يعتقد بعض الباحثين مثل «حميد دباشي»[1] وهو أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك الأميركية في كتابه «لاهوت التحرير الإسلامي»، و الباحثة الفرنسية «سيلفي تاوسيج»[2] و هي باحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا في مقالها «من الإسلام السياسي إلى لاهوت التحرير الإسلامي» .. يعتقدان بأن الإسلاموية من الممكن لها أن تكون الشكل الإسلامي للاهوت التحرير، فبالنسبة لهما بقي الإسلام منذ مائتي عام إسلاموي النزعة لأن الواقع الجيوسياسي للعالم قد فرض عليها أن تجسد ردة فعل العالم العربي و الإسلامي علي الهيمنة الغربية. وهكذا فإن الإسلام السياسي بأشكاله وتجاربه المختلفة، هو الإسلام بنسخته الحديثة التي قاتلت ضد الاستعمار والتي تقاتل الآن ضد الاستعمار الجديد في ثوب الإمبريالية الاقتصادية والحروب في المنطقة. وبالتالي أصبح الإسلام في شكله الإسلاموي – بالنسبة للملتزمين دينيا و حتي لقطاع من غير الملتزمين من المسلمين – نوعا جديداً من أشكال المقاومة للإمبريالية الغربية في أشكالها السياسية والإقتصادية والثقافية والعسكرية، إنظلاقا من فكرة تعارض المشروع الغربي معرفيا الثقافة الإسلامية.
حميد دباشي، وكتابه «لاهوت التحرير الإسلامي»
و للرد علي ذلك الطرح الذي يتبناه أيضاً بعض من قابلتهم في الأكاديميات الغربية، أستعين عادة «بعاصف بيات»[3] و هو أستاذ الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط بجامعة إيلينوى الأمريكية و الذي يوضح أنه على الرغم من أن الإسلاموية ولاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية غالباً ما يستخدمان اللغة الدينية في خطابهما السياسي، إلا أنهما مختلفان تماماً على أرض الواقع، فبينما يهدف الإسلاميون إلى «أسلمة» مجتمعهم وسياسته واقتصاده، فإن علماء لاهوت التحرير لم يكن أبداٌ من بين أهدافهم «تنصير» مجتمعاتهم، بل تغيير المجتمع لصالح الفقراء.
عاصف بيات، وكتابه «الحياة كسياسة»
وبيما نجد أن الهدف الرئيسي للإسلاموية هو إقامة نظام إسلامي – بمفهوم محدد – وهو نظام لا ينظر فيه إلي الدولة على أنها مؤسسة عامة تراقب مصالح الناس وتنظم الشؤون العامة، ولكن كأساس وركيزة للإسلاموية ولحركات الإسلام السياسي، فمن وجهة نظرهم لا توجد دولة شرعية من دون تطبيق الشريعة، ولا يوجد إسلام بدون دولة معنية أساسا بتطبيق الإسلام وشريعته، بينما لاهوت التحرير يجعل من «تحرير الفقراء» نقطة انطلاقه المؤسسة لكل أهدافه السياسية.
كما يلاحظ أن التوجه اليميني العام للحركات الاسلامية وخضوع الإسلاميين وتقبلهم لآليات السوق الرأسمالية لا يتوافق مع التطور الاشتراكي للاهوت تحرير أمريكا اللاتينية. وعلى عكس الإسلاموية، لم يكن لاهوت التحرير مجرد تعبير عن الهوية الثقافية التي يتم اختزالها في بعدها الديني فقط في مقابل الآخر، بل كان لاهوتا للتنمية يركز اهتمامه على البعد الاجتماعي للفقراء وعلى التحرر السياسي للشعوب.
ويلاحظ أن الإسلاموية نشأت على أهداف خاصة تجعلها أكثر قابلية للمقارنة بالأصولية البروتستانتية منه إلي لاهوت التحرير، فالإسلاموية هى أصولية تشترك في عدد معين من السمات مع أي تطرف ديني كالمؤتمر المعمداني الجنوبي في الولايات المتحدة الأمريكية و حركة «الميلاد جديد» وكذلك الأصولية الهندوسية على سبيل المثال. وكما توضح «ميشلين ميلو»[4] هناك سمات أساسية للتطرف الديني تتشارك فيها الحركات الأصولية على الرغم من التنوع الكبير لأشكال التعبير والجذور الاجتماعية والثقافية بينها، ويمكن إجمال هذه السمات فيما يلي:
- الخطاب العدواني بشكل عام الذي يرتكزبالأساس علي نظريات المؤامرات تجاه الحداثة.
