من اهم الكتب التي صدرت في تفكيك أسباب التطرف لدي الجماعات الارهابية بناءً علي قواعد العلم الشرعي ومدرسة الأزهر الشريف العلمية والبحثية كتاب (الحَقُّ المُبِين في الرَّدِّ على مَنْ تَلاعبَ بالدين.. التَّياراتُ المتَطرفةُ من الإخوان إلى داعش في ميزانِ العِلم))،
ومؤلفه هو العالم الأزهري المعروف الدكتور أسامة السيد الأزهري، وقد تُرجم الكتاب إلى عدة لغات، وأقيمت حوله فاعليات مختلفة في مصر وعدد من الدول.
هذه الدراسة تلقي الضوء على الكتاب وأهم الأفكار التي تناولها
يضع الكتاب أهم أفكار جماعة الإخوان والجماعات المماثلة في ميزان العلم، من خلال بيان أهم التصورات المغلوطة التي بنت عليها هذه التيارات فكرها، ويضع مقارنة بين أفكار هذه التيارات والأفكار المنضبطة، وهذه الدراسة التي تناولت الأفكار المحورية لهذه الجماعات، ثم وضعت خلاصة هذه الأفكار والأطروحات على مائدة البحث العلمي تعد أول عمل أزهري رصين ومُركَّز يناقش ويفند أهم الأفكار المحورية لتيارات الإسلام السياسي.
أبان الكتاب عن الطريقة الحماسية التي تُحرك المشاعر والعواطف عند تيارات الإسلام السياسي، وأطروحاتهم التي رأى أنها تُلصق الأفهام الحائرة والمقولات الخطيرة بالدين في جو مشحون وضغوط نفسية اختلطت فيها الابتلاءات بالعلم، وكيف أنه أعيد اليوم إحياء هذا الفكر، وتحول إلى تنظيمات، وخرج منه الجيل الثاني والثالث والرابع، وزادت ظاهرة (التفسير الغاضب للنص القرآني).
رصد الكتاب فكرة (الحاكمية) باعتبارها الفكرة المحورية التي تأسست عليها المفاهيم المنحرفة، والتي انطلق منها الخوارج القدامى، وبين أنَّ من فكرة الحاكمية خرجت عدة أفكار تنادي بها هذه الجماعات، منها:
1-فكرة شرك الحاكمية، وتوحيد الحاكمية.
2-فكرة العصبة المؤمنة.
3-فكرة الوعد الإلهي.
4-فكرة الجاهلية.
5-فكرة حتمية الصدام.
6-فكرة التمكين.
7-فكرة الجهاد
8-فكرة الوطن
وهذه المفاهيم المغلوطة إذا اعتنقها شخص انحرف من التدين إلى التطرف، ومن التطرف إلى التكفير، ومن التكفير إلى القتل، وقد لا يمر الشخص بكل هذه المراحل، فيقف عند مرحلة التطرف الفكري، وقد يصل إلى التكفير ولا يمارس العنف، وقد يفعل الثلاثة (تطرف وتكفير وعنف).
خطورة الخلط بين العقائد والفقهيات أو الأصول والفروع
وعند التفتيش عن مصدر هذه الأفكار في العصر الحديث يذكر الكتاب أن البذرة الأولى كانت عند حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، الذي اعتبر أن الحاكمية من الأصول والعقائد بدلا من الفروع والفقهيات كما هو مستقَر عليه عن جمهور العلماء، ففي رسالة المؤتمر الخامس ينص البنا على أن: “الحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع”.() ومنها جاءت خطورة الخلط بين ما هو من الأصول والعقائد وبين ما هو من الفروع والفقهيات، وأن هذا الخلط الموجود في أدبيات تيارات الإسلام السياسي يُعد انحرافا شديدا، قال عنه المؤلف:
“الخطورة المترتبة على القول بأن مسائل الحكم عقيدة أنه يجعل موضوعات السياسة تكتسب قوة العقيدة، مما يتولد عنه الاستماتة والقتال في الوصول للحكم، لأن الذي تم غرسه في العقل أنها اعتقاد، كما أنه ينشأ عن ذلك سهولة تكفير وتفسيق المخالف سياسيا، لأنه في نظرهم اختلف معهم في أمر اعتقادي يحتمل رأيا واحدا، وليس في أمر سياسي يحتمل وجهات نظر متعددة، وهذا الخطأ الفادح سببه إدخال أمور في باب الاعتقاد وهي ليست من الاعتقاد، ولذلك ينتهي الأمر بحسن البنا أن يقول: (فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف
ويذكر كتاب الحق المبين أن هذه الفكرة تطورت واتسعت بعد ذلك من خلال سيد قطب الذي سخر لها قلمه، فصنع منها نظرية متكاملة الأركان، تنضح بالتكفير كما في كتابه: (في ظلال القرآن)، وفي كتب له أخرى مثل: (معالم في الطريق)، حتى قال يوسف القرضاوي نفسه: (والحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية، وتكون هذا الفكر الثوري الذى ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة، وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة لسيد قطب هو ركونه إلى فكرة التكفير والتوسع فيه.
