كولين كلارك – زميل أول في «برنامج الأمن القومي» في «معهد أبحاث السياسة الخارجية»، وكبير باحثين في «مركز صوفان»، وباحث سياسي في «مؤسسة راند».
عرض وترجمة: أحمد بركات
يبحث هذا المقال تأثيرهجوم بينساكولا الإرهابي على العلاقات الأمريكية السعودية. وقع التفجير في ديسمبر الماضي على يد محمد سعيد الشمراني، الضابط بسلاح الجو السعودي، في محطة بينساكولا الجوية البحرية بولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأودى بحياة ثلاثة بحارة أمريكيين وإصابة ثمانية آخرين، وبينما فتح الهجوم نافذة لتنظيم القاعدة لاستعادة وجوده في المملكة والمنطقة، إلا أنه لم ينجح في تقويض العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، فقد بادر الرئيس دونالد ترمب إلى الإشادة بالمملكة كحليف قوي، كما غرد على حسابه الشخصي على موقع تويتر مؤكدا إبلاغ الملك سلمان بن عبد العزيز له «أن الشعب السعودي غاضب للغاية من هذا العمل الهمجي، وأن مرتكب هذا الهجوم لا يمثل بأي شكل من الأشكال مشاعر السعوديين الذين يكنون كل الحب للشعب الأمريكي». كما أكد المدعي العام الأمريكي، وليام بار، أن السعوديين يقومون بدور مهم في مساعدة التحقيقات. وفي تقرير داخلي تم تجميعه على وجه السرعة لتحليل تغريدات منفذ الهجوم، ألقت الحكومة السعودية باللائمة على علماء يعدون من أعداء النظام الحاكم في المملكة، وبخاصة هؤلاء المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين، لممارستهم تأثيرا سلبيا على الشمراني.
King Salman of Saudi Arabia just called to express his sincere condolences and give his sympathies to the families and friends of the warriors who were killed and wounded in the attack that took place in Pensacola, Florida….
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) December 6, 2019
التأثير على العلاقات الأمريكية السعودية
منذ أكثر من عام، وبناء على طلب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قام فريق رفيع المستوى ، بقتل الصحافي السعودي البارز، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في اسطنبول، وهو ما فرضت عليه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA)) درجة كبيرة من السرية. وبرغم محاولات السعوديين إخفاء الجريمة، إلا أن هذه المحاولات ذهبت أدراج الرياح وتم الكشف لاحقا عن هذا العمل الوحشي. وبناء على هذه الجريمة والحرب الكارثية التي تقودها المملكة في اليمن، والتي أسفرت عن مقتل أعداد لا تحصى من المدنيين اليمنيين، دفع الكونجرس باتجاه خفض المساعدات العسكرية الأمريكية للمملكة، وهو ما قاومه البيت الأبيض بإصرار. وفي نهاية عام 2019، رفضت الخارجية الأمريكية خطة لتدريب رئاسة المخابرات العامة (كما يطلق على الاستخبارات السعودية) بسبب ما يُعتقد على نطاق واسع أن الرياض تواصل حملتها لقمع المعارضين في الخارج واعتقال نشطاء حقوقيين.
وفي أكتوبر 2019، أعلنت واشنطن عن خطط لنشر ما يقرب من 2000 جندي إضافي في المملكة العربية السعودية لمواجهة إيران وتعزيز الدعم للرياض في أعقاب الهجوم الصاروخي الذي وقع في سبتمبر 2019 ضد المنشآت النفطية السعودية، ويشتبه في ضلوع إيران فيه. وبعد عملية 3 يناير 2020 التي أودت بحياة قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وتصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران، تم حشد مزيد من الجنود الأمريكيين إلى منطقة الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يستغل تنظيم القاعدة إرسال مزيد من القوات إلى المملكة العربية السعودية، كما استغل من قبل وجود قوات أمريكية في المملكة كمبرر رئيسي لهجومه على الولايات المتحدة. لكن العلاقة بين واشنطن والرياض تتسم بالديمومة والاستمرارية، حيث تعتمد العائلة المالكة السعودية على الولايات المتحدة في «الحماية والاستمرار»، وهو ما يجعل قيادة البلاد هدفا دائما للجماعات الجهادية، مثل تنظيم القاعدة، فقد كان أحد الأهداف المعلنة لابن لادن هو الإطاحة بالنظام الملكي السعودي، الذي كان يعتبره نظاما مرتدا. كما سبق أن شنت القاعدة حملة إرهابية قاتلة في المملكة في الفترة بين عامي 2003 و2006، استهدفت فيها الغربيين المقيمين في المملكة، والمنشئآت النفطية السعودية، ووزارة الداخلية، والقنصلية الأمريكية في جدة، إضافة إلى منشآت أخرى.
