حين هرع محمد حسني البابا بطفلته الصغيرة سعاد إلى الطبيب لمداواتها من آلام ظهرها التي تعرضت لها بسبب سقوطها على سلم منزلهم بحي عابدين ٫ لم يكن الخطاط البارع يعرف – في الأغلب- ان ابنته هذه ستصبح بعد بضع سنوات أهم نجمات السينما العربية٫ كما لم يعرف أن آلام الظهر هذه ستعود لكي تطاردها وتتسبب في رحلة علاج طويلة في سنواتها الأخيرة٫ وكأن الأمرين قد تلازما في حياة سعاد حسني : النجاح والالم.
هذا جانب مما يكشفه الكاتب الصحفي محمود مطر في كتابه الجديد “سعاد حسني : القاهرة- لندن” والذي يتناول السنوات الأخيرة في حياة السندريلا – كما اسماها محبوها من المحيط الى الخليج – قبل وفاتها المفاجئة والمثيرة للجدل حتى اليوم في 21يونيو عام ٢٠٠١.
يؤكد المؤلف في بداية الكتاب أن غرضه ليس التأريخ لواحدة من أبرز نجمات الوطن العربي٫ حيث ان تاريخ سعاد حسني “مليء ومزدحم” ويصعب على أي كاتب إجماله في كتاب واحد٫ ولكن الغرض كما يشير مطر هو دخول “تلك المنطقة الإنسانية الشديدة الشجن والالم والاسى” في سنوات تلك النجمة الأخيرة التي سبقت رحيلها مباشرة.
فصول من الألم
يخصص الكاتب فصلاً كاملاً من فصول كتابه الصغير الحجم والكبير القيمة لعلاقته الشخصية كصحفي معني بالشأن الفني بالنجمة الراحلة حيث جمعته في شتاء عام ١٩٩٤ مكالمة هاتفية بالسندريلا بعد شهور من محاولاته الدؤوبة للاتصال بها ، وكانت سعاد قد بدأت تبتعد عن دائرة الأضواء بسبب مرضها٫ ويشير المؤلف إلى أن سعاد حسني لم تكن من ذلك النوع من المشاهير الذي يتعالى على الاعلاميين او يرفض التحدث إليهم لاسيما ان علم ان الغرض من المكالمة هو طمأنة الجمهور.
وجدت حسني في هذه المكالمة سبيلاً لطمأنة محبيها على صحتها وطالبت المؤلف بأن يرجو من جمهورها أن يواظب على الدعاء لها بالشفاء بلهجة جمعت بين التواضع والرقة الشديدة التي عرفت بها.
وفي الوقت ذاته رفضت أن تفصح عن أية تفاصيل عن متاعبها الصحية التي لازمتها منذ تصويرها مسلسلها التلفزيوني الوحيد “هو وهي” الذي كتبه صلاح جاهين وأخرجه يحيى العلمي وجمعت البطولة فيه بينها وبين أحمد زكي٫ معتبرة أن الفنان إذا خاطب جمهوره فلا بد أن يقول لهم كلاماً واخباراً تسعدهم وتبهجهم.
ويرى المؤلف أن هذا تحديداً٫ أي إسعاد الناس وبعث البهجة في قلوبهم هو الهدف الذي وضعته السندريلا نصب عينيها منذ بداية مشوارها الفني مع فيلم “حسن ونعيمة” عام ١٩٥٩ وحتى فيلمها الأخير “الراعي والنساء ” عام ١٩٩١ ٫ فبين هذين الفيلمين وعلى مدار ٣٢ عاماً٫ كان مجرد ظهور سعاد على الشاشة كفيلاً بأن يثير مشاعر البهجة لدى كثيرين.
ثم يفرد المؤلف فصولاً متتالية من الكتاب لرجال أثروا في حياة السندريلا لاسيما في سنواتها الأخيرة٫ وفي مقدمة هؤلاء الرجال بطبيعة الحال النجم الراحل أحمد زكي الذي كانت سعاد حسني تكن له مشاعر صداقة حميمة حيث كانت ترى أنه يماثلها في الموهبة وكانت تصفه مازحة بأنه “ضرتي في التمثيل”.
شارك زكي مع سعاد حسني في بطولة عدة أعمال مثل “شفيقة ومتولي” عام ١٩٧٨ و”موعد على العشاء” عام ١٩٨١ و “الدرجة الثالثة” عام ١٩٨٨ والذي أخفق في شباك التذاكر وكان أحد أسباب ابتعاد حسني عن السينما لعدة سنوات.
