على صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يطل الشاب الغزاوي عبود بطاح، المشهور لدى متابعيه بصناعة محتوى ساخر عن جيش الاحتلال؛ ليروي تجربة الاعتقال التي مر بها، على أيدي جنود صهاينة، في شمال قطاع غزة المحاصر.
يؤكد عبود أنه تعرض للضرب والتنكيل، من قبل جنود الاحتلال؛ خاصة بعد أن تعرّف عليه أحدهم؛ ولذلك ورغم كونه أول الواصلين إلى مكان الاعتقال؛ إلا أنه كان آخر المفرج عنهم.
اللافت هنا.. هو أن ابتسامة عبود لم تفارقه، رغم كل ما مر به، واللافت كذلك.. هو تأكيده على أنه لم يهب ولم يخش جنود الاحتلال؛ رغم تهديدهم له بالقتل؛ بل أكد لهم أنه لا يخشى هذا التهديد؛ بل يتمنى الشهادة على طريقة مثله الأعلى، القائد الشهيد السنوار.
وفي نهاية المقطع المصور، يتعهد عبود لمتابعيه أنه رغم كل ما سبق؛ لن يتوقف عن صناعة المحتوى الذي يفضح فيه جرائم الاحتلال، ولا ينسى بطريقته المعتادة في السخرية من جيش الاحتلال؛ موكداً أنه جيش جبان وأن جنوده “حمقى”.
في صباح ذات اليوم الذي بث فيه عبود مقطعه المصور- تعرّض جيش الاحتلال في شمال غزة؛ لكمين محكم من قبل المقاومة، حيث داست إحدى دبابات اللواء 460 الصهيوني، على عبوة ناسفة زرعها المقاومون، وتضررت الدبابة وقُتل ثلاثة عسكريين كانوا بداخلها، وأصيب الرابع بجروح متوسطة.
واضطر جيش الاحتلال إلى الاعتراف بمقتل ضابط وجنديين، وأن استخراج جثثهم استغرق عدة ساعات.
إن روح التحدي والإصرار التي يمثلها عبود -رغم حداثة سنه- والتي تمثلها المقاومة في غزة، من خلال عمليات نوعية كالمشار إليها أعلاه، هي -بالتحديد- ما دفع بعض الدوائر الصهيونية، إلى التشكيك في جدوى “خطة الجنرالات” القائمة على قدم وساق، في شمال قطاع غزة، والهادفة إلى تهجير سكان الشمال.
ليس ثمة جديد في “خطة الجنرالات”. إذ ليست -في جوهرها- سوى تكرار، لما فعله الصهاينة بأسلاف عبود عام ١٩٤٨، في سبيل إقامة دولتهم.
لكن الفارق اليوم يتمثل في أمرين: الأول هو أن العالم يشهد هذه الممارسات الصهيونية بشكل يومي وحي؛ على شاشات التلفزة ومواقع التواصل.
والثاني: أن أبناء شمال غزة اليوم، يأبون أن يكرروا مأساة أسلافهم، ويتشبثون بالبقاء في أرضهم، رغم كافة ممارسات العدو الهمجية بحقهم.
وهو ما نقلته القناة ١٤ في التلفزة العبرية، عن مسئول صهيوني، حيث أكد آن “حصار جباليا هو أكبر الخدع، حيث لا يخلي السكان منازلهم جنوبا باتجاه محور نتساريم، بل بشكل أساسي إلى مناطق الشجاعية والدرج والتفاح – وبمجرد أن نغادر من جباليا، سيعودون إلى هناك وسيعود معهم العمل المسلح”.
وعلى شاشة القناة ١٢ العبرية.. أكد رئيس شعبة الأسرى والمفقودين السابق في الموساد رامي إيغرا، أن “المجتمع الإسرائيلي يجد صعوبة، في فهم حقيقة أن السلطة المدنية التابعة لحماس في غزة، لا تزال فعّالة بالكامل، وأن المجتمع الغزي يعتمد عليها حياتيا، إلى جانب الخوف من قوتها، وأيضا تأثيرها”.
ويضيف إيغرا: “يحلم المجتمع اليميني بواقع يهاجر فيه الفلسطينيون، أو يسمح العالم لإسرائيل بأن تكون دولة فيها مواطنون من الدرجة الثانية، وهذا لن يحدث، ويجب أن نتخلص من هذه الأفكار”.
ومن الملاحظ أنه في حين يستقوي جيش الاحتلال على مدنيين عزل في شمال قطاع غزة؛ فإن الجيش يبدو عاجزا عن التقدم بضع كيلومترات في شمال آخر، هو شمال فلسطين المحتلة نحو جنوب لبنان.
إذ بات سقوط القتلى والجرحى من جيش الاحتلال على يد المقاومة اللبنانية- روتينا يوميا. وفي حين كان الجيش الصهيوني يتباهى بأنه يستطيع استباحة أرض أي قطر عربي مجاور- تبدو سماء فلسطين المحتلة اليوم؛ مستباحة من قِبَل مسيرات وصواريخ المقاومة اللبنانية، وجبهات إسنادها في كل من العراق واليمن.
ولعل هذا ما دفع قناة “كان” الصهيونية للقول صراحة أن “الثمن الدموي الذي تدفعه “إسرائيل” و”الجيش” باهظ جدا ونهاية هذا الأمر لا تبدو في الأفق”.
إن الثمن الدموي المشار إليه أعلاه، والذي تزيد المقاومة من كلفته على الاحتلال بشكل يومي هو وحده السبيل لوقف مخططات التهجير.
وما أصدق كلمات شاعر تونس أبو القاسم الشابي في هذا المقام:
“لا عَدْلَ إلاَّ إنْ تَعادَلتِ القوى وتَصادَمَ الإرهابُ بالإرهابِ”.