عرض وترجمة: أحمد بركات
يوجد سؤال آخر يتعلق بالعلاقة المستقبلية المحتملة بين “طالبان أفغانستان” و”تنظيم القاعدة”. كان من بين بنود الاتفاق مع الحكومة الأمريكية أن تعهدت طالبان أفغانستان بالانفصال عن القاعدة، ومنع استخدام الأراضي الأفغانية لأهداف تتعلق بالإرهاب ضد دول أخرى. لكن المسئولين الأمريكيين رفيعي المستوى لا يزالون يتشككون في التزام طالبان أفغانستان بهذا البند. على سبيل المثال، صرح رئيس القيادة المركزية الأمريكية (CENTOM)، الجنرال كينيث ماكنزي، مؤخرا أنه: “… نعلم أن طالبان ليست صديقا لتنظيم الدولة الإسلامية، وأنها – في واقع الأمر –تعمل ضده. لكن، من غير الواضح بالنسبة لي إذا ما كانت ستأخذ نفس الموقف من القاعدة”.
حتى الآن، لا تتوافر أي أدلة تشير إلى حدوث أي شكل من أشكال الفصام في العلاقة بين طالبان أفغانستان وتنظيم القاعدة. على العكس من ذلك، تفيد تقارير صدرت مؤخرا عن الأمم المتحدة بأن زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، قد “تفاوض بشكل شخصي مع قيادة طالبانية رفيعة المستوى للحصول على تأكيدات باستمرار الدعم”. وبقدر ما تكون هذه المعلومات صحيحة تبدو هذه المفاوضات ناجحة؛ فطالبان أفغانستان لم تتخل علنا عن القاعدة، ولم تتخذ أي إجراءات ملموسة لقمع نشاطاتها. كما يعمد ممثلو طالبان أفغانستان الذين يتعاملون مع الصحافة إلى المراوغة عندما يُطلب منهم توضيح موقف الحركة من تنظيم القاعدة. وفي حالات محددة، تصر حركة طالبان على عدم وجود مقاتلين أجانب في أفغانستان.
في هذا السياق، يُطرح بقوة هذا التساؤل: “لماذا تستمر العلاقة بين القاعدة وطالبان أفغانستان؟” يشير الباحثون المتخصصون في دراسة تنظيم القاعدة إلى أن تاريخ العلاقة بين التنظيمين يضرب بجذوره في ثمانينيات القرن الماضي إبان الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي. ويؤكدون أن كلا من تنظيم القاعدة و شبكة حقاني (وهي جماعة فرعية مهمة موالية لطالبان) تربطهما علاقات مصاهرة بين عائلات القادة الرئيسيين. كما يتمتع تنظيم القاعدة بشعبية كبيرة في دوائر جنود وقواعد طالبان. وبحسب بعض الروايات، فقد أدت خبرات قتالهم معا ضد عدو مشترك، مثل الولايات المتحدة، إلى توثيق هذه العلاقة.
وبرغم أهمية جميع هذه العوامل، إلا أن هذه العلاقة تستند أيضا إلى أسس سياسية صلبة. فكلتا الجماعتين تتناغمان في مشاريعهما السياسية القائمة على أسس أيديولوجية، حيث ينظر تنظيم القاعدة إلى حركة طالبان أفغانستان على أنها شريك أيديولوجي قادر على إدارة الجهاد العالمي، وجماعة يستطيع تمجيد فضائلها أمام العالم الإسلامي. كما ينظر التنظيم أيضا إلى الحركة الأفغانية باعتبارها حليفا قويا يقدم صعوده في أفغانستان العديد من الفرص والامتيازات السياسية والمادية. فعلى المستوى السياسي، يؤكد الصعود المستمر لحركة طالبان أن انتصارات الجهاديين على دول قوية مثل الولايات المتحدة كانت ولا تزال أمرا واقعيا وقابلا للتحقيق على الأرض. وعلى المستوى المادي، توفر هذه العلاقة فرصة لنقل القيادة والأفراد من سوريا وإيران وباكستان والأردن إلى أفغانستان. وعلى المدى المتوسط، قد تنظر القاعدة إلى بناء أساس لحركة جهادية عالمية في أفغانستان.
