على وقع أزمة الحكم والخلافات التي تضرب التحالف الحاكم (تحالف الأمل) في ماليزيا، والتي قادت إلى استقالة رئيس الوزراء، مهاتير محمد، البالغ من العمر 94 عاماً، وما أضفته من غموض بشأن خليفته المحتمل، يتساءل مراقبون عن مصير جماعة الإخوان المسلمين وقادتها الذين وجدوا في كوالالمبور ورجلها القوي العائد للمشهد السياسي منذ 2018، حاضنة لهم.
لا يحتاج المتابع جهداً لإيجاد روابط قوية تجمع بين مهاتير محمد وجماعة الإخوان، والتي بدت واضحة في بيانات الترحيب والإشادة بـ«مناقب الرجل التسعيني»، منذ عودته لتصدّر الساحة السياسية في البلاد إبان انتخابات العام 2018، وصولاً إلى «قمة كوالالمبور الإسلامية» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي رغم اقتصار حضورها على قادة كل من ماليزيا وتركيا وإيران وقطر، ورفضها من أغلب الدول العربية والإسلامية، كما اعتبرتها منظمة التعاون الإسلامي «تغريداً خارج السرب وعملاً يهدف إلى إضعاف الأمة والإسلام»، فإن الجماعة وعلى غير المعتاد خرجت ببيان تشيد فيه «بتوقيت انعقاد القمة بمشاركة شعبية واسعة من شخصيات إسلامية، في طليعتهم قادة سياسيون ومفكرون وعلماء دين».
وحينها، ذكرت وسائل إعلام ماليزية أن حضور تلك القمة شمل نحو 150 شخصية إخوانية من المغرب وموريتانيا وتونس وليبيا والجزائر ولبنان والحركة الدستورية الكويتية، وإخوان تركيا وأوروبا، والإخوان المصريين المقيمين بإسطنبول وباكستان، وإخوان اليمن ممثلين في حزب الإصلاح، كما حضر من خارج جماعة الإخوان سلفيون، مثل سلفية السودان «أهل السنة والجماعة»، و«جماعة العدل والإحسان» المغربية. لتبقى الأسئلة قائمة بشأن «مدى صمود تحالف الإخوان في كوالامبور أمام عاصفة الخلافات السياسية في الحكم؟».
غموض يكتنف الموقف
على وقع الخلافات المتصاعدة في الائتلاف الحاكم في ماليزيا، يستبعد مراقبون أن يظهر انعكاس تلك التطورات سريعاً بشكل «سلبي» على الروابط التي تجمع الأحزاب السياسية والسياسيين المتصدرين للمشهد في البلاد وجماعة الإخوان المسلمين.
وجاءت استقالة مهاتير محمد بعد تطورات شهدت محاولة من خصوم أنور إبراهيم (72 عاما) داخل «تحالف الأمل» ومن معارضين سياسيين، لتشكيل حكومة جديدة.
وأمس الأحد، اتهم إبراهيم حزب رئيس الوزراء المستقيل و«الخونة» في حزبه بالتآمر لتشكيل حكومة جديدة مع المنظمة الوطنية المتحدة للملايو، وهي الحزب الحاكم السابق الذي أطيح به في 2018 وسط اتهامات بالفساد على نطاق واسع.
وقالت مصادر إن حزب مهاتير وجناحاً داخل حزب أنور إبراهيم التقيا مع مسؤولين من المنظمة الوطنية المتحدة للملايو والحزب الإسلامي الماليزي، في محاولة لتشكيل ائتلاف جديد. وقالت وسائل إعلام إن حزب مهاتير والمنظمة الوطنية المتحدة للملايو والحزب الإسلامي التقوا مع الملك، على الرغم من أنه لم يتضح ما تناولته المحادثات، وما إذا كان الائتلاف الجديد المقترح سيحصل على دعم الملك، الذي يلعب دوراً شرفياً إلى حد كبير في ماليزيا.
وبحسب علي بكر، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، فإنه «من المبكر الحكم على تأثر العلاقات القوية التي تربط بين قادة التنظيم الدولي للإخوان في الدول العربية والإسلامية وتغير شكل الحكم في ماليزيا».
وقال بكر «رغم أن عودة مهاتير محمد إلى الحكم في العام 2018 مثلت بارقة أمل كبيرة لتنظيم الإخوان، وبدت الأمور أكثر وضوحاً لروابط تلك العلاقات في مؤتمر القمة الإسلامية الذي استضافته كوالالمبور أواخر العام الماضي، فإنه في النهاية لم يكن مهاتير محمد بنفس القوة التي يمثلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالنسبة إلى الجماعة».
وقبيل انعقاد قمة كوالالمبور الإسلامية، بعثت جماعة الإخوان المسلمين برسالة مؤيدة لقادة قادة ماليزيا وتركيا وإيران وقطر، قالت فيها «يأتي انعقاد قمتكم هذه بمشاركة شعبية واسعة من شخصيات إسلامية، في وقت تحتاج فيه الأمة الإسلامية إلى الوحدة والتكاتف والتضامن والاتحاد»، معتبرة أن القمة تعكس جهود الأمة الإسلامية «التي تسهم بها في إنقاذ البشرية، وإخراجها من هذا التيه الذي تتردى فيه».
