انتشرت مؤخرًا فتوى للدكتور حاكم المطيري الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة السلفي وأستاذ التفسير والحديث بكلية الشريعة بجامعة الكويت، حول ضرورة الوقوف خلف الجيش التركي واعتبار ما يقوم به في سوريا جهادا إسلاميا.
د. حاكم المطيري
بعيدا عن الحقيقة
انتشار الفتوى كان كبيرا داخل أوساط ما يسمي بالسلفية الحركية الكويتية بل والعربية، حيث اعتبرت هذه الفتوى أن التعاون مع الجيش التركي في دفاعه عن الشعب السوري فرض عين علي كل مسلم في هذا الوقت، وأنه يعد من الإجماع، حيث يجب على المسلمين كافة حماية النفس المعصومة عن طريق الوقوف بجانب الجيش التركي ضد روسيا، وأي قوي تتحالف معها، ومن لم يفعل مع قدرته آثم وضمن ديته علي نفسه علي حد وصف المطيري في نص الفتوى.
وإلى جانب أن مثل هذه الفتوى تعد مثالاً حقيقيا لاستغلال وتوظيف الدين في السياسة، فإنها تتجاوز الحقيقة الموضوعية من أن هناك دورا إقليميا تلعبه تركيا سواء لتعزيز مصالحها كدولة إقليمية كبيرة في المنطقة، أو لصالح قوي غربية، وأن الرئيس التركي وأتباعه يحاولون جاهدين توظيف الخطاب الديني بصفة عامة والإفتائي بصفة خاصة ليكون غطاءً لعملياتهم العسكرية داخل سوريا، شأنهم في ذلك شأن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مصدِّرين للشعوب والأمم أنهم حملة لواء النفس المعصومة ورافعو راية المستضعفين في الأرض، والساعون لتطبيق الشريعة الإسلامية.
حشد المطيري في فتواه كل الأدلة الشرعية التي ساقها علماء السلف القدامى عن مفاهيم الجهاد ونصرة المسلم من خلال فقهاء كابن تيمية، وابن القيم مرورا بابن جرير الطبري وابن كثير وابن قدامة الحنبلي، أو من خلال مصطلحات ومفاهيم يعرفها جيدا السلفيون المعاصرون مثل إنقاذ الغريق معصوم الدم،والتعاون على البر والتقوي، ونصرة المظلوم، والغزو مع كل بر وفاجر، وجهاد الدفع وجهاد الطلب وغيرها من المصطلحات والمفاهيم.
كما أبرزت الفتوى العلاقة الوطيدة بين الفتوى والتاريخ، على اعتبار أنهما مرتبطان، أي أن الماضي واليوم يشكلان المستقبل، ولا يمكن أن نفصل الماضي عن الحاضر، حيث ظهر ذلك جليا في سياق الفتوي التي ترمي بأن المصلحة العليا للإسلام تأتي بالتعاون مع الجيش التركي. لكن المطيري نسي كيف كان موقف محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام من عناصر القاعدة ورجالها بعد أن أجبرهم علي «فك الارتباط» بهم ثم عاجلهم بالقبض عليهم وأودعهم معسكرات اعتقال وقام بتصفية بعضهم لصالح الغرب حتي لا يوضع فصيله علي قوائم الإرهاب الدولية.
