على قصر عمر تجربتهم أسس القرامطة في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) نظام للعدالة الاجتماعية غير مسبوق، أرسى قيم تقدمية لم تكن مألوفة في هذا العصر، من بينها إلغاء نظام الرق، والمساواة بين الرجل والمرأة، وإقامة نظام شوري للحكم، كما التمس القرامطة لإقامة مجتمعهم التصور الأفلاطوني للمدينة الفاضلة، لكن رغم ريادة التجربة وثراها، طمرت بالكلية تحت ركام الأيديولوجية ولم يبرز منها إلى السطح إلا حادثة مهاجمة مكة وسرقة الحجر الأسود من الكعبة.
وإذا كانت الأيديولوجية الغالبة على تاريخنا إلى حد التزييف قد صادرت الحق في معرفة الحقائق فإنها كذلك خنقت كل إمكانية لأن تنتظم العديد من التجارب في المجال المعرفي للأمة لتساهم عبر هذا المنحى في حالة التخلف الحضاري التي أصابتها، وحركة القرامطة نموذج تنتظم بجواره نماذج عدة تؤكد هذا المعنى.
قامت حركة القرامطة المنسوبة لأحد مزارعي الكوفة، ويدعى حمدان بن الأشعث المعروف بقرمط؛ على أساس أيديولوجي هو الدعوة الإسماعيلية، لكنها كانت في جوهرها دعوة اجتماعية ضد مظالم الدولة العباسية بعامة وضد “الإقطاع العسكري” الذي تفشى في تلك الحقبة بخاصة، وفي هذا يذكر مسكويه في “تجارب الأمم” أن الإقطاع “أصبح من أهم سمات هذا العصر، ذلك أن ضعف الخلافة، وتقلص نفوذها تسبب في نقص أموال الدولة، وهو أمر ساعد عليه دهماء الأتراك بما جُبلوا عليه من تخلف حضاري، ولم تجد الخلافة مناصًا من منح الجند إقطاعات من الأرض نظير قيامهم بالخدمة العسكرية.. وأَوكل هؤلاء إدارة أراضيهم إلى طائفة من “الدهاقنة” من الفرس، فأسرفوا في تسخير الفلاحين والعبيد”، كما خسر الكثير من الفلاحين أراضيهم لصالح رجال الدولة وأصحاب النفوذ، الذين كانوا يسبغون حمايتهم على أراضي الفلاحين اتقاءً لظلم الجباة، بأن يسجلوا الأراضي – من الملكيات الصغيرة – بأسمائهم، نظير مبلغ معين من المال، فيما عُرف بنظام الإلجاء، وبمرور الوقت ازداد طمع الحماة، فلم يكتفوا بالأموال التي كانت تُؤَدى إليهم، واستولوا على الأراضي، وتحول أصحابها الأصليون بذلك إلى مجرد مزارعين أُجراء بها.
وإلى جانب هذا النوع من الإقطاع ظهرت طبقة مستغلة أخرى من كبار التجار، وثيقة الصلة برؤساء الترك ورجال الإدارة والقواد، وعَسُر الحال بالناس، عندها ظهر قرمط يبشرهم “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”، فكان شعار الثورة التي حملت لواءها قبائل بادية الشام وجنوبي العراق، وهي قبائل كانت مضرب المثل في الفقر والعوز (بحسب الخطيب البغدادي)، كذا فقد انتشرت الدعوة بين العمال بالمدن عبر “الأساتذة”، وهم رؤساء الحرفيين الذين لم يسلموا أيضًا من ابتزاز الجند الترك، وغاراتهم على دور الصناعة.
نتيجة لهذه الأوضاع انتشرت دعوة القرامطة في بقعة واسعة من الأرض، امتدت من فارس إلى المغرب، وسرعان ما انفصلت الحركة القرمطية عن الدعوة الإسماعيلية، فحمدان بن الأشعث قرمط، بعد أن تولى زعامة الحركة، إثر وفاة الداعية الإسماعيلي الحسين الأهوازي الذي جنده، دعا لنفسه، كما صرح بذلك لمقربيه، لكنه استمر في استخدام اسم محمد بن إسماعيل المهدي حتى يستمر الإقبال على دعوته، لارتباطها بآل البيت، واستطاع “آل الجنابي” الذين أسسوا للدعوة دولة في البحرين امتدت رقعتها حتى سواد الكوفة أن ينتصروا في معاركهم ضد الخلافة العباسية بجيش صغير، واحتلوا البصرة ووقفوا على أعتاب بغداد، غير أن أبي سعيد الجنابي رجع عنها بعد قطع القنطرة الموصلة إلى عاصمة الخلافة، وفي سنة 317 هـ، 923م هاجم أبو طاهر الجنابي مكة متحديا سلطة الخليفة العباسي، فاقتلع الحجر الأسود من الكعبة، وعلى مدارعقود طويلة لم يأمن الحجيج من هجمات القرامطة على قوافلهم وانتهابها، بعد أن توقفت المخصصات التي كان يدفعها الخليفة العباسي للجنابي مقابل حراسة طريق الحجيج، ولم تكن مهاجمة قوافل الحجيج بدعا في هذا العصر، فقبل القرامطة كانت قبائل أمثال: بني سليم وبني عقيل وطي والمنتفق تمتهن هذا الأمر، كما أن سرقة الجحر الأسود جرت غير مرة من قبائل: خزاعة وجرهم والعمالقة.
فيما يخص شكل الدولة التي أنشأها القرامطة فقد أٌقاموا نظاما اقتصاديا فريدا، تدرجوا فيه بفرض الضرائب، لينتهوا إلى إلغاء الملكية الفردية، حيث يُجمع كل إنتاج المجتمع القرمطي ثم يعاد توزيعه بحسب حاجة كل واحد منهم، ولا يستثنى أحد من العمل حتى النساء والصبية، وفي البحرين حيث قامت لهم دولة أُلغي الإقطاع ليعاد توزيع الأراضي على المزارعين، كما قدمت الدولة القروض لهم وللصناع بهدف تشجيعهم على استغلال الأراضي وتطوير الصناعات، وفي سياق متصل ذكر المستشرق “ماسينيون” أنَّ الحركة القرمطية هي أول من أسس نقابات للعمال، و”أنَّ هذه النقابات كانت سلاحًا أشهره دعاة القرامطة في نضالهم، لتوحيد طبقة العمال بالعالم الإسلامي”، كما ألغت الدولة القرمطية الرق، إلى جانب ذلك احتلت المرأة مكانة متميزة في المجتمع، فتساوت بالرجل في الحقوق والواجبات، وكانت شريكًا في النظام الاجتماعي والسياسي، فتلقت تعليمها مع أقرانها الذكور بنفس دور التعليم، وكانت تعمل، وتُخرج الخُمس، مثلها مثل الرجل، وتشاركه بالأعمال العسكرية، كما سلكت سلك الدعوة، وكان هذا – كما يذهب عدد من الباحثين – سببًا في توجيه اتهامات للمرأة القرمطية بالإباحية.
الا لعنة الله علي القرامطة…يا مزوري التاريخ هؤلاء ما كانوا الا سهلة تجار رقيق يقطعون الطريق ويسحبون دماء الأبرياء ويلحدون في الحرم ولقد اقتلعوا الحجر الاسود وظل في بلادهم سنين طويلة…كل ما تقوله في هذه المقالة ما هو الا تزوير للتاريخ وحسبنا الله ونعم الوكيل
يعني القرامطة كانوا أول من دعا إلى المبادئ الشيوعية قبل ماركس ولينين