وذكر بكر أنه «من المرجح أن تقتصر التداعيات السلبية على دعم قادة الجماعة في الفترة المقبلة من قبل ماليزيا، على المزايا التي تعطيها الدولة لقادة الجماعة، سواء على مستوى تسهيل السفر والإقامة وحرية الانتقال وغيرها من الأمور التي شهدت طفرة وتطوراً في الفترات الأخيرة على غير المعتاد».
وفي العام 2014 وبعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أسس مهاتير محمد ما عرف بـ«منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة»، يتولى هو شخصياً رئاسته، على أن تكون استضافة المنتدى في دول مختلفة تتحالف حكوماتها مع جماعة الإخوان المسلمين، فعقدت نسخة من المنتدى في تركيا وأخرى في السودان، وتونس، بحضور واضح لجماعة الإخوان.
ووفق الموقع الرسمي للمنتدى، عُيّن حينها 3 نواب للرئيس، من بينهم الموريتاني محمد ولد الددو الشنقيطي، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (إحدى واجهات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أسسه الشيخ يوسف القرضاوي بقطر عام 2004)، ومفتي الجماعات «الجهادية» المسلحة، وأمر الله إشلر، نائب رئيس الوزراء التركي في حكومة رجب طيب أردوغان، وعلي عثمان طه، نائب الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وتولى عبد الرزاق مقري، الذي يوصف بأنه من صقور الإخوان في الجزائر بعد انقسام الحركة إلى أحزاب صغيرة، منصب الأمين العام للمنتدى.
ترقب لشخصية رئيس الوزراء الجديد
وفي الرأي ذاته، توافق الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، إسلام المنسي، بشأن ما اعتبره «تضررا للعلاقة بين جماعة الإخوان وماليزيا على المدى القصير»، نظرا لما قال إن «نفوذ الجماعة متوغل في أغلب الأحزاب الكبرى في البلاد، سواء على صعيد المعارضة ممثلة في الحزب الإسلامي، أو أحزاب التحالف، والتي من ضمنها حزب الأمانة وحزب العمل الديمقراطي».
وبحسب المنسي «يبقى الخلاف القائم بين أطراف التحالف الحاكم في ماليزيا وإمكانية نجاح أي طرف في الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء أحد الأطراف الهامة في التنبؤ بمستقبل الروابط التي تجمع بين كولالمبور وقادة التنظيم الدولي للجماعة».
ورغم تصالحهما قبل انتخابات العام 2018، بقيت العلاقة العاصفة بين أنور إبراهيم ومهاتير محمد (أكبر قادة العالم سنا) قائمة، إذ تحالف الخصمان السابقان في الانتخابات لإطاحة حكومة نجيب رزاق، التي تورطت في فضيحة فساد واسعة النطاق. وقادا ائتلافهما إلى فوز غير متوقع على ائتلاف حكم ماليزيا لستة عقود متواصلة، ووافق مهاتير (تولى رئاسة الحكومة من قبل بين العامين 1981 و2003) على تسليم السلطة لأنور إبراهيم بعد خروجه من السلطة.
إلا أن مهاتير رفض مراراً وتكراراً تحديد موعد لتسليم السلطة لأنور إبراهيم، ما أدى إلى توترات داخل الائتلاف المؤلف من أربعة أحزاب.
وقد هيمنت العلاقة الصعبة بينهما على المشهد السياسي في ماليزيا في العقدين الأخيرين. وكان يتوقع في الماضي أن يخلف أنور الذي كان وزيرا للمال، مهاتير في رئاسة الحكومة، إلا أن هذا الأخير طرده بعد خلاف بينهما حول حل الأزمة المالية في البلاد. وأوقف أنور وأودع السجن بعد إدانته بتهمة «ممارسة اللواط والفساد»، لكنه خرج من السجن ونجح في توحيد صفوف المعارضة المشرذمة وتحويلها إلى قوة قادرة على الوقوف في وجه الحكومة الموجودة في السلطة منذ فترة طويلة.
وقد تراجعت شعبية الحكومة وخسر التحالف انتخابات محلية عدة بعد تعرضهما لانتقادات بسبب عدم حمايتها لحقوق المسلمين الملايو الذين يشكلون الغالبية في البلاد وعدم التحرك بسرعة لاعتماد إصلاحات.
وشدد خصومهم على أن السياسيين من أصول صينية باتوا يسيطرون على التحالف. وتشكل مسألة الإثنيات والأعراق موضوعاً حساساً جداً في ماليزيا التي يدين نحو 60 في المئة من سكانها بالدين الإسلامي، لكنها تضمّ أيضا مواطنين من أصول صينية وهندية.
وأعربت أطراف عدة عن غضبها من أن حكومة انتخبت بطريقة ديموقراطية ستستبدل من دون إجراء انتخابات.
وقالت مجموعة من الناشطين والأكاديميين، في بيان، إن الشعب «لن يقبل ولن يتعاون مع حكومة شكلت في الكواليس لتحقيق المآرب الأنانية لبعض النواب بغية حماية مصالحهم». ودعا البعض إلى انتخابات مبكرة مع أن الأطراف السياسيين يميلون على ما يبدو إلى تشكيل حكومة جديدة من دون إجراء انتخابات.
نقلا عن: إندبندنت عربية