تعتبر الديمقراطية المظهر الرئيسى أو الترجمة الحقيقية لفكرة التحول من ” العقد الإلهى ” الذى كان يحكم علاقة الحاكم بشعبه بوصفه ظل الله على الأرض إلى ” العقد الاجتماعى ” المشروط بصلاحية الحاكم لمهامه بوصفه موظفا عاما داخل الدولة دون أى تماه بينه وبينها ومن هنا تواترت مبادىء الديمقراطية التى تؤكد أن الشعب مصدر السلطات والرقيب عليها والمحاسب لها بما فى ذلك سلطة ” الحاكم ” الذى يمكن عزله إذا ما أخل بهذا العقد الاجتماعى وعلى الرغم من أن ” الديمقراطية ” أصبحت – منذ بدايات العصر الحديث – مطلبا عالميا لا يمارى أحد فى جدواه وضرورته فإن تيارات الإسلام السياسى خاصة التيارات السلفية مازلت تصف الديمقراطية بأنها خروج عن شرع الله ويربطونها بالعلمانية التى هى – عندهم – مرادفة للكفر ، يقول محمد شاكر الشريف فى كتابه ” حقيقة الديمقراطية ” :” العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية هى علاقة الفرع بأصله أو علاقة الثمرة الخبيثة بالشجرة التى أثمرتها ” ويحاول د.عبدالعزيز كامل فى كتابه ” معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية ” بيننا وبين الغرب فى آثار الديمقراطية قائلا ” الديمقراطية إن كانت نورا فى الغرب النصرانى فللشرق ظلامها وإن كانت عدلا هناك فهى هنا للشقاء والشقاق …حتى لو جلبت شيئا من سعادة الدنيا فإن ذلك سيكون على حساب العديد من ثوابت الدين وأصول التشريع وأركان الاعتقاد ” وهو كلام ظاهر التناقض فكيف تكون الديمقراطية نورا وعدلا فى مكان وظلاما وشقاقا وشقاء فى مكان آخر..
ويقول عبد المنعم مصطفى حليمة فى ” حكم الإسلام فى الديمقراطية” ” الديمقراطية ليست هى خيارنا الوحيد – كما يقولون – بل خيارنا الوحيد هو الإسلام وأى خيار نرتضيه غير الإسلام يعنى الانسلاخ كليا من دين الله تعالى والدخول فى دين الطاغوت ” ( “نقلا عن ” نقد السلفيين للديمقراطية ” على عبد العال موقع أزمنة العرب ) وعن خصائص الحكم الإسلامى كما يرونها فإنهم يرفضون تحديد مدة للرئاسة يقول إبراهيم هلال فى مجلة ” التوحيد ” ” ليس فى الإسلام مدة محددة يحكم فيها الحاكم المسلم وإنما حين يبايع بالحكم بانتخاب أو عن طريق اختيارات أهل الحل والعقد فإن مدته لاتنتهى إلا بوفاته مهما طالت أو بعجزه لمرض لايستطيع معه مباشرة هذه المسئولية ” وبهذا فإنهم يرفضون تداول السلطة ، يقول صفوت الشوادفى فى ” العلمانية ردة عن الإسلام ” ” تداول السلطة مفهوم غربى النشأة لا علاقة للإسلام به ” ولأن النساء – عندهم – موضع الشهوات والفساد نجده يقول ” استطاع النساء دخول مجلس النواب 1953بفضل الغمزات والهمزات ” ولايصف محمد حسان الديمقراطية فحسب بالكفر بل يرى كل القوانين الوضعية كافرة يقول بما يشبه ” الفرمان ” :”يجب على المسلمين وفورا أن يعودوا إلى الإسلام وأن يكفروا بجميع قوانين البشر من ديمقراطية و…و…إلى آخر هذه القوانين الكافرة “( من شريط ” المستقبل لهذا الدين “) ويرفض أبو إسحاق الحوينى الديمقراطية والانتخابات والأحزاب ويراها ” حرام فى حرام ” ( من شريط ” الأسئلة السودانية حول الدعوة السلفية “) ومن خلال ماسبق نستطيع تحديد خصائص نظام الحكم الإسلامى كما يريده هؤلاء السلفيون ويقاتلون من أجله فيما يلى :
