رؤى

من وحي كورونا: العنصرية البيضاء هي الفيروس، والشرطة هي مجرد حامل للفيروس

بقلم : نيك بيمبرتون

عرض وترجمة – أحمد بركات

تزداد حدة التوترات في العديد من المدن الأمريكية على خلفية مقتل الشاب الأمريكي من أصول أفريقية، جورج فلويد، على يد أحد عناصر شرطة مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا. وإذا كانت الاحتجاجات تمثل منبرا يذوب فيه الفرد في الجماعة، فإن الكتابة هي المنبر الذي نعبر فيه عن آرائنا الخالصة، ونقدم من خلاله حلولا للمشكلات النظرية التي تلهم العمل.

وهنا أود أن أتحدث عن نوع من أنواع الآخرية؛ ليست الآخرية التي تخلق أقلية من المطيعين والشهداء، وإنما آخرية العنصرية البيضاء من جانب والمستائين منها من جانب آخر. في هذا السياق، أعتقد أن الجميع – والبيض، على وجه الخصوص – يجب أن يشعروا بالعار.

سوف أتمسك بأن الانقسام الأساسي داخل المجتمع يقع بين الطبقة الحاكمة والطبقة العاملة. الطبقة العاملة لا تدير الأزمات، بل هي الأزمة التي يجب حلها من قبل قطاع صناعة الدواء، والمجمع العسكري الصناعي، والشرطة، ويؤسفني أن أضيف إليهم العمال الاجتماعيين والأطباء والمعلمين. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها هي: هل تتقاطع هذه المجموعات؟. وهل رجال الشرطة بوجه عام هم الفئة الأكثر عنصرية في المجتمع؟ الإجابة، ببساطة،هي: «بالطبع».

لكن، ليس الأمر بهذه البساطة. فالشرطة تحمي شيئا ما هنا. أسمع هذه العبارة طوال الوقت: «هل تعتقد أن هناك شرطيين طيبين؟.. إن جميع الشرطيين سيئين». ربما يكون هذا صحيحا، لا يعنيني ذلك حقيقة. الحقيقة هي أنني أجد نفسي في مشكلة خطيرة عندما أتصل بـ 911، وإذا رأيت شرطي فإنني بوجه عام أفترض الأسوأ. إننا نجد شعورا مريحا في نعتهم بالسوء، وربما يكون ذلك صحيحا. لكنني دائما أشعر بالقلق حيال التأكيدات النهائية والحاسمة التي تقطع بها الأيديولوجيات.

https://youtu.be/FL7rYpZ-dc4?t=18

من المرعب أن نعتقد أنه إذا كان الشرطيون هم المشكلة، فإن هذا يعني أننا معفيون. إنني أخشى بشدة من موت ’الذنب الأبيض‘؛ فرغم سُميته، إلا أنه أفضل ما لدينا. وإذا كنت أرى السجين إنسانا كاملا، فإنني أيضا أنظر إلى الشرطي بالمنظور ذاته. أما فيما يتعلق بتساؤلات من قبيل «مَن تثق فيه أكثر؟» و«مَن المذنب على الأرجح»، فإنني – مثلك عزيزي اليساري – سأجيب «السجناء»، و«الشرطيون»، على التوالي.

ولكننا جميعا نقوم بالأدوار ذاتها، ويجب أن نحكم على بعضنا البعض وفقا للأدوار التي نختار أن نقوم بها، وكيفية استفادتنا، أو عدم استفادتنا، من الشر الذي نمارسه تجاه الآخرين. هذا هو نفس ظاهرة ترمب، وظاهرة كوفيد – 19. إننا نشعر بأننا أفضل عندما ننسب الشر لشيء خارجي. لكننا نحن النظام، أليس كذلك؟ السؤال هو: كيف نغير المحفزات؟ إننا نعلم جميعا أن عمدة مدينة مينيابوليس، جاكوب فراي – الذي يُعرف لأسباب وجيهة باسم جنتري – فري (Gentri-Fry) – ما كان ليفصل ضباط الشرطة الأربعة دون الجهود الفعالة التي بذلتها حركة «حياة السود مهمة» (Black lives Matter) على مدى سنوات من أجل إعادة ترتيب الاولويات.

https://youtu.be/oTTE0IfP2-4?t=5

هذا هو نوع التقدم الذي يجب أن نأمله. ليس القاء المشكلة على كواهل آخرين، ولكن لنعترف بأنه ربما لو نشأت بالطريقة نفسها التي نشأ بها هذا الشرطي، أو لو كنت أشغل نفس وظيفته، لقمت بما يقوم به. هذا هو نوع الرعب الذي يجب أن يسيطر علينا في مجتمع أمريكا البيضاء. فكما قد يرتعد السود عندما يذهبون إلى السوبر ماركت، يجب أن نرتعد أيضا من احتمال أننا قد نكون في هذا الموقف حيث يتعين علينا أن نختار بين الانتهازية والحب.

إن قضية تغير المناخ ليست مزحة. لكن.. من يستطيع أن يغسل يديه من جريرة الملايين الذين ماتوا فعليا بسببها؟ في الواقع تتولى الإكسينوفوبيا (الخوف المرضي من الأجانب) ومجمع السجون الصناعي تقديم حلولا مريحة لنا لهذه المشكلات الطبيعية. إن رجال الشرطة يعملون دون نفاق، لكننا لا نفعل ذلك.

