جاء خبر تحرك مؤسسات الدولة لفرض ضريبة على الفيديوهات المنتشرة على موقع «اليوتيوب» والتي تحقق نسب مشاهدة عالية ويجني من خلالها أصحابها أرباحا كبيرة، مثيرا للجدل و الإهتمام خصوصا بالنسبة لقطاع كبير ممن يُطلق عليهم «مليونيرات اليوتيوب» أو من يحلمون بالسير على نفس الدرب.
إذ يسمح اليوتيوب لمستخدميه برفع تسجيلاتهم المرئية مجانا ومن ثم مشاهدتها والتعليق عليها و التفاعل معها، ما يسمح لأصحابها كما أشرنا بالتربح من خلالها، كما أنه يوفر لمنشئي المحتوى -بغض النظر عن مضمونه – الإعلانات التي تتحقق من خلالها تلك الأرباح والتي تصل في أحيان كثيرة لأرقام خيالية شريطة أن يحصد المحتوى نسب مشاهدة عالية.
فهل ضخامة الأرباح فقط هي الدافع وراء تفعيل قانون جديد من قبل مجلس النواب المصري كما صرح مؤخرا أحمد رفعت عضو لجنة الإتصالات بالمجلس، بأنهم فعليا بصدد اصدار قانون جديد يتيح للدولة تحصيل ضرائب علي كل أغنية أو فيديو على موقع اليوتيوب تحقق نسب مشاهدة عالية؟ ما يجعلنا نسأل عن الآلية التي سيتم من خلالها تحصيل تلك الضرائب في حال إصدار القانون خصوصا وأن سياسة الخصوصية التي يمنحها الموقع لمستخدميه ومن يتربحون من خلاله تؤمن لهم ما حققوه من أرباح من دون مشاركة، بتعبير أدق دون أي سلطة عليهم سواء بمنع الربح أو مصادرة أعمالهم
أحمد رفعت عضو لجنة الإتصالات بمجلس النواب
أرباح خيالية
وفقا لموقع Social Blade المعني برصد نسب المشاهدات للفيديوهات عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبالأخص على اليوتيوب وكذلك رصد الأرباح التي يحصل عليها أصحاب هذه الفيديوهات، أصدر الموقع (حتى النصف الأخير من شهر فبراير من العام الحالي 2020) قائمة الأكثر ربحا في مصر من خلال موقع اليوتيوب، و قد ضمت قائمة الـ 250 الأوائل أطفالا يحصلون على أرباح تصل أحيانا لنصف مليون جنيه شهريا، لعل في مقدمتهم الطفلة حبيبة حسين المصنفة رقم 1 في قائمة العشر الأوائل، حيث تمتلك ما يقرب من مليون ونصف مشترك تقريبا علي قناتها، شاهدوا لها 137 فيديو وقد بلغت نسبة ما تحققه من مشاهدات حوالي نصف مليار مشاهدة، ما يتيح لها تحقيق دخل يتراوح بين 30 ألف دولار و 485 ألف دولار شهريا.
هناك أيضا عائلة عمر و التي تحتل المركز الرابع في قائمة العشر الأوائل وهي تقدم اسكتشات من خلال شخصيات إحدى الألعاب الشهيرة، وقد حققت فيديوهاتها نسبة مشاهدة اقتربت من المليار و 9 مليون مشاهده لـ 370 فيديو، أما عدد متابعي القناة فتجاوز الـ 2 مليون متابع، ما أتاح لتلك العائلة تحقيق عائد يتراوح بين 24 ألف دولار و 389 ألف دولار شهريا.
طفلة أخري تدعي مرام أحمد احتلت المركز السادس، و قدمت من خلال قناتها 177 فيديو حققت نسبة مشاهدة تجاوزت الـ 300 مليون مشاهدة، أما عدد المشتركين علي قناتها فتجاوز الـ 700 ألف و تحقق مرام دخلا شهريا يتراوح بين 21 ألف دولار و 347 ألف دولار، أي ما لايقل عن 350 ألف جنيه شهريا في المتوسط.
نمبر وان
وضعية الأفضل تتغير علي الموقع بين يوم و ليلة، لدرجة أنه و أثناء كتابة هذه السطور نجح المطرب حسن شاكوش والذي كان يحتل المركز العاشر في الوثوب للمقدمة حيث نجح في احتلال المركز الثاني متفوقا على الفنان محمد رمضان الذي بقي في المركز الثامن.
شاكوش تتضمن قناته 287 فيديو حققت ما يقرب من 264 مليون مشاهدة، أما عدد متابعيه فوصل لمليون و 800 ألف متابع، ما أتاح له تحقيق عائد مادي يتراوح شهريا بين 26 و 417 ألف دولار شهريا.
أما الفنان محمد رمضان فحققت فيديوهاته الـ 324 علي قناته نسبة مشاهدة تجاوزت الـ 2 مليار، أما عدد متابعي القناة فحوالي 8 مليون مشاهد، محققا دخلا يتراوح بين 21 ألف دولار و399 ألف دولار شهريا أي ما لا يقل بأي حال عن 250 ألف جنيه شهريا، ما يفسر إصرار رمضان على المضي قدما في مجال الغناء و محاولاته المستميتة للإفلات من قبضة المنع التي سبق وأعلن عنها نقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر بعد أزمته مع مطربي المهرجانت وطالت رمضان أيضا، إلا أن رمضان نجح في الحصول على «عفو» سريع رغم كل التهديدات بمنعه من الغناء.