والاهم انه كان شريك حسني في أعمالها الأخيرة مثل مسلسل “هو وهي” وفيلم “الراعي والنساء” وكان ايضاً -وفقاً للكتاب- واحدا من أهم الداعمين لها في مواجهة متاعبها أثناء رحلة مرضها حيث وجه إليها رسالة يؤكد لها فيها انه يشاركها الضعف والألم لأنه كما وصفته ذات يوم “توامها الفني” ويطالبها فيها بالعودة إلى الوسط الفني.
أما الرجل الثاني فهو زوجها كاتب السيناريو ماهر عواد٫ الذي وجدت السندريلا فيه -كما يؤكد الكاتب- سنداً قوياً يعينها في مواجهة المرض والالم والتي زادت بعد تصويرها لدورها في فيلم “الدرجة الثالثة” الذي كتبه عواد وأخرجه شريف عرفة.
كان عواد بالنسبة لزوجته هو الإنسان النبيل الصادق المخلص الذي ملأ الفراغ الذي شعرت بها سعاد حسني بعد وفاة الكاتب والشاعر صلاح جاهين.
ولجاهين وضع خاص في حياة السندريلا حيث كان الفنان العبقري المتعدد المواهب في الشعر والسيناريو و الكاريكاتير بمثابة الملاذ الذي تلجا إليها سعاد حسني حين تحتاج النصيحة والمشورة أو لكي تستمد منه القوة في لحظات ضعفها.
وينقل الكاتب عن ماهر عواد قوله إن سعاد حسني كانت تلجأ إلى جاهين حين يلتبس عليها أمر ما فيفتيها ويدلها بصدقه ومحبته الخالصة لها٫ ولا تقتصر هذه الاستشارة على الامور الفنية فحسب وإنما كلما استعصى عليها أمر من أمور حياتها .
أما “عم مهدي” حارس العقار الذي كانت تقطن فيه السندريلا فيؤكد أن سعاد حسني كانت تحب جاهين للغاية وترى فيه الاب والاخ الاكبر والاستاذ والمعلم٫ وأنه لم يرها حزينة قط كما رآها يوم بلغه نبأ وفاة جاهين في عام ١٩٨٦ لأنها كانت “روحها فيه” على حد تعبيره.
ومن بين الرجال المؤثرين في حياة السندريلا ايضاً الدكتور عبد الحميد كابش٫ الطبيب المصري المتخصص في مجال الروماتيزم والتأهيل والطب الطبيعي والذي أكد للمؤلف أن سعاد حسني حاربت في سنواتها الأخيرة على جبهتين : الاولى آلام الظهر التي اشتدت عليها والثانية التهاب أصابها في العصب السابع وهو التهاب فيروسي أثر على وجهها الجميل.
الا ان السندريلا رغم كل هذا٫ بقيت كما يؤكد الدكتور كابش شخصية جميلة رقيقه لطيفة ورغم الحزن الذي بدا عليها فقد ظلت محتفظة بروحها المرحة و واظبت على إلقاء النكات وبقيت على سجيتها البسيطة للغاية في مواجهة المرض.
ويكشف المؤلف في فصل آخر عن رسائل دأبت السندريلا على إرسالها لابن أخيها غير الشقيق محمد جلاء وهي رسائل تكشف عن جانب إنساني لا يعرفه الكثيرون عنها.
ويورد الكاتب أيضا ملخصا وافيا لعدد من الحوارات التي اجراها مع السندريلا تحدثت فيها في الفن والحب والسياسة وكان اغلبها حول علاقتها بعبد الحليم حافظ وصلاح جاهين وفاتن حمامة ونادية لطفي.
أسئلة شائكة
اما الفصل الأخير من الكتاب فيبدو مثل رواية بوليسية مثيرة٫ حيث يسعى الكاتب للإجابة عن عدد من الأسئلة المبهمة والشائكة التي لا تزال تؤرق الكثيرين حول ظروف وفاة السندريلا مثل اختفاء الأموال التي سحبتها من المصرف الذي كانت تتعامل معه قبل وفاتها بأسبوع واحد فقط؟ وما هي حقيقة الدور الذي لعبته صديقتها نادية يسري في أيامها الأخيرة؟ والسؤال الأكثر الحاحاً: هل فرضية الانتحار هي الفرضية الأقرب لتفسير وفاة سعاد حسني ام ان الامر اعقد من ذلك؟
وبشكل عام يمكن القول أن هذا الكتاب على صغر حجمه (١٦٥ صفحة اضافة الى ملحق للصور) يقدم وجبة دسمة للقارئ الراغب لا في معرفة المزيد عن سعاد حسني فحسب بل عن زمانها ايضاً٫ زمان الفن والإبداع المصري…الذي كان.