ساحات السوشيال ميديا باتت عبارة عن ألبوم صور أو لقطات مجتزأة من أفلام سينمائية أو مسلسلات درامية مصحوبة بتعليق أو حوار أعيد صياغتها بتصرف يمزج بين الحوار الأصلي لهذا اللقطة أو ذلك «الإفيه»، الشائع في حينها ليصبح لدينا تعليق جديد بهدف التعبير عن حدث يتصدر الساحة، وهو ما استقر على تسميته إما بـ«الكوميكس» نسبة لفن القصص المصورة، أو «الميمز»، وفقا للمصطلح الذي صاغه الكاتب والعالم ريتشارد دوكنز في سبعينيات القرن الماضي في اشارة للظاهرة التي تتمتع بانتشار واسع بين الناس تماما مثل الظواهر الثقافية المتوارثة أو الشائعة التي تعادل عنده الجينات المتوارثة.
وبغض النظر عن المسميات و سواء كان«كوميكس» أو«ميمز» فإن الأمر يبدو و كأن رواد السوشيال ميديا قد وجدوا في هذا اللون ضالتهم لقدرته على النقد اللاذع إضافة لاختصار الأفكار والتعليق على المواقف متجاوزا في أحيان كثيرة سقف الحريات في العديد من وسائل الإعلام.
والسؤال الذي يفرض نفسه وبقوة الآن هل يمكن اعتبار هذا اللون من التعبير فنا مستقلا بذاته نجح في أن يفرض حضوره على الساحة؟ أم أنه مجرد وسيلة من وسائل التعبير فرضتها الظروف وسرعان ما سوف ينحسر إذا ما انتهت أسباب وجوده؟
والسؤال الأهم هل يمكن اعتباره البديل الآمن لفن الكاريكاتير الراسخ في الوجدان؟ بتعبير أدق هل نجح في سحب البساط من تحت أقدام فن الكاريكاتير «المحاصر» نظرا لبساطته و قدرته على التأثير والانتشار؟
في البداية يرى د. محمود علم الدين الأستاذ بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة أنه وفقا لنظرية الأجناس الإعلاميه فإن كل وسيلة اتصال وتواصل تخلق أجناسها المختلفة، فمثلا مع ظهور السينما شهدنا تنوعا في إنتاجها ما بين تراجيدي وكوميدي و أكشن..الخ، كذلك الحال مع ظهور التلفزيون والذي قدم للمشاهدين خدمات متنوعة من أخبار وبرامج ومواد ترفيهية مختلفة، كذلك الإنترنت بدءا من المدونات انتهاء بمواقع التواصل المختلفة مرورا بغرف الدردشة المتعددة ما يؤكد كما أشرنا بأن كل وسيلة اتصال تخلق أجناسها المختلفة، و «الكوميكس» أو«الميمز» واحد من هذه الأجناس التي ظهرت في أعقاب ظروف سياسية عشناها جميعا وتم استخدامه لمعالجة قضايا متنوعة سياسية واجتماعية وفنية وحتى رياضية، لكنه وفي كل الحالات وعلى الرغم من انتشاره إلا أنه لن يتمكن من سحب البساط من تحت أقدام فن الكاريكاتير المتربع على العرش رغم كل ما يعانيه من مشاكل .
باختصار كما يؤكد علم الدين سيظل الكوميكس نوعا من أنواع التعبير والذي تم تخليقه عبر توظيف ألوان متعددة من لقطات سينمائية أو درامية أو برامج، ولا يوجد دراسات حتى الآن توضح أو تشير لمدى حجم تأثيره رغم كل ما يحظى به من انتشار.
استهلاك
سيظل للكاريكاتير حضوراً يومياً «متفاعلاً» لم ولن يتأثر بظهور هذا الوافد الجديد «الكوميكس» هكذا يؤكد رسام الكاريكاتير المعروف عمرو سليم، رافضا و بشكل قاطع اعتباره قد سحب البساط من تحت أقدام فن الكاريكاتير أحد أبرز فنون العمل الصحفي؛ والذي يتحمل مبدعه مسؤوليته كاملا، إذ يطرح من خلاله وجهة نظره من دون الاستعانة بمشاهد ولقطات معلبة سبق وحققت شهرتها، أي أنه فن متجدد وليس معاد الإنتاج ينتهي تأثيره مثل علبه «الكانز» ومع آخر رشفة منها، بتوصيف أدق استهلاك سريع للحدث.