العلاقة بين داعش وأفكار كتاب الظلال
ويذكر الكتاب أن من فكر سيد قطب استمدت التيارات المنحرفة أفكارها، ذلك أن قائد تنظيم الفنية العسكرية صالح سرية له رسالة ينادي فيها بتكفير الحكام اسمها: (رسالة الإيمان) نابعة من كتاب الظلال، كما أن زعيم جماعة التكفير والهجرة شكري مصطفى استمد منهجه من كتاب (الظلال)، وكذا قائد تنظيم الجهاد محمد عبد السلام فرج في كتابه: (الفريضة الغائبة).
وأخطر ما كشف عنه العالم الجليل اسامة الأزهري في كتابه (الحق المبين) أن “تركي بن مبارك البنعلي” أحد منظري تنظيم داعش له كتاب اسمه: (اللفظ الساني في ترجمة العدناني)، وهذا الكتاب عن تاريخ أبو محمد العدناني، الرجل الثاني في تنظيم داعش، حيث ذكر مبارك أن العدناني تأثر جداً بتفسير (الظلال)، وكان من أحب الكتب إلى قلبه، حتى عكف عليه عشرين سنة، وحاول كتابته بخطه، وهذا يدل على مدى تأثر أكبر قيادات داعش بفكر سيد قطب.
تناول الكتاب أهم الأقوال التي بنى عليها قطب منهجه مثل قوله: (الحاكمية أخص خصائص الألوهية)، وقوله: (إن المحاكم عندنا تحكم بغير ما أنزل الله)، وقوله: (إن الدين توقف وانقطع عن الوجود)، وقام بتفنيد هذه المسائل، ثم أتى بكلام سيد قطب ووضعه في جدول، وقارن بينه وبين كلام أئمة المفسرين كابن مسعود، وابن عباس، والنخعي، والسدي، والضحاك، وعكرمة، وقتادة، وعامر، والشعبي، والطبري، والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير، والرازي، والآلوسي، والشعراوي، فكشف عن أن سيد قطب أعرض عن تجربة علماء الإسلام في فهم القرآن عبر التاريخ.
وقد يكون الأمر هينا لو أن أفكار قطب قد توقفت مع وفاته، لكن دبت فيها الروح وانتقلت إلى جماعات وتيارات، وتحولت أطروحته إلى محرك لجماعة الإخوان، حتى قال عباس السيسي -وهو من الرعيل الأول من الإخوان-:”ولكن كتاب “معالم في الطريق” ما إن انتشر بين الشباب المتلهف والمحترق شوقا للعمل للإسلام، حتى أثار ضجة هائلة في نفوسهم ومشاعرهم، حتى إن الكثير من الشباب قد حفظ أبوابا من الكتاب، يتحدث بها إلى الناس، وظل الكتاب يحرك كوامن الشباب وأفكارهم، وهمتهم”، إلى أن قال:”وصار هذا الكتاب من الكتب الهامة التي تدرس في برنامج التوعية
أيضا تناول الكتاب مفهوم الجاهلية وانقطاع الدين والدعوة للصدام عند الحركات الإسلامية، وكشف المؤلف أن دعوات الصدام والصراع مع المجتمعات تحت مسمى أنها مجتمعات جاهلية تتفق مع نظرية صدام الحضارات التي قال بها صامويل هانتجتون.
مفاهيم مغلوطة في ميزان العلم
ومن القضايا التي تناولها الكتاب أيضا قضية (دار الإيمان والكفر )التي أُولع بها مفكرو تيارات الإسلام السياسي، وجعلوها طريقا للصدام وللتقسيم، فبين أن الإنسان المسلم كأي إنسان يسافر ويرتحل ويتنقل في بلاد العالم المختلفة، وقد يُقيم في بلادٍ يختلف فيها انتظام طلوع الشمس وغروبها؛ فلا يعلم مواقيت الصلوات ليصلي، ولا ظهور الهلال ليصوم، وهناك بلادٌ الليل فيها أربع أو خمس ساعات فقط ، فكيف يكون الصوم والإفطار؟ وكيف يصلي الفجر؟ فضلا عن العقود والبيع والشراء، وهناك منطقة تستقر فيها العلامات، ومنطقة تختل فيها العلامات، ومنطقة تنعدم فيها العلامات؟ لمثل هذه الأسئلة وغيرها من مئات الأسئلة المشابهة، كانت فلسفه الفقيه، فلسفة الحياة، وليست فلسفة الموت والقتل والعداوة والصدام، لأن علاقة المسلمين بغير المسلمين علاقة تفاعلية تعاونية واسعة، حولتها الحركات الإسلامية من فلسفة الحياة إلى فلسفة الموت والدمار والدماء.
وأما قضية الاستعلاء واحتكار الوعد الإلهي:
التي انطلقت منها التيارات المتطرفة فجعلوا أنفسهم هم المخاطبون بكل آية فيها وعد من الله للمسلمين بالمعونة والنصرة والتمكين، وهذا التصور جعلهم يزيدون في الاندفاع والشراسة والخروج على المجتمع بالبغي والعدوان والاتهامات، والإمعان في إنكار الواقع.
