وجهت جامعة كندية مؤخرا إنذارا بالفصل إلى أحد أساتذتها، ويخضع حاليا للمحاكمة بسبب رفضه استعمال ضمائر أخرى، في مخاطبته للطلبة، غير هو وهي.. إذا كان السبب قد يثير دهشتك فستزداد عندما تعرف أن هناك قانونا كنديا يلزم باستخدام ضمائر كثيرة غير هو وهي على اعتبار أن هناك أجناس أخرى تعتبر استخدام الضميرين إهانة لها.
كندا ليست البلد الوحيد المعني بهذا الأمر، فهناك بلدان في مختلف أنحاء العالم مثل: الأرجنتين والهند ونيبال وكينيا وباكستان وبنجلاديش واستراليا ونيوزيلاندا، اعترفت بوجود “جنس ثالث”، وأصبح من حق أفراده أن يتسلموا أوراق هوية تثبت جنسهم الجديد.
إضافة إلى ذلك فإن الفيسبوك يتيح لأعضائه أن يختاروا جنسهم من بين 21 جنسا مختلفا، وأن يتخيروا ضميرا محايدا يخاطبون به.
في ثقافات أخرى، تأخذ هذه الأخبار مكانها بين الطرائف والغرائب، بحيث لا توجد أي إمكانية للوقوف على الأمر بجدية؛ لأن ثقافة المجتمع لم تعرف مسألة تعدد الأجناس، هل هذا يعني أن الثقافة تتدخل في تلك المسألة؟!.
للإجابة على السؤال يمكن أن نستعرض عددا من الدراسات تقترب من الموضوع بدرجة كبيرة.
الدراسة الأولى أجرتها عالمة الأنثربولوجيا الأمريكية “مارجريت ميد” على إحدى القبائل الغينية، تدعي “الأرابيش”؛ وجدت العالمة الأمريكية أن العلاقة بين الرجل والمرأة بالقبيلة تضبطها المساواة الكاملة، إلى درجة أنه ليس هناك تمييزا بين ذكورة وأنوثة، حيث كان السائد في القبيلة أن الرجال يشعرون بآلام الوضع كما النساء، وفي مرحلة الحمل يشيرون للزوج، كما الزوجة، بأنه بمرحلة وضع، وما أن تنجب الأم طفلها حتى يشاركها الأب في أعباء رعاية الطفل، ولهذا فهو شيء عادي في هذه الثقافة عندما يصف أحدهم رجلا بأنه وسيم، تجد من يعلق، للدور الذي يلعبه الرجل: وسيم! نعم، لكن ليتك رأيته قبل أن ينجب كل هؤلاء الأطفال.
رصدت مارجريت أيضا أثناء معايشتها للقبيلة كون رجالها يقضون ساعات طوال في تصفيف شعورهم، كما كانوا يهتمون بارتداء الأزياء الخاصة في المناسبات ليقوموا بالرقص، وامتازوا بشغفهم بالفن، فكانوا الأكثر مهارة في الرسم بالألوان.
انتقلت “ميد” بعدها إلى معايشة قبيلة أخرى تدعى “تشامبولي” فوجدت أن المرأة في المجتمع “التشامبولي” هي الحاكمة التي تعول الرجل من الصيد وجمعها للطعام، بينما الرجل يتدرب على نفخ الناي والرقص، ويقوم بالتسوق من مصروف أعطته له المرأة، كسبته من عملها في نسج وبيع شباك صيد البعوض، أما في النشاط الجنسي فالمرأة هي من تأخذ بزمام المبادرة بينما يترقب الرجل مبادرتها هذه على استحياء.
هذا النموذج القبلي البدائي يتفق مع أسطورة سادت ـ لدى أجناس عدة ـ عن عصر الصيد، تقول بأن النساء في هذا العصر كن يحتكرن فن السحر، وكان لهن محفلهن الخاص، يعلمن فيه بناتهن كيف يستحضرن المرض والموت، أما الرجال فلم يكن لهم حول ولا قوة، ما دفعهم إلى مهاجمة نسائهم بعد أن عظمت سطوتهن، فأبادوهن، ولم يبقوا غير الصبايا اللاتي لم يتعلمن السحر.
إلى جانب ما قامت به ميد فهناك دراسات في علم النفس أثبتت أنه حتى الذكورة والأنوثة لدى الفرد ليست دائمة، فكما هو معروف كل إنسان يحمل بداخله صفات للذكورة وأخرى للأنوثة، وتقول الدراسات بأن الإنسان عند بلوغه منتصف العمر يحدث له انقلاب نفسي، ويفسر علم النفس هذا التحول بأن الرجل يستنفد مخزونه الذكوري عند هذه المرحلة من عمره، ليستعمل المخزون الأنثوي، وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة، وغالبا ما يصاحب هذا التحول أزمات زواجية، بعد أن تتخلى المرأة مثلا عن مشاعرها وعاطفتها لصالح الجانب الذكوري لديها، أو بعد أن يكتشف الرجل مشاعره الرقيقة وحسه المرهف، ويحدث شيء من التوازن بالمعادلة الزواجية عندما يلجأ الطرف الآخر إلى إنماء جانبه الثاني، فيوقظ الرجل أنثويته النائمة، أو تُفَعّل المرأة ذكوريتها الخاملة.
الخلاصة أن الثقافة لها دور كبير – بجانب البيولوجيا – في مسألة الجنس، وأنه ليس هناك طبيعة إنسانية ثابتة ودائمة، وما هو “طبيعي” في ثقافة قد يكون شاذا في أخرى، وهذا يدعونا للقول بأن الطبيعة البشرية -إلى حد بعيد- ليست سوى منتج ثقافي لعصر أو مجتمع ما، لكن هل هناك بالفعل كل هذا العدد من الأجناس البشرية يعيش بيننا؟.