«الكوميكس» أو«الميمز» كما يري سليم لون من ألوان التعبير يعتمد على «التركيب» أو إعادة إنتاج لما سبق ومن دون إبداع، كما أنه بلاهوية، فظهوره مرتبط بتضييق مساحات الحرية في وسائل الإعلام على تنوعها.
ولكن لماذا تراجع فن الكاريكاتير ولماذا لم تشهد الساحة أجيالا جديدة تحمل الراية؟
سليم يرجع الأسباب بشكل رئيسي للسياسة التي تنتهجها كل مطبوعة صحفية، ورغبة البعض في سد كل منافذ «وجع الدماغ» خصوصا في ظل تراجع سقف الحريات كما أشرنا بشكل عام، يضاف لذلك عدم وجود «أسطوات» ينقلون خبراتهم للأجيال الجديدة ومناخ يسمح لهم بالتعلم وممارسة إبداعهم من دون تقييد أو ملاحقه، لذا سيظل هذا الفن ومن يمارسونه في معاناة حقيقية.
لا للمقارنة
نفس المقولات أكدتها رسامة الكاريكاتير سحر عيسى مشيرة لأنه لا وجه للمقارنة بين «الكوميكس» أو«الميمز» وبين فن الكاريكاتير، بل ومن دون تحيز لا يمكن اعتباره فنا من الأساس، لأن الفن أولا و أخيرا إبداع خالص لصاحبه أما «الكوميكس» فهو لون من التعبير يعتمد على فنون أخرى بالتوظيف أو إعادة الإنتاج، فلو لم تكن هناك لقطات شهيرة لما أوحت بإعادة استخدامها في مواضع أخرى، وهو بالقطع يختلف عن «الكوميكس» الذي يقدمه رسام الكاريكاتير ويعتمد فيه على قصة مصورة تتضمن سردا عن طريق عرض إما مجموعة من الرسومات أو الصور، ومن هنا جاء التشابه إذا أن «الميمز» هو الآخر يعتمد على صور جاهزة يعاد استخدامها لطرح مضمون جديد.
عيسى هي الأخرى تربط بين تراجع سقف الحريات بشكل عام وتأثير ذلك على فن «الكاريكاتير»، مشيرة لأن المهنة نفسها في أزمة فمن الطبيعي أن يعاني أحد أبرز ألوانها التي تتنفس حرية بالأساس.
علي الجانب الأخر يرى عبد الرحمن أبو بكر رئيس قسم الكاريكاتير بجريدة أخبار اليوم، أن تلك المشاهد الصغيرة المجتزأة من الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية المصحوبة تعليقات قد أثرت كثيرا على فن الكاريكاتير، وذلك منذ عرفت طريقها لمواقع التواصل الاجتماعية في أعقاب ثورة 25 يناير، نظرا لافتقاد قطاع كبير للثقة في كل ما هو تابع للإعلام سواء مرئي أو مسموع أو مقروء، ومن ثم باتت المعلومات الموثقة بالنسبة لهم هي فقط تلك التي يتم تداولها عبر هذه المواقع ومن بينها تلك اللقطات وما تتضمنه من آراء وانتقادات ساخرة لأحداث ووقائع متنوعة .
ومع تراجع القدرة على التعبير كما يرى أبو بكر نجحت هذه الألوان في تثبيت أقدامها علي الساحة و تحولت لـ «إعلام بديل» يعبر وينقل وجهة نظر الشارع بمنتهى الحرية خصوصا وأنها لا تحتاج لإبداع أو مجهود في صناعتها، ما يفسر سر انتشار تلك الصفحات التي تعتمد على هذا اللون وبغض النظر عن المسميات سواء كان «كوميكس» أو «الميمز».
الناقد الفني رامي عبد الرازق وفي تصريح سابق يعترف هو الآخر بأن فن الكوميكس غطى بعض الشيء على فن الكاريكاتير بل إن صح التعبير فيمكن اعتباره «كاريكاتير الجيل» الحالي نظرا لخصوبة مادته و المصادر المتعددة التي يعتمد عليها، إن كان يعترف بأن منتجي هذا الفن يفتقرون كثيرا للعمق فيما يطرحونه من رؤية أو انتقادات، وكأن المهم فقط هو «الإفيه».
المؤكد الأهم أن للكاريكاتير جنود يدافعون عنه، و يصرون على حمل راياته على الرغم من كل الصعوبات التي تحاصر إبداعهم، ولكن هذا الإصرار ومواصلة العطاء لابد أن يواكبه إيمان من قبل صناع القرار في الصحف المطبوعة أو حتى المواقع الإلكترونية لأهمية هذا الفن وللمحافظة عليه من الاندثار .