ليس هناك تداول للسلطة – رفض وجود أحزاب سياسية – عقد الإمامة أبدى ينتهى بموت الإمام – رفض وجود مجالس نيابية – الإمام يختار المجموعة التى يحق له مشاورتها – رأى الشورى ليس ملزما لأنه استشارى – الإمام هو الذى يسن القوانين ( انظر ” موقف السلفية من الديمقراطية ” حسام حداد موقع المركز الديمقراطى العربى ) ومن الواضح أن السلفيين لم يستمدوا هذه الخصائص من قرآن أو سنة – اللهم إلا بتأويل بعض الآيات والأحاديث تأويلا خاطئا – بل استمدوها من خصائص الخلافة التى أصبحت ملكا عضودا منذ العصر الأموى حتى إلغاء الخلافة على يد كمال أتاتورك وهم يرفضون الاحتكام إلى الأغلبية التى هى أساس الديمقراطية مستندين على آيات تدور حول العقيدة ولا علاقة لها بنظام الحكم أو آليات الديمقراطية ومنها قوله تعالى ” وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله ” وقوله ” وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ” ويستشهدون – فى رفضهم للتعددية الحزبية – بقوله تعالى ” ألا إن حزب الله هم المفلحون ” ومن الواضح أن كلمة ” حزب ” فى الآية الكريمة لاتعنى – بداهة – الحزب السياسى بل تعنى جماعة المؤمنين بالله ، كما يتوهمون أن الديمقراطية إطلاق للحريات بلا حدود بما فى ذلك الانفلات الأخلاقى وهو قول غير صحيح فلا يعقل أن يسن نواب الشعب – فى مجتمع مسلم – قوانين تخالف مقاصد الشريعة أو الأخلاق العامة.
تشريع البشر وتشريع الله
يحرص السلفيون – دائما – على وضع تناقض صارخ بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية وعليه يرون أن كل ما يخالف الشريعة فهو باطل ،وهو اعتقاد راسخ لدى كل تيارات الإسلام السياسى على نحو مايظهر من قول عمر التلمسانى فى كتابه ” الحكومة الدينية ” ” إن ترك التشريع للبشر ظلم ما بعده ظلم ، ذلك أن الظلم من شيم النفوس ” وهذه مغالطة كبرى يخدعون بها الناس ويتخذونها وسيلة للوصول للحكم وذلك لأننا سنظل فى حاجة لتشريع البشر واجتهادهم فى سن القوانين وتأويلهم لآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية فأيهما الأكثر صلاحا وتحقيقا للعدل : أن يكون سن القوانين فى يد نواب عن الشعب يمثلون جميع طبقاته أم فى يد ” إمام ” واحد دون أن يكون ملزما حتى بآراء من يختارهم للمشورة كما يريد السلفيون ؟ وفى أى شىء يختلف هذه الرؤية التى ينادون بها عن ” ولاية الفقيه ” فى المذهب الشيعى ؟ بل فى أى شىء تختلف هذه الرؤية عن طبيعة ” الاستبداد ” الذى لن يكون فى هذه الحالة استبدادا سياسيا فحسب بل دينيا فى المقام الأول يتهم من يعارضه بالكفر والخروج عن الإسلام ؟..
وأخيرا ينبغى أن نقولها – قولا واحدا حاسما – إن القوانين الوضعية ليست كفرا مادامت تراعى مقاصد الشريعة والأخلاق العامة ومصالح العباد ” فأينما تكون المصلحة فثم شرع الله ” وليس هناك ما هو أكثر من ” الديمقراطية ” فى تحقيق هذه المصالح لأنها – أى الديمقراطية – ” نظام حكم له هدف هو الحد من استبداد الحكام وصيانة كرامة الإنسان وحرياته ومؤسسات وقواعد تفصيلية لتحقيق هذه الأهداف أهمها ما يتصل بكيفية اختيار الحكام ومحاسبتهم ومراقبتهم وعزلهم عند الضرورة وكيفية صنع السياسات والقرارات ومتابعة تنفيذها ” ( ” مشايخ السلفية والديمقراطية ” عبد الفتاح ماضى جريدة الشروق 19سبتمبر 2020) الديمقراطية اختيار وحيد ولا تناقض بينها وبين الإسلام كما يدعى السلفيون وأشباههم .