إنني أرى الشرطة كطبقة عاملة. هم يعملون في الخطوط الأمامية للرأسمياليين والعنصريين البيض بينما نحاول نحن أن نقصي أنفسنا اجتماعيا في الأيام التي ينجزون فيها من دون قصد أيديولوجيتنا وما نحمله من كراهية. أقول هذا كمؤمن بالعنصرية الكامنة في اللاوعي.

أتحدث كشخص يكره القسوة والفظاظة، وكشخص يؤمن بأنه من السهل أن نلوم الدولة على خطاياها، لكن من الصعب أن ندرك حجم القوة التي نملكها بصورة جماعية عندما نتخلى عن الحرية الفردية ونستمسك بدلا منها بمبدأ الحوكمة ومحاسبة الحكومة. أعرف أن كثيرين من البيض في مينيسوتا سوف يشعرون بالسخط ضد الحكومة بعد هذه الجريمة، لكن في خضم تفشي فيروس كورونا، من أنقذ الأشخاص الأكثر ضعفا والأقليات والفقراء الذين كانوا أكثر عرضة للموت في الوباء؟ ألم تكن هذه الحكومة التي تعد واحدة من أقل الحكومات المحلية تلوثا بالفساد؟

إن الملونين هم الأكثر احتياجا من غيرهم إلى حكومة قوية، وإلى نظام شرطي فاعل لحمايتهم من الجريمة. لا أعني فقط جرائم الشوارع، وإنما أيضا جرائم أخرى، مثل أزمة مياه مدينة فلينت، بولاية ميتشيغان، التي بدأت في عام 2014، وأدت إلى تسمم مياه الشرب. لذلك، فإننا بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى تطبيق مبدأ المحاسبة على الشرطة؛ تلك هي المسألة.

إن الشرطة في نهاية المطاف ليست سوى حامل للفيروس. ولهزيمة فيروس العنصرية البيضاء علينا أن نسيطر على حامليه، وأن نخضعهم لمبدأ المحاسبة. لكن يبقى الفيروس هو العنصرية البيضاء، ولا يمكننا أن نقضي على هذا الوباء بأن نعزل أنفسنا اجتماعيا عن المشكلة. وبدلا من أن نلوم الأكثر معاناة من المرض، دعونا نتحمل مسئولية مستقبل مجتمعنا. لا يوجد شعور أكثر تمكينا من ذلك. يجب ألا نخاف فقط من رجال الشرطة. بل يجب أن نخاف أن نصبح نحن هم.

إن رأي الفيلسوف والناقد الثقافي السلوفيني، سلافوي جيجك، بأن ترمب مكروه لأنه آخر ما يراه الليبراليون اليساريون قبل أن يروا الصراع الطبقي ينطبق هنا أيضا. يأتي ترمب، ونسمع: «الديمقراطيون خذلونا»، ويأتي فيروس كورونا ونسمع: «الرأسمالية خذلتنا»، ثم جريمة قتل أخرى ضد رجل أسود ونسمع: «العنصرية البيضاء خذلتنا». لا يكمن الحل في أي من هؤلاء.

دونالد ترامب، وسلافوي جيجك

لقد ظهر التهديد الذي يتعرض له النظام الاجتماعي بنزول الآلاف إلى الشوارع. وأعتقد أننا يجب أن نتوقف عن تعليق مشكلاتنا على مشجب الأسباب الخارجية. دعنا نسيطر على مصائرنا هنا. لا أحد يمكنه أن يقول إن الشرور المعيارية التي نشهدها اليوم سواء كانت الديمقراطيين المزيفين، أو البيض الغاضبين، أو الرأسماليين المتربحين، أو الشرطيين القتلة غير مسئولة في شكلها الحالي عما آلت إليه الأمور. لكن.. كما تستطيع الحكومة القوية صياغة القوانين التي يجب الالتزام بها، فإن المواطنة القوية أيضا تستطيع صياغة الحكومات، وهذا أيضا يجب الالتزام به. 

التغيير سوف يأتي. ولن يكون ذلك لأن أحدا طيب أو شرير. وهذه في رأيي هي عبقرية الأيديولوجيا التي تتبناها حركة «حياة السود مهمة». فهي لا تهدف إلى أي شكل من أشكال الإيثار أو التفاهات الخاصة باليسار الليبرالي، مثل «الرأسمالية بلا قلب»، أو «كيف نهتم جميعا كثيرا»، أو غير ذلك. فهذه الحركة تقول ببساطة «حياتنا مهمة».

إن هذه الأيديولوجيا تأخذ فعليا خطوة واسعة ومهمة للخلف بعيدا عن المقولات الوردية من قبيل «الولايات المتحدة لديها أعظم سجل في حقوق الإنسان»، و«الأمريكيون يمقتون العنصرية»، وغيرها، وتفضح سلسلة الأكاذيب بأكملها. إن الاستبداد يعبر عن نفسه عندما يصبح من المستحيل شرعنة النظام التقليدي بعبارات خادعة، ويرجع هذا في الغالب إلى عدم قدرة الفقراء على تحمل الضغوط التي تفرضها عليهم الطبقة الحاكمة.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock