قد يشعر قارئ هذه السطور بكثير من الاندهاش حين يعرف ان الفنانة نعيمة الصغير صاحبة الصوت الاجش كانت في صباها وشبابها الباكر تتمتع بصوت جميل ورقيق وصافي ورائق لدرجة أنها عملت في بداياتها الفنية مطربة ومونولوجست وكان حلمها الكبير أن تشتهر كمطربة وان يعرفها الجمهور كمغنية ذات صوت يتميز بالرقة والعذوبة لا كممثلة لها حضورها الخاص المتفرد الذي يضعها في مصاف النجوم الذين يعرفهم الجمهور جيدا لا أصحاب الأدوار الثانية والثالثة.
وعلى الرغم من أن التغير الهائل الذي حدث لحنجرة نعيمة الصغير وأحبالها الصوتية قد حرمها من حلم أن تكون مطربة شهيرة فقد حقق لها على الناحية الأخرى ميزة كبيرة حين اصبح صوتها الاجش الجهور علامة وبصمة فنية لها منحتها ادوار المراة القوية المفترية التي أجادت فيها نعيمة إجادة تامة بحيث منحتها شهرة مستحقة لدى الجمهور والنقاد.
مؤامرة غيرت مسارها الفني
اسمها الحقيقي هو نعيمة عبد المجيد عبد الجواد ولدت بالأسكندرية في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1931 وتميزت منذ طفولتها بصوتها الجميل العذب وكانت تقلد كبار المطربين والمطربات وهي طفلة صغيرة ولما كبرت قليلا ازداد صوتها جمالا لدرجة دعت المخرج الكبير حسن الإمام لأن يستعين بها لتشارك بالغناء في فيلم اليتمتين الذي أنتج عام 1948 بطولة فاتن حمامة وثريا فخري.. وكان عمرها وقتها 17 عاما فقط
وتزوجت نعيمة مطربا شعبيا معروفا بالأسكندرية آنذاك هو المطرب محمد الصغير الذي اكتسبت منه لقبها كفنانة بعد ذلك لتصبح نعيمة الصغير
غير أن نعيمة وهي في طريقها لبناء أول لبنة في مجد غنائي كان منتظرا تعرضت لمؤامرة حقيرة وغادرة من صديقة لها كانت تشعر بغيرة شديدة منها ومن جمال صوتها إذ قامت بوضع سم لها في كوب شاي شربته نعيمة لتتعرض لموت محقق نجت منه لقوة بنيانها ولصحة جسدها القوي غير أن السم ترك أثرا قاتلا على أحبال نعيمة الصوتية ليصبح صوتها أجشا كما عرفناه وتعودنا عليه بعد ذلك في مسيرتها الفنية الطويلة
وكان من البديهي ان يتغير اتجاه نعيمة الفني تماما فقد باعد هذا التغير الكبير الذي طرأ على صوتها بينها وبين الغناء تماما لتتجه إلى التمثيل الذي حققت فيه بصمة و وحضورا متفردا منحه لها هذا الصوت القوي الجهور الذي مكنها من أن تؤدي أدوار المرأة المفترية والحماة القوية سليطة اللسان بتمكن واقتدار
أدوار لا تنسى
كان تركيز نعيمة الصغير منصبا على السينما التي مثلت لها عشرات الأدوار التي كانت في أغلبها ادوارا مؤثرة ولها مساحتها المتميزة ، وهي كما ذكرنا وإن لم تحظ بادوار البطولة لكنها كانت تنافس النجوم أصحاب البطولة في جذب الجمهور الذي ارتبط كثيرا بادوارها والشخصيات التي جسدتها وظهر ذلك جليا في كثير من الأفلام التي مثلتها خاصة في حقبة الثمانينيات
في فيلم الشقة من حق الزوجة جسدت نعيمة الصغير دور نظلة أم كريمة “معالي زايد” التي تخرب بيت ابنتها الوحيدة وتتسبب في حدوث الطلاق الأول بينها وبين زوجها سمير “محمود عبد العزيز” بتدخلها المستمر في حياتها وتناصب زوج ابتها العداء الشديد ، وتدخل نعيمة الصغير مباراة كوميدية رائعة مع النجم محمود عبد العزيز وتحدث بينهما مواقف كوميدية ما زالت تعلق بذاكرة عشاق السينما كما تحدث ايضا مواقف بينها وبين زوجها في الفيلم المغلوب على أمره أمام جبروتها عبد الله فرغلي
كان دور نظلة في الشقة من حق الزوجة واحدا من أجمل وأهم الادوار التي مثلتها نعيمة الصغير طوال مشوارها وقامت نعيمة الصغير كذلك بدور أم شريف “عادل إمام”في فيلم كراكون في الشارع عام 86 ورغم أنه لم يكن دورا كوميديا لكن الصغير في المشاهد التي جمعتها بالزعيم وبزوجته في الفيلم يسرا انطوى أداؤها على حس كوميدي رائع أيضا
وفي فيلم القاهرة 30 جسدت نعيمة الصغير دور والدة احسان شحاتة أو سعاد حسني التي تعيش حياة الفقر والحرمان بشكل يدفعها لقبول علاقة ابنتها الآثمة مع رجل من الكبار “أحمد مظهر”
كما شاركت نعيمة الصغير بدور مؤثر ومحوري في فيلم العفاريت مع مديحة كامل وعمرو دياب من خلال شخصية الكتعة التي تستغل الأطفال المشردين في التسول
شاركت الصغير بعد بدايتها في اليتيمتين في عدد كبير من الأفلام السينمائية مثل هي والرجال والقاهرة 30 وورد وشوك ومولد يا دنيا والليلة الموعودة والشقة من حق الزوجة وشهد الملكة وعلي بيه مظهر وفي كل أدوارها كانت تترك بصمة خاصة وحضورا متميزا بحسها الكوميدي المتميز وبصوتها الذي ساعدها في إضفاء نوع من قوة الشخصية التي تميزت بها في أغلب أدوارها
وفي العشرين من أكتوبر عام 1991 رحلت نعيمة الصغير بعد مرض قصير تاركة إرثا سينمائيا يشير إلى فنانة موهوبة وكوميديانة من طراز خاص