وبينما لم يقوض هجوم بينساكولا العلاقات الأمريكية السعودية، فإنه من المحتمل أن تؤثر متطلبات التدقيق الأكثر صرامة، إلى جانب الندوب التي خلفها الهجوم، على قدرة البلدين على التشارك في مهام مكافحة الإرهاب في المستقبل، وهو ما سيؤثر بدوره في طبيعة برامج التعاون الأمني الأمريكي مع المملكة، وسيؤدي إلى علاقات أقل قوة بمرور الوقت.
تدقيق برامج التعاون الأمني
دفع الهجوم بأعضاء في الكونجرس للمطالبة بتطبيق مزيد من التدقيق على التعاون الأمني وبرامج التدريب التبادلية التي يشارك فيها الجيش الأمريكي داخل الولايات المتحدة مع دول أجنبية. في السابق، كان التركيز ينصرف إلى برامج التدريب في الخارج، حيث عانت الولايات المتحدة من العديد مما يطلق عليه هجمات «الأخضر على الأزرق» في أفغانستان، والتي يوجه فيها أعضاء جيش الدولة الشريكة الذي يجري تدريبه من قبل الأمريكيين أسلحتهم ضد الجنود الأمريكيين.
في أعقاب هجوم بينساكولا، نفذت وزارة الدفاع الأمريكية إجراءات تعلق بالسلامة والأمن، وأصدر مكتب نائب وزير الدفاع لشئون المخابرات والأمن أوامر بتعزيز عمليات التدقيق بحق الطلاب العسكريين الأجانب الموجودين بالولايات المتحدة، والذين يتجاوز عددهم 5000 طالب، وإجراء مراجعة شاملة للسياسات والإجراءات المتبعة لفحصهم ومنحهم حق الدخول إلى القواعد العسكرية. وقد تم استخدام معايير التدقيق الجديدة لتدريب العسكريين الأجانب في الولايات المتحدة لفحص جميع الطلاب العسكريين السعوديين في أعقاب هجوم بينساكولا، كما تمثل هذه المعايير جزءا من مبادرة تطوير عمليات التدقيق التي تجري بحق المتدربين الأجانب عموما. تجمع المبادرة بين إجراءات التحقيق التقليدية التي تتضمن عمليات بحث آلي في سجلات البيانات، والتي «تعاين مجموعات البيانات المأخوذة من جهاز الاستخبارات، وتتضمن البيانات الحكومية والبيانات التجارية والبيانات المتاحة»، بحسب شهادة جاري ريد، مدير الدفاع والاستخبارات ومكافحة التجسس وتطبيق القانون بمكتب نائب وزير الدفاع لشئون الاستخبارات والأمن، في 4 مارس 2020.
جاري ريد، د، مدير الاستخبارات الدفاعية ومكافحة التجسس
بلا شك، ستؤثر هذه المعايير الجديدة على العلاقات بين الجيش الأمريكي والكثير من الشركاء والحلفاء. وعلى وجه التحديد، وبالنظر إلى الطبيعة المشددة لتطوير عمليات تدقيق المتدربين – على النحو الذي وصفه ريد – فإن قدرة الجيش الأمريكي على الاستمرار في تدريب نفس الأعداد من العسكريين السعوديين، أو غيرهم من المنتمين إلى دول شريكة في الحرب ضد الإرهاب، تصبح محل شك. ومن ثم، فإن النتيجة المباشرة لهجوم بينساكولا يمكن أن تتمثل – من بين أشياء أخرى – في تراجع أعداد المتدربين من القوات الشريكة في مكافحة الإرهاب داخل بلدانها، وفي مناطق مثل شبه الجزيرة العربية والساحل الأفريقي والقرن الأفريقي، هو الأمر الذي يمكن أن يتسبب في تداعيات خطيرة.