وتبدأ تلك التيارات -كما يقول المؤلف- في صناعة عدد ضخم من الأدبيات والقصائد والبطولات والملاحم، التي وقعت بسبب تعديهم على المسلمين، فيعتبرونها تاريخا مجيدا في الصبر والثبات، مع سيل من الإسقاطات لآيات كريمات تتحدث عن فئات قليلة غلبت فئات كثيرة بإذن الله، فينطلق لتلك الآيات ويحملها على نفسه، ويجعل نفسه المقصود بذلك الوعد بالنصرة، والنتيجة الخطيرة هو عدم قبوله للمناقشة في وجود خطأ عنده، لأنه أيقن أن آيات الوعد والنصر تخصه هو.
ويرد المؤلف على هذه التصورات بقوله
(هم بهذا خلطوا بين الاعتقاد وبين الكفاءة والخبرة والعلم والمعرفة، فيجعل الواحد منهم قوة اليقين عوضا عن الخبرة والكفاءة، ويظن أن قوةَ يقينه تُجبر الخلل في المقدرة والخبرة، فيخرج بذلك عن سنن الله في كونه، وما زال يربط التمكين بالاستعلاء، وهو يشدد على الثقة في الوعد الإلهي، بحيث يمكن للشخص عنده أن يظل في ابتلاء وأداء ووفاء وعطاء، قاصدا وقوع التمكين والاستعلاء، ثم يموت ولا يرى من ذلك شيئا، لكنه يموت مطمئنا إلى أن الاستعلاء والتمكين سيتحققان لمن بعده، وهذه الفكرة غرسها حسن البنا في قوله: (ومعنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصاية النبيلة
ويحصر البنا الصراط المستقيم في المشي وراء أفكاره وجماعته فيقول في رسالته “الإخوان المسلمون تحت راية القرآن”: “فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق، ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غدا، وللسابق عليه الفضل، ومن رغب عن دعوتنا زهادة أو سخرية بها أو استصغارا لها أو يائسا من انتصارها؛ فستثبت له الأيام عظيم خطئه، وسيقذف الله بحقنا على باطله فيدمغه فإذا هو زاهق، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه”.
قضية التمكين وأثر فهمها المنحرف
وأما فكرة التمكين التي تمثل عصبا جوهريا لفكر جماعة الإخوان، ولسائر التيارات التي خرجت منها، فترى الجماعات أن أهدافها لن تتحقق إلا بالتمكين لها في قطاعات الطلاب، والعمال، والمهنيين، ومؤسسات الدولة المختلفة خاصة المؤسسات الدينية، ويعتبرون أن محاولات التوغل هذه من شأنها التمكين من إقامة السلطة والتمكين لدين الله في الأرض، فيقول محمد علي الصلابي – وهو من أبرز دعاة الإخوان-: (إن التمكين لدين الله هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل لأجل الإسلام)
وأساس الاستدلال عند هذه التيارات هو الآية الكريمة: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) ، فقالوا إن هذا دليل على مشروعية السعي إلى الحكم، وربما وجدوا شيئا من عبارات المفسرين تدل على هذا.
ويجيب المؤلف على هذه الفكرة بما خلاصته:
“الحقيقة أن سيدنا يوسف -عليه السلام- لم يطلب الإمارة، ولا سعى إليها، والاستدلال بالآية خطأ كبير، وذلك أن مفتاح فهم الآية الكريمة هو العلم قبل كل شيء، حيث وصف الله يوسف بالعلم في عدد من الآيات المتتالية، ولما ظهر علمه المبهر بتصريف شئون الزراعة وإدارة الأزمة في حادث المجاعة، شهد له الشعب المصري بأنه أوتي فهما وعلما وخبرة يندر وجود نظير لها، فأرسل إليه الملك عدة مرات يطلبه للمنصب ويوسف يرفض، فلما قابله الملك عرض عليه من المناصب ما يشاء، فاكتفى يوسف بعد إلحاحهم عليه بأن يكون وزيرا أو مستشارا للاقتصاد، فهو لم يطلب الإمارة أصلا، ولم يسع إليها قط، أيضا فإن كلمة التمكين في القرآن الكريم هي تصرف إلهي من الله وليس تكليفا بشريا من الله بأن تتمكن، فالتمكين معنى يصنعه الله، ففكرة التمكين مثل فكرة المحبة والمودة في حق الأشخاص، أي لا يمكن أن نُكلف إنسانا ونقول له اصنع محبتك في قلوب الناس، بل نقول له: أحسن معاملة الناس، وخالقهم بخلق حسن، وحينئذ يلقي الله محبتك في قلوبهم، فالتمكين ثروة معرفية تُجبر الآخرين على احترام خبرتك والاستعانة بك، ثم تأتي التيارات المتطرفة لتقتطع عبارة: (اجعلني على خزائن الأرض) وحدها، معزولة عن هذا السياق كله، ثم يقولون: إن هذه الآية تفيد مشروعية السعي إلى السلطة، والخلاصة أنه يمكننا أن نلخص مفهوم التمكين الوارد في القرآن الكريم في كلمة واحدة، ألا وهي: العمران، أو الحضـــارة”.