مما سبق يتضح لنا أن التربح عبر هذه الوسائط الإلكترونية بات أمرا سهلا وسريعا ولا يهم بالقطع نوعية المحتوي أو مضمونه ومدى جديته أو جودته، فقط تقبل بشروط الموقع ثم تطلق لإبداعك العنان حتى لو كان مجرد فيديو لايف لـ «طريقة تقشير البصل» والذي حصد عدد ا كبيرا من المشاهدات وفقا لما ذكره دكتور محمد الجندي نائب مدير مركز بحوث التكنولوجيا بالجامعة البريطانية، في برنامجه «تيك توك» المذاع على فضائية القاهرة والناس حول تكنولوجيا وأمن المعلومات، مؤكدا أن تحقيق الربح عبر أي منتج بات واقعا لا يمكن الهروب منه أو تجاهله، بل إنه جزء من الإقتصاد العالمي الذي يجب أن نعيره اهتماما خصوصا وأن هذه الشركات المالكة لهذه المواقع (اليوتيوب، فيس بوك و غيرها) تؤثر فعليا في الإقتصاد العالمي و أنها نجحت بالفعل في تحويل «الوقت» الذي يضيعه البعض على شبكات التواصل في متابعة مواد دون المستوى في أغلب الأحوال إلى أرباح طائلة، بتعبير أدق فإن «وقتك» ليس إلا أموالا يكسبها الآخر سواء صاحب المحتوى او الشركات المالكة لهذه المواقع.
شروط
وبعيدا عن الأسباب التي دفعت مؤسسات الدولة إلى الانتباه لضرورة تحصيل الضرائب علي هذه الأرباح، فإن السؤال الأهم هو كيف يمكن «تقنيا» أي فنيا تفعيل هذا المطلب في حال صدور القانون، وهل يمكن إجبار تلك المواقع على خصم الضرائب من المنبع؟ أم أن مأموريات الضرائب تتكفل بمطاردة أصحاب الملايين الجدد؟ أم سيقتصر الأمر على الإعلانات التي تتخلل المحتوي من دون أن تطال أصحابها.
قبل عامين شارك د. ياسر عوض عبد الرسول أستاذ الإقتصاد والمالية العامة بالمعهد العالي للإدارة والحاسب الآلي بجامعة طنطا ببحث تحت عنوان «القانون والإعلام» ضمن فعاليات المؤتمر العلمي الرابع لكلية الحقوق بجامعة طنطا، أكد خلالها أنه وعلي مستوي العالم كله هناك اهتمام بتطبيق الضرائب على الإعلانات الرقمية التي تدخل المحتوى المرئي على تلك المواقع، والتي عبرها يمكن لصاحب المحتوى تحصيل أرباحه، وفي مصر حظي هذا الأمر باهتمام كل المعنيين بالضرائب حتي لا يضيع حق الدولة في الضريبة المستحقة على تلك الأرباح المتحققة.
إلا أن الدراسة رصدت العديد من الصعوبات التي قد تواجه قيام الإدارة الضريبية في مصر بتحصيل هذه الضرائب، لعل في مقدمتها عدم خضوع المقرات الرئيسية لمواقع التواصل الإجتماعي للقانون الضريبي المصري لوجودها في دول أخرى.
غير أن الكاتب والروائي المصري أسامة الشاذلي رئيس تحرير موقع الميزان أكد أن موقع الفيس بوك قد قام مؤخرا وعبر فرعه في مصر بتحصيل ضريبة على إعلان كان قد نشره عليه، ما يشير وفقا لما أكده الشاذلي لتوصل الدولة لحلول في هذا الإطار،ما قد يسهم في تقويض و تحجيم تلك المساحة التي باتت متنفسا للجميع.
الكاتب والروائي أسامة الشاذلي
دراسة د. ياسر عوض تشير إلى أن دولا مثل إنجلترا و فرنسا نجحت في تطبيق الضرائب على الإعلانات الرقمية، إلا أنه في مصر هناك صعوبة لمراقبة هذه الإعلانات مالم يتم تطوير آليات المراقبة والتحصيل كما أكدت الدراسة، إذ أن فرض الضرائب على الإعلانات الرقمية يتطلب أولا احصاء كاملا لعدد المنتجات و السلع التي يتم نشرها عبر هذه المواقع، مع التأكد مما إذا كانت هذه المنتجات يتم إنتاجها داخل مصر أم لا.
علي الجانب الآخر فإنه فنيا وتقنيا من الصعب حتى الآن إجبار هذه المواقع على خصم جزء من الأرباح المستحقة لصالح صاحب المحتوى و تحويلها للجهات المختصة بتحصيل الضريبة، ما لم يتم التوصل لاتفاقات واضحة وصريحة مع أصحاب هذه المواقع، كما يؤكد محمود القطوري أحد المتخصصين في البرمجيات، الذي يضيف أن هذه الإشكالية لا تخص مصر فقط ولكنها قضية مطروحة للمناقشة عالميا، صحيح أن هناك دولا توصلت لفرض ضريبة على الإعلانات الرقمية التي تظهر على المحتوى، وفقا لشروط محددة، لكن هذه الشروط ربما لا تنطبق على مصر خصوصا في ظل سعي العديد من الدول المتقدمة إقتصاديا لإزالة الحدود و القيود الجمركية لتعزيز التجارة الخارجية التي تمكن المستهلك أينما كان من الطلب الفوري للسلع و الخدمات.
محمود القطوري
مرة أخرى هل «التشريع الضريبي» المزمع مجرد محاولة لاستعادة ما تراه الدولة حقا لها، أم «شراكة» من جانبها في أرباح خيالية، أم لعل الأمر مجرد خطوة لتحجيم أو تقييد السوشيال ميديا و السيطرة عليها خصوصا و أننا بحاجة فعلا لدراسة مدى تأثير هذه التكنولوجيا علي المجتمع علي كافة المستويات.