مبدعون كبار، وأسماء ثقيلة في دنيا الأدب، اقتربت من تجربة الورش الإبداعية التي شاعت في السنوات الأخيرة. ورشة واحدة تجمع على سبيل المثال وليس الحصر، إبراهيم عبد المجيد، نبيل فاروق، ومحمد عصمت، طارق إمام ، محمد عبد النبي، فضلا عن ورشة أخرى ينظمها الروائي الشهير أحمد مراد، طرحت العديد والعديد من التساؤلات، لعل أهمها: هل يمكن أن نعلم أحد كيف يخلق.. كيف يبدع؟.
الروائي الألماني “ريلكة” فى كتابه رسائل الى روائي ناشئ أو شاعر ناشئ، أجاب مبكرًا عن هذا السؤال، جازما أنه لا يمكن أبدًا صناعة كاتب أو مبدع دون وجود موهبة. لكن مع ظاهرة انتشار الورش الإبداعية في مجالات الرواية والقصة والترجمة، عاد نفس السؤال مجددا: هل يمكن صناعة كاتب؟
ومن جانبنا طرحنا السؤال على عدد من المبدعين والنقاد بحثا عن إجابة حول جدوى مثل هذه الورش، وهل يمكن أن تسهم حقا في صناعة كاتب؟.
حفز الموهبة
الشاعر والقاص أسامة جاد يثمن التجربة إيجابيا ويراها تسهم في إثراء الوعي النقدي لدى المشاركين بالعملية الإبداعية ومحدداتها الأسلوبية والبنائية وعناصرها الجمالية عموما، لكنه يضيف: الورشة لا تصنع مبدعا، الأمر لا يعدو أن يكون نوعا من التدريب على مهارات ممارسة الإبداع، كالارتقاء بالأداء اللغوي وطرائق الكتابة وألوانها، فالكتابة وفق نموذج ظاهره فني جمالي، لكن باطنه التقليد المحض بما هو نقيض عملية الإبداع التي تلزمها خطوة واسعة في فراغ مجهول، ورش الكتابة يمكنها فقط أن تساعد من لديهم الموهبة في إيجاد عناصر القوة والضعف وتطوير التقنيات الشخصية وتفعيلها.
بدورها، ترى الروائية ضحى عاصي أن الورش الابداعية تسهم في خلق مناخ ابداعي للمشاركين، مثلها مثل حضور الندوات والأمسيات الثقافية ومناقشات الكتب، وما توفره من مناخ يحفز من لديه الموهبة ويخلق حالة من التواصل مع منظومة الابداع.
وتضيف: الكتابة عالم شديد الثراء والتنوع، لكنه أيضًا شديد التشابه، فالأفكار واحدة والأزمات واحدة، وحضور هذه الورش مفيد في الإلمام بأدوات الكتابة وبعض النظريات النقدية، لكن الورشة لا تصنع أديبًا أو روائيا في حال غياب الموهبة والرؤية الخاصة والوعي، هي تنتج متذوقًا جيدًا للأدب وليس أديبًا.
تقليد للغرب
ويرى الكاتب الصحفي والروائي إبراهيم فرغلي أن الورشة الأدبية هي مجرد وسيلة للتركيز على الخصوصيات التقنية التي يمكن لأصحاب المواهب أن يتقنوا بها عملهم الأدبي، مضيفا: بالنسبة لجيلي مثلا، كان على الكاتب أن يعرف الطريق بمفرده، أن يقرأ عشرات أو مئات الكتب الأدبية، وأن يدرك الفروق في الأساليب واللغة المستخدمة بين الكتاب، ويفهم وسائل البناء الأدبي وتنوع أساليب السرد، وغالبا ما كان يجعل من أصدقائه المقربين أو بعض الكتاب من جيله وسيلة لعمل ورش صغيرة.