أخطاء تاريخية
الفتوى هي حركة متغيرة ترمز لحركة ضبط إيقاع المجتمع ومعرفة سياقاته المتغيرة بكل أبعادها وتحولاتها، وتدور بالمصلحة حيث دارت وتؤمن بالتغييرات الزمانية والمكانية، ومن هنا وقعت هذه الفتوى في جملة من الأخطاء المعرفية والتاريخية، ومن المؤكد أن هناك فتاوى تتعامل مع الماضي والتاريخ بنوع من الاستخفاف وعدم الوضوح، منها الفتوى الباحثة عن التاريخ، والفتوى الجاهلة للتاريخ، والمتلبسة للتاريخ، ثم الفتوى الموجهة للتاريخ، وفي هذا الصدد تحمل فتوى المطيري (الإلمام بوجوب الدفع عن أهل الشام) كل هذه المعاني المضطربة بالتاريخ. فهي فتوى باحثة عن تاريخ تليد للدولة الإسلامية وهي تستدعي حقبا تاريخية محددة للتاريخ العثماني واسقاطها علي الدولة التركية التي تحمل حتي الآن الطابع العلماني، ثم هي فتوى جاهلة بالتاريخ، فهى تجهل كيف كانت الدولة العثمانية في كثير من الأوقات والمراحل تستعبد شعوبها وخاصة سوريا، وتتناسى الفتوى -عن قصد أودون قصد – الحكم العثماني علي سوريا حيث تؤكد الوثائق أن الجيش العثماني نقل من خزائن عكا إلى الباب العالي أربعين مليون قرش وكثيرا من المجوهرات قدرت إحداها منفردة بمئتي ألف قرش عند تسلمهم زمام الولاية السورية، و هى أيضا فتوى متلبسة للتاريخ أي مختلطة غامضة مبهمة ذلك أنها تشير لوقائع تاريخية في غير موضعها الحالي، وهو ما جسدته هذه الفتوى بكل صورها وأركانها ومعانيها بشكل صارخ.
وهناك أيضا الفتوى الموجِّهة للتاريخ وهو ما وقع فيه المطيري فوظف الفتوى لصالح تركيا وأردوغان من خلال خطاب إفتائي صريح واضح يسعي لتبرير أعماله العسكرية وهذا ما حذر منه المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية بأن هذا الخطاب الإفتائي إزداد في الآونة الاخيرة مستغلا بعض الأبواق الإفتائية في العالم العربي بنسبة (70%)، وأشار المؤشر إلى استقطاب مفتين لتبرير التدخلات التركية في سوريا بقواعد فقهية وشرعية، مثل «دفع العدو الصائل» و«إقامة الخلافة» و«تطبيق الشريعة»، كفتوى حاكم المطيري التي اعتبرت أردوغان من الأمراء والمجاهدين الذين يفتحون الأرض مع الأئمة والفقهاء لنصرة الإسلام والمسلمين.
نسي المطيري في سياق هذه الفتوى كم الفتاوى التي وصلت لمائة فتوى تحض السوريين علي الرحيل من سوريا إلي ديار المسلمين التي لا يخشي علي المسلم القيام بالشعائر الدينية فيها مثل تركيا علي سبيل المثال والتي بها جالية سورية كبيرة جدا تصل إلي 3 ملايين 552 ألف مواطن سوري، وكذلك فتاوي أخري أطلقها السلفيون أيضًا من عينة أنه لا تجوز الهجرة من سوريا إلى بلاد غير المسلمين لأنه لا يأمن المسلم على نفسه فيها الوقوع في الفتنة، وذلك لما يترتب على السكنى بين ظهراني الكافرين من محاذير جسيمة ومخاطر عظيمة، منها أنه سيجعل على نفسه سبيلاً للكافرين (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)… ومنها أنه بمساكنته لهم واختلاطه معهم قد يتأثر في عقيدته فيواليهم محبة وإعجاباً بهم، لما يرى مما عندهم من زهرة الحياة الدنيا وزينتها مما لا يزن عند الله جناح بعوضة، ومنها أنه قد يخف عنده الشعور بالكراهية لما هم عليه من كفر بالله تعالى ومنكرات وانحلال فالنفس تألف ما اعتادته.
سلفية الكويت
حظيت الحركة السلفية بموطئ قدم في الكويت منذ أواخر ستينيات القرن الماضي. وفي بداية الأمر نشر السلفيون رسالتهم بالطريقة التقليدية من خلال خطب الجمعة و تنظيم الدروس الدينية في المساجد ثم نشرها من خلال شرائط الكاسيت و الكتيبات الدينية أو باستخدام التجمعات الكويتية التقليدية، أو الديوانيات، وعلى مدى سنوات عشر أخري كسبت السلفية قاعدة كبيرة من الأتباع، وبحلول نهاية سبعينيات القرن الماضي أصبحت حركة لها قاعدة كبيرة.