سيكون هناك دائما تحديات كبرى لتحديد الأفراد الذين يتبنون أفكارا راديكالية، والذين يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية، رغم ذلك فإن هجوم بينساكولا يثير تساؤلات مهمة حول الإجراءات السابقة للتحقق من الأمن / التهديدات التي كانت تُستخدم من قبل السلطات في كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. وبالنظر إلى أن حساب الشمراني على تويتر قد كشف بجلاء عن وجود تقارب وثيق مع الأيديولوجيات المتطرفة منذ عام 2015، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول أسباب فشل السلطات السعودية في الكشف عن اعتناق الشمراني لأفكار متطرفة. ويشير التقرير الداخلي السعودي إلى أن حساب الشمراني على تويتر لم يعرض لاسمه بالكامل، ولم يحتو على صور أو معلومات شخصية تسمح للسلطات بالتحقق من هويته. رغم ذلك، كان الحساب يعرض لاسميه الأول والأخير باللغة العربية، وكان مرتبطا بمنشورات عديدة أوضحت – على الأقل بعد ظهور الحقيقة – أنه كان مسئولا عن تشغيل الحساب والمواد التي يعرضها.
كان رد الفعل الأولي من البنتاجون على عملية بينساكولا هو تعليق تدريب 852 طالبا سعوديا أثناء إجراء تحقيقات أكثر شمولية. وإضافة إلى هؤلاء، خضع أكثر من 5000 طالب دولي لعمليات تدقيق إضافية كجزء من مراجعة أمنية أوسع نطاقا. وفي 14 يناير 2020، أعلنت الولايات المتحدة أنها قامت باستبعاد 21 طالبا عسكريا سعوديا من أحد البرامج التدريبية بعد أن تبين لها ارتباطهم بمواد إباحية تتعلق بالأطفال ومواد ترتبط بالتطرف العنيف. كما كشفت التحقيقات الجنائية التي اضطلعت بها وزارة العدل الأمريكية عن عدم توافر أي أدلة تثبت وجود أي معرفة مسبقة عن الهجوم لدى أي من أفراد الجيش السعودي. رغم ذلك، فقد أثبتت التحقيقات أن 21 من هؤلاء الأفراد كانوا يحتفظون بـ «مواد ازدرائية»، شاركها 17 منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمنت محتوى جهاديا.
وإضافة إلى معايير التدقيق الأكثر صرامة لتحديد المؤهلين للمشاركة في برامج التعاون الأمني، فقد أعلن البنتاجون أيضا أنه سيفرض لوائح أكثر تشددا على الطلاب الذين يصلون إلى الولايات المتحدة، ووضع قيود جديدة على السفر داخل البلاد وحيازة الأسلحة النارية والدخول إلى القواعد العسكرية وغيرها من المنشآت. رغم ذلك، في 21 يناير 2020، قدم البنتاجون موافقة مشروطة على استئناف تدريب طلاب سعوديين «بمجرد أن تستوفي الدوائر العسكرية شروطا معينة». وفي مؤتمر صحفي عُقد بعد يومين فقط من إعلان هذه الموافقة، أشار وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، إلى أن التغيرات التي طالت عمليات التدقيق سوف تكون «أكثر شمولا» وسوف تتضمن تحقيقات أكثر استيفاء عن المتدربين الأجانب المحتملين، بما في ذلك إجراء فحص لحساباتهم الشخصية وتفاعلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى «مراقبتهم بصفة مستمرة» طوال فترات إقامتهم في الولايات المتحدة.
وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي وهوامش الدراسة باللغة الإنجليزية من هنا