسيس شركتها الخاصة.
وتقول يارا إنها لم تشعر بأي تمييز ضدها كشابة مقارنة بالطلاب الشباب معها.
تجارب علمية بالعربي على موقع إنستغرام
قبل نحو خمسة أشهر، حوّلت السورية، منال إلكن، وهي أم لأربعة أطفال، صفحتها الشخصية على موقع إنستغرام إلى صفحة مختصة بعرض تجارب علمية مبسّطة باللغة العربية – ووصل عدد متابعيها إلى أكثر من 7,000شخص.
تخرجت منال عام 2004 من كلية العلوم في حلب؛ ولأنها كانت الأولى على دفعتها، أصبحت معيدة في الكلية لمدة أربع سنوات، ثم اختصت في علم المناعة، وحصلت على شهادة الدكتوراه في هذا المجال من كلية الطب في باريس، حيث تقيم اليوم مع عائلتها.
ودرست في بحثها خلايا دموية أساسية تتعلق بالحساسية، ورغم أهمية هذه الخلايا فإن بحوثا قليلة جدا اهتمت بها، لكنها لم تنشر نتائجها بعد، بحسب ما أخبرتني في اتصال هاتفي.
وتتذكر منال عندما ذهب أولادها معها لحضور مناقشة رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها، وكيف بدأ اهتمامهم بما تفعل، خاصة ابنتيها شام (11 عاما) وليان (8 سنوات)، وتروي منال كيف بدأت تجري تجارب منزلية مع أولادها بهدف التسلية المفيدة واللعب، وتشرح لهم عن دافعة أرخميدس، ووزن الهواء، وتحليل الألوان، وغيرها من التجارب التي تناسب أعمارهم.
ثم بدأت تصور بعضا من هذه التجارب وتضعها على صفحتها على إنستغرام.
https://www.instagram.com/p/B63cO7nlQaw/?utm_source=ig_embed
وتقول: «علامات ابنتي في مادة العلوم رائعة. ذُهلت بما حققته، حتى أن أستاذها قال لي إنه يراها باحثة في المستقبل».
بلهجة حلبية واضحة، قالت لي شام ذات الـ 11 عاما إن مواد العلوم «سهلة جدا.. متل اللعبة»، وتشرح لي تفاصيل واحدة من التجارب التي أجرتها في البيت عندما وضعت مادة الأسيتون داخل بالون ولاحظت كيف ينتفخ البالون.
https://www.instagram.com/p/B6dhlkTFek0/?utm_source=ig_embed
وتقول إنها تحب كل ما يتعلق بجسم الإنسان، لكنها الآن مشغولة بمتابعة تطورات فايروس كورونا: «أحب في المستقبل أن أؤسس مشفى لأساعد أكبر عدد من الناس».