أما تصور طالبان أفغانستان عن تنظيم القاعدة فيتسم بمزيد من التعقيد، إلا أنه يظل إيجابيا بوجه عام. فحركة طالبان أفغانستان تنظر إلى تنظيم القاعدة من منظور رؤيتها الأيديولوجية التي تقوم على المذهب الحنفي في العقيدة السُنية الإسلامية، ومركزية الجهاد في تفسيرها لهذه العقيدة، ومكانتها ودورها كحارس أمين على الإسلام في المجتمع الأفغاني. وبرغم بعض التوترات والاختلافات بين الجانبين، ينحاز القاعديون من جانبهم إلى أركان أساسية في المشروع الطالباني. أحد مصادر هذا الانحياز الرئيسة هو المشروع الجهادي القاعدي الذي يستوفي واجبا دينيا مهما. ومن اللافت أن تنظيم القاعدة يستكمل مشروعه الجهادي عن طريق إخضاع أيديولوجيته السلفية – على الأقل على مستوى الخطاب – لمكانة طالبان باعتبارها الحكم النهائي في الأمور الخاصة بالعقيدة. يقف هذا على طرف النقيض مع تصور طالبان للمشروع الأيديولوجي الداعشي الذي يرفض التعاليم الحنفية الطالبانية، وبالتالي يرفض وضع طالبان في إطار الحارس الأمين على الإسلام في أفغانستان.
ومن ثم، فإنه حتى في مواجهة التكاليف الباهظة، يظل القادة الطالبانيون رفيعو المستوى، مثل سراج الدين حقاني، نائب زعيم حركة طالبان، وإبراهيم صدر، القائد العسكري البارز، متعاطفين مع تنظيم القاعدة. وتٌظهر إصدارات دعائية، إلى جانب الخطاب القيادي الطالباني، أن بعض هذا التعاطف ربما يمتد إلى الاستراتيجية الكبرى لتنظيم القاعدة التي تسعى إلى إسقاط الدولة الأمريكية. رغم ذلك، يبقى من الصعب تحديد عناصر بعينها من بين قادة طالبان أفغانستان المتعاطفين مع القاعدة في قائمة الداعمين لشن هجمات مباشرة ضد الولايات المتحدة. على سبيل المثال، لم يبد الداعمون والمتعاطفون السابقون مع تنظيم القاعدة من قادة طالبان، مثل جلال الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني، أي موافقة على ممارسة الإرهاب ضد الولايات المتحدة قبل هجمات 11 سبتمبر، حتى لو لم يقدموا الكثير لمنعها.
في الوقت نفسه، يشعر البعض داخل حركة طالبان أفغانستان بالقلق حيال العلاقة مع تنظيم القاعدة، وهو ما دفع بهم إلى ممارسة ضغوط ضد هذه العلاقة، سواء قبل هجمات 11 سبتمبر أو بعدها. كما عارض آخرون تنظيم القاعدة بسبب تكاليف السياسات القسرية التي فرضتها الحكومة الأمريكية منذ الغزو الأمريكي. ويبدو أن حجم الدائرة المعارضة لتنظيم القاعدة داخل طالبان قد تمدد، إلا أن وضعها السياسي داخل الحركة لا يزال غير مؤكد.
والآن، وفي ضوء مراوغة طالبان بشأن حقيقة موقفها من تنظيم القاعدة وإحجامها عن التنديد بها، يبدو أن رأي النخبة داخل الحركة يسير في اتجاه التنظيم. ومن ثم، فإنه من غير المرجح أن تخرج القاعدة من أفغانستان أو أن تجد أي رفض طالباني لنشاطاتها. وبالنظر إلى المستقبل، فإنه من المحتمل أن تضع طالبان آليات رسمية لإدارة جماعات المقاتلين الأجانب، بما فيها القاعدة والتنظيمات المتحالفة معها. وقد تقدم طالبان إرشادات – ربما غير ملزمة، – لتنظيم سلوك هذه الجماعات. وقد تتضمن هذه الجهود أحكاما على الأنشطة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ومع ذلك، إذا استرشدنا بالماضي، فمن غير المرجح أن تعترف طالبان بعلاقتها بهذه الجماعات. وقد تتخذ أيضا بعض الخطوات لتخفيف انطباع أنها صارت شريكا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، أو أنها تتلقى أوامرها عن واشنطن، خاصة ضد جماعات مثل تنظيم القاعدة.
———————————————–
د. أسفنديار مير – زميل ما بعد الدكتوراه في “مركز الأمن والتعاون الدولي” التابع لجامعة ستانفورد
*(يُتبع)
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية وهوامش الدراسة من هنا