- العودة إلى الدين في جميع جوانب الحياة باعتبارها الطريقة الوحيدة الصالحة للتغلب علي العلل المصاحبة للحداثة.
- التمترس على مسألة الهوية.
- القدرة علي التجييش الشعبوي لإقامة و فرض نظام سياسي واجتماعي بديل.
ولنقض فكرة اعتبار الإسلاموية هي الشكل الإسلامي للاهوت التحرير، أستعين أيضاً بكتاب «الدين والثورة بين لاهوت التحرير المسيحي واليسار الإسلامي المعاصر» الصادر عام 2016 للباحث المصري الدكتور «حمدي عبد الحميد الشريف»، مدرس الفلسفة السياسيَّة بكليَّة الآداب، جامعة سوهاج الذي يبين فيه أنَّ تيار لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينيَّة يرتكز على استخلاص الأبعاد الاجتماعية التقدمية في المسيحية، و يبتعد عن القضايا العقديَّة الخلافية ويتسم بسميتين أساسيتين: الأولى أنه لا يكفر أصحاب التفسيرات والطوائف المسيحيَّة الأخرى، والثانية أنه لم يسع للسُّلطة بتعطش كالإسلاموية. و بناء عليه لا يمكن للإسلاموية أن تؤدي إلي صياغة نموذج لإسلام اجتماعي ثوري، و ذلك للأسباب التالية:
- احتكارها التحدث باسم الدين، حيث تقدم الإسلاموية تفسيرا واحدا للدّين وللتاريخ الإسلامي على أنه من الحقائق الثابتة، بل و تسعي لفرض هذا التفسير – دون غيره – بالقوة علي المجتمع .
- غلبة مصلحة التنظيم و الجماعة علي المصلحة العامة للمجتمع، بغض النظرعن آراء الاخرين.
- الاعتماد على النزعة الميكافيليَّة «الغاية تبرر الوسيلة» لتبرير أى توجه أو سلوك أو قرار تتخذه الجماعة لصالحها.
- غلبة الفكر التعبوي الشعبوي وتجييش الجموع علي الفكر المعرفي القائم على نسبية الحقيقة.
- طغيان الجوانب العقائدية والأصولية علي الاجتماعية، وحصر النقاش – إن وجد – علي القضايا العقائدية الخلافية القديمة، مما يجعل المجتمع رهينة لفقه العصور القديمة والعصور الوسطى، و ذلك بالإنقطاع عن حركة العلم والفلسفة والتقدم البشري.
- سيادة مبدأ التكفير المبرر للعنف في نهجها السياسي للوصول للحكم، مستندة إلي الإعتقاد بكونها الفرقة الناجية الحارسة للدين.
هذه المقارنات المهمة والاختلافات الجذرية الواضحة لم يضعها بعض الباحثين الغربيين في اعتبارهم عند تشبيه حركات الإسلاموية بحركات لاهوت التحرير، وهو ما يجعلنا نستنتج ان الطبيعة الفكرية الخاصة للتطور السياسي للحركات الإسلاموية قد انتجت في واقع الأمر لاهوتا رجعيا للتكفير لا تقدميا للتحرير.
[1] هو أحد مؤسسي معهد الاجتماع والأدب المقارن ومركز الدراسات الفلسطينية بجامعة كولومبيا و ينحدر من أسرة إيرانية ثم أنتقل للولايات المتحدة ويحصل على دكتوراه في علم اجتماع الثقافة والدراسات الإسلامية من جامعة بنسيلفينيا. ألَّف 25 كتابا منها: «مابعد الاستشراق، المعرفة والقوة في زمن الإرهاب» و«لاهوت التحرير الإسلامي: مقاومة الامبراطورية».
[2] Sylvie Taussig, De l’islam politique à la théologie musulmane de la libération, Gallimard | « Les Temps Modernes », 2018/4 n° 700 | pages 66 à 94,
https://www.cairn.info/revue-les-temps-modernes-2018-4-page-66.htm .
[3] Asef Bayat dans son entretien avec Alain Gresh, L’islamisme est-il la forme musulmane de la théologie de la libération ?, https://orientxxi.info/magazine/l-islamisme-est-il-la-forme-musulmane-de-la-theologie-de-la-liberation,2525 .
[4] Milot, M. (1998). Religion et intégrisme, ou les paradoxes du désenchantement du monde. Cahiers de recherche sociologique, (30), 153–178. https://doi.org/10.7202/1002659ar
اقرأ أيضا:
لماذا تتعاطف دوائر عديدة في الأكاديميا الغربية مع الاسلاموية؟ (1)