لأن معظم طلاب الأزهر قادمون من الأرياف، وكثير منهم فقراء يحتاجون إلى المساعدة والعون، فقد استغل تنظيم الإخوان هذه الظروف، ليسيطر على آلاف الطلاب، بتوفير مساكن قريبة من الجامعة الأزهرية، وتيسير سبل الإعاشة للفقراء منهم، كما نشط التنظيم في مدينة البعوث، ورسخ أقدامه بين الطلاب الوافدين.
وبالرغم من أن شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب رجل ذو ثقافة واسعة، يجيد اللغة الفرنسية وتخرج من جامعة السوربون، إلا أنه بدا عاجزا عن مواجهة نفوذ السلفيين والإخوان داخل الأزهر، سواء في الجامعة أو المعاهد، بسبب المشكلات التي تراكمت عبر عقود، كما أنه لم يستطع تحقيق تقدم جوهري في تطوير المناهج، لأن عملية التطوير ستؤول بالضرورة إلى لجان تضم أشخاصا غير مدركين لأهمية التطوير وأهدافه حينا، وغير مرحبين بالتطوير أصلا أحيانا.
انعكس ضعف خريجي الأزهر بصورة مباشرة على أئمة المساجد، الواجهة الأزهرية الأولى أمام الجماهير، من خلال خطبة الجمعة التي اتسمت بالسطحية والتكرار، وتحولت في كثير من الأحيان إلى مؤتمر سياسي يفرض فيه الخطيب مواقفه واختياراته على جمهور المصلين.
ومن أهم صور ضعف الأزهر وخريجيه، حالة الاضطراب في الفتوى، وشغل الجماهير بتوافه المسائل، وتقديم الشيوخ خبرتهم الاجتماعية باعتبارها دينا يجب الالتزام به.
أما الفشل الأكبر للمؤسسة الأزهرية فكان في عجزها عن تلبية مطالب التجديد والإصلاح الديني، رغم الإلحاح المتكرر على قيادات الأزهر لتحمل مسئوليتهم تجاه مسألة التجديد، ومواجهة أفكار الغلو، ورفض كل ما يخالف الثقافة الأزهرية الأصيلة.
من المؤكد أن من لا يحيط بالعلوم الشرعية في صورتها التقليدية، ومن لا يملك الأدوات اللازمة لفهم نصوص القرآن والسنة، لن يكون قادرا على ممارسة عملية نقد حقيقية للتراث الفقهي، والكتب المعتمدة للتدريس في الجامعة والمعاهد، ومن المؤسف أن هذا حال أغلب الأزهريين، حتى أولئك الذين يشغلون عمادة الكليات ورئاسة الأقسام.
ومن اللافت أن رموز المؤسسة الأزهرية يتعاملون مع دعوات التجديد بحذر شديد، ويقيمون حواجز شاهقة بينهم وبين أصحاب المشاريع الفكرية الجادة، باعتبارهم يهدمون ثوابت الدين، ويتعدون على دور المؤسسات الدينية المنوط بها وحدها التعامل مع كل ما يخص الشريعة والفكر الإسلامي.
وكثيرا ما تعرض الأزهر لحرج بالغ بسبب الصورة التي ظهر عليها ممثلوه في وسائل الإعلام، خاصة في المواجهات الفكرية بشأن التراث، فقد ظهر ممثلو الأزهر مرتبكين ضعافا، يهربون من الأسئلة الموضوعية، ويركزون نقدهم على عقيدة ودين محاورهم.
تمنح الدولة الأزهر نحو 8 مليارات جنيه سنويا، تلتهم الأجور الجانب الأكبر منها، إذ تذهب 6,354 مليار جنيه أجورا للمعاهد الأزهرية، فيما تلتهم الجامعة 1,211 مليار جنيه، ليصبح الأزهر عمليا غير قادر على تمويل أي إصلاح إداري أو علمي.
ضعف التمويل أجبر المؤسسة الأزهرية على قبول التبرعات من بعض الدول العربية والإسلامية، وهو ما فتح الباب أمام نفوذ كبير لدول كان الأزهر دائما يمثل عقبة أمام زعامتها الدينية، مما يمكننا معه أن نقول إن استقلال الأزهر لا ينحصر فقط في علاقة المؤسسة بالسلطة الحاكمة في مصر.
صحيح أن الدستور الحالي أكد على استقلال شيخ الأزهر، فنص في مادته السابعة أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة… وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء”. إلا أن الاستقلال العملي والحقيقي للمؤسسة يظل محل نظر بسبب ضعف مخصصاتها في موازنة الدولة، وقبولها للتبرعات من الخارج.
إن إنقاذ الأزهر من محنته، ليقوم بدوره العلمي والفكري ليس مسئولية شيخ الأزهر الحالي أو من سيخلفه، وإنما هو مسئولية الدولة المصرية كلها، كما أن مواجهة هيمنة المتطرفين على الكليات والمعاهد الأزهرية لا تكون فقط بإبعادهم من مناصبهم، وإنما تكون بإفقادهم الغطاء الفكري والشرعي الذي توفره مناهج الدراسة في المؤسسة العريقة.