وكانت الفتاوي الدينية أبرز وسائل الدعوة السلفية تأثيرا في جمهور المتلقين وعن طريق جمعية إحياء التراث الإسلامي والتي كانت بمثابة هيئة شاملة للسلفيين في الكويت ووفّرت لهم إطاراً مؤسّسياً للحصول السهل والسلس علي مجموع فتاوى ابن تيمة ومجوعة فتاوي ابن باز وبن عثيمين وغيرهم من فقهاء السلفية القدامى والمعاصرين.
وانقسم التيار السلفي في الكويت إلى فصيلين هما: الأصوليون والحركيون، فالأصوليون هم من يؤمنون بضرورة الطاعة المطلقة للحاكم، وهم يركّزون على التفاصيل الدقيقة للعقيدة والعبادة، أما الحركيون فهم أولئك الذين يمتلكون وجهة نظر سياسية أوسع نطاقاً، وهم يطمحون إلى أسلمة المجتمع من خلال العمل الدعوي وتغيير مؤسّسات الدولة، وذلك باستخدام العنف إذا لزم الأمر.
ومن هنا خرج السلفيون الحركيون ينظرون لواقع الأمة الإسلامية الحالي بنظرة للبطولات الإسلامية الأولي وكذلك للنصوص الظاهرية في الحديث ثم الفقه بدون آليات النظر المعتبرة للفقهاء والعلماء المعاصرين وبدون إعمال فقه الواقع والمآلات والنظر للتاريخ علي أنه فكر وحركة وديمومة.
لقد سعى المطيري ونائبه حامد العلي إلى تحويل الحركة السلفية الكويتية إلى حزب سياسي حديث ومنظّم ولكن دب الخلاف بين هذا الاتجاه السلفي فقد كان حامد العلي يفضّل الاحتفاظ بالبنية الفضفاضة للحركة السلفية، وعندما سافر المطيري إلى برمنجهام لمتابعة دراسة الدكتوراه، تولّى حامد العلي زعامة الحركة، و شرع في تنفيذ أجندته الخاصة عبر التركيز أكثر على النشاط الخيري والعمل الدعوي العابر للحدود، وبدرجة أقلّ على السياسة الإقليمية، وهنا لم يتوافق المطيري مع التوجه السلفي الجديد فترك الحركة السلفية، وعندما عاد من بريطانيا في العام 2005، أسّس حزباً سياسيا جديدا أطلق عليه حزب الأمة مع سلفيين حركيين آخرين ممن تركوا الحركة السلفية وانضموا إلي تيار المطيري الذي تلاقي مع توجهات السلفية السرورية التي يراها بعض الباحثين قريبة من التيار القطبي، و سرعان ما تورطت عناصر تيار المطيري فيما بعد في القتال داخل أفغانستان والشيشان وسوريا والعراق.
حامد العلي
الخطاب الإفتائي الجديد لمثل هذه الفتاوى يقوم «أردوغان» وحكومته بتوظيفه ليكون مؤيدًا لأعمالهم التوسعية والعسكرية، شأنهم في ذلك شأن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مصدِّرين للشعوب والأمم أنهم حملة لواء الخلافة، والمسئولون عن نصرة المسلمين في العالم وخلاصهم من الاضطهاد والظلم، والساعون لتطبيق الشريعة الإسلامية، ويخفون عن الناس بأن محركهم الأساسي في هذه الحملات الاستعمارية هو ما يجنيه «أردوغان» ونظامه من مكاسب مادية وسياسية واضحة من تتريك الشمال السوري والفظائع والانتهاكات التركية ضد الشعب السوري.