من مصادفات القدر أن صوت جميل راتب الرخيم بطبقاته المميزة الذي لا تخطئه أذن ضاع تماما في أخريات حياته ، وفقد هذا النجم الكبير صوته الذي كان واحدا من الاسباب المهمة لنجاحه في كثير من الاعمال السينمائية المصرية والعالمية ، ففي النسخة المدبلجة لفيلم عمر المختار كان صوت جميل راتب عنصرا اساسيا لنجاح دور الجنرال الإيطالي في الفيلم
فقد جميل راتب صوته بعد أن اصاب مرض خطير أحباله الصوتية وذهب راتب إلى فرنسا للعلاج لكن الأطباء الفرنسيين لم يفلحوا في علاجه نظرا لكبر سنه واختار الرجل أن يعود إلى مصر ليموت ويدفن فيها
وقبل ان يفقد راتب صوته بفترة قصيرة وفي حوار مع المذيعة اللبنانية راغدة شلهوب قال إنه صار ينتظر الموت ويريده ليريحه من كثير من متاعب الحياة وخاصة المرض.
البهظ والشرنوبي
عرف الجمهور المصري والعربي جميل راتب في كثير من الادوار التي شكلت علامات في كثير من افلام ومحطات السينما المصرية لعل اشهرها دور تاجر المخدرات سليم البهظ في فيلم الكيف وقد أدى راتب الدور بإبداع وتفرد كبيرين وقال هو عن هذا الدور إنه أدى شخصية مغايرة تماما لشخصيته الحقيقية ونجح في دوره نجاحا مذهلا
وقد نجح راتب ايضا في أداء دور تاجر الاغذية الفاسد الشرنوبي الذي يتم اكتشاف قيامه بالتجارة في الفراخ الفاسدة فيدفع موظفا في شركته صلاح” “عادل إمام” للاعتراف على نفسه مقابل اعطائه شقة وايهامه بتوكيل محامين كبار له لتخفيف الحكم لكن السجن لسنوات كان هو الحكم الذي صدر كما لم يقم الشرنوبي بتوفير الشقة لصلاح الذي يهرب من سجنه ويقتل الشرنوبي وذلك في واحد من أجمل أفلام السينما المصرية “حب في الزنزانة “
في بلد الجن والملائكة
ولد جميل راتب بالقاهرة في اغسطس عام 1926 لأسرة ثرية جدا فابوه أبو بكر راتب كان من من أعيان وباشوات بني سويف وامه هي ابنة شقيق السيدة هدى شعراوي إحدى الشخصيات النسائية الشهيرة في تاريخ مصر .. وقد عشق جميل فن التمثيل منذ صغره وحصل على جائزة الممثل الأول على مستوى مدارس مصر في بداية الاربعينات ثم مثل دورا مهما في فيلم “أنا الشرق عام 1946 أمام الممثلة الفرنسية كلود جودار و جورج ابيض وحسين رياض ثم سافر الى فرنسا ليلتحق هناك بكلية الحقوق لكن شغفه بالتمثيل كان كبيرا جدا فاتجه كليا الى العمل في المسرح الفرنسي وانضم لفرقة مسرحية فرنسية اسمها فرانسيز وغضبت أسرته عليه غضبا شديدا وقطعت عنه مصروفه الشهري فاضطر للعمل في غسل الاطباق وبيع الخضروات في فرنسا لينفق على نفسه ..
وقد شارك راتب في عدد من الافلام العالمية بادوار مميزة وساعدته إجادته التامة للغة الفرنسية وغيرها من اللغات الأخرى على الإجادة والتميز فعمل في عشرات الأفلام ومنها لورانس العرب وعمر المختار
وتزوج جميل راتب سيدة فرنسية واتفقا على عدم الانجاب ثم حدث الانفصال لكن ظلت علاقته بها جيدة وكان يزورها في فرنسا باستمرار.
مع محمد صبحي
عاد جميل راتاب بشكل نهائي الى مصر ليعمل في حوالي سبعين فيلما مثل الكذاب وسنة أولى حب وخلف اسوار الجامعة وحكاية ورا كل باب وكيدهن عظيم والكيف وحب في الزنزانة وغيرها الكثير من الأفلام
وكان لراتب باع كبير ومشاركات متميزة جدا في الدراما التليفزيونية وعمل مع كبار النجوم فقد شارك في مسلسلات من روائع وكلاسيكيات الدراما التليفزيونية مثل أحلام الفتى الطائر مع عادل امام وزينب والعرش مع سهير رمزي وغدا تتفتح الزهور مع سميرة احمد ومحمود ياسين ووجه القمر مع فاتن حمامة و كذلك قام راتب بدور جيوفاني رجل الأعمال الإيطالي ورئيس الجالية الإيطالية بالاسكندرية وخال بشر عامر “يحيي الفخراني ” في رائعة أسامة أنور عكاشة وجمال عبد الحميد زيزينيا
كما شارك جميل في مسلسلات رحلة المليون وفارس بلا جواد ويوميات ونيس مع محمد صبحي
وقد شكل راتب ثنائيا فنيا متميزا مع صبحي وكان قاسما مشتركا في كثير من أعماله فهو مثلا في مسلسل رحلة المليون لطفي رجل الأعمال الذي يدخل في معارك كثيرة مع سنبل الشاب العصامي الذي يحقق المليون وقد عرف جمهور الشاشة الصغيرة المصرية جميل راتب على نطاق واسع بسبب الايفيهات والمقالب التي كان سنبل يقوم بها ضد لطفي بشكل كوميدي محبب
وفي يوميات ونيس قام راتب بدور ابو الفضل والد ونيس وأيضا كان هناك كثير من المواقف الضاحكة بينه وبين ونيس “محمد صبحي “
وقد أكد جميل راتب في أكثر من مناسبة وأكثر من موقف إيمانه بمحمد صبحي كممثل كبير وارتياحه للعمل معه وأنه يفضل العمل مع صبحي أكثر من غيره بكثير
كان جميل راتب واحدا ممن أتقنوا أدوار الشر في السينما المصرية ويكفي دوراه في الكيف وحب في الزنزانة للتأكيد على هذه الحقيقة وقد أطلق عليه البعض لقب شرير السينما الانيق
وفي التاسع عشر من سبتمبر عام 2018 رحل جميل راتب متأثرا بأمراض الشيخوخة بينما كان يعالج بمستشفى الأنجلو أمريكان .. رحل الرجل صاحب البصمة المميزة في السينما والدراما التليفزيونية المصرية عن عمر ناهز الثانية والتسعين وترك وصية عظيمة تبرع من خلالها بكل أمواله لأطفال الملاجئ والأيتام ولمستشفي علاج سرطان الأطفال فقد عرف جميل راتب في حياته بحبه الشديد للأطفال .. رحم الله جميل راتب