ويتابع: الفكرة غربية، وأساسا أمريكية، فمنظومة الكتابة والنشر لديهم تقوم على التخصص، هناك كاتب، وهناك محرر أدبي له حق التدخل في النص بالتعديل والإضافة والحذف، مثل هذه المنظومة لا تشبه الحال لدينا، ما يجعل الورشة الأدبية تبدو بعيدة عن ثقافتنا.
روايات مستنسخة
وتبدي الروائية منصورة عز الدين تحفظا على شيوع ورش الكتابة، محذرة من جوانبها السلبية المحتملة، ومنها تصدير أسلوب المشرف المحترف إلى الكتاب المشاركين في مثل هذه الورش، أو قولبة أعمالهم وفق قوالب وقواعد صماء، في حين أن الأصل في الإبداع الخروج على القواعد وتحطيم القوالب الجامدة.
وتضيف: المشكلة أن هذه الورش تحولت إلى خدمة رائجة دون ضوابط، فضلا عن مغالاة القائمين عليها في أسعار الاشتراك بها، على عكس الحال في الغرب، فهناك أقسام أكاديمية مخصصة لتدريس الكتابة الإبداعية، يتم اختيار من يدرِّسون فيها بعناية، وحتى في ذلك السياق المنضبط نجدهم كثيرا ما يعترفون أن الصفة الغالبة على أعمال خريجي هذه الورش أنها تبدو مكتملة الشروط الفنية وتلتزم القواعد الجمالية، لكنها تفتقر إلى اللمسة السحرية للإبداع.
وتستشهد بما كتبه الروائي العالمي روبرتو بولا نيو في روايته “أنتويرب”، بأن لا قواعد في الفن، فالروايات المكتوبة وفق قواعد ما، هي روايات مستنسخة من بعضها البعض. وتتابع: أتفق تماماً مع هذا الرأي، وإن كان ثمة قواعد ما يسترشد بها الكاتب، فالأفضل أن يستخلصها من خبراته في الكتابة، وأن تكون متغيرة ومرنة، ففي رواية ما قد يكون المكان هو البطل الرئيسي، ورواية أخرى قد تتطلب الغوص النفسي داخل الشخصيات، وثالثة قد يكون سرها في تقديم الشخصيات كظلال ملتبسة، وكل من الأمثلة السابقة يتطلب مقاربة حساسة ومختلفة.
وسيلة للتربح
الناقد والشاعر أسامة حداد يؤكد أنه لا يوجد معلم لمبدع، هناك الموهبة وبعدها دور الكتب والتثقيف والاطلاع، فالنصوص تتفاعل وتتجاور وفق نظرية النص وفى إطار الممارسة الدلالية، ودور المحرر الأدبي يأتي تاليًا لفعل الكتابة، والفردانية هى أساس النص الذى يتوافق مع الملامح الذاتية للكاتب وفق تجربته الحياتية، وثقافته وانحيازه الجمالي والمعرفي.
ولا يبدي حداد تحمسا للورش الإبداعية، فهو يراها إما وسيلة للتربح أو لتحديد أطر للكتابة وتوجيهها، ويضيف: دائمًا المبدع هو من يحطم الأطر ﻻ من يتمسك بها، فالإبداع حالة استثنائية وذاتية، وهذا ينسف في رأيي فكرة الورشة الإبداعية من أساسها، فمتى كان الإبداع حرفة حتى لو تفرغ الكاتب للفعل الإبداعي، ومن يملك أن يعلم الآخر كيف يكتب قصيدة أو سردا؟
تكنيك خاص
وتلفت القاصة والكاتبة المسرحية لمياء مختار، الى أن الورش الأدبية تنقسم لنوعين: نوع لكتابة الروايات والمجموعات القصصية، وهو ما تراه غير مجدٍ وغير مفيد لمتلقي الدروس بهذه الورش، “فالكتابة الأدبية الإبداعية الصرفة لا يمكن تعليمها للآخرين فهي هبة من الله يولد بها المرء كما يقول المثل “الشاعر يولد شاعراً ولا يُصنع”.
لمياء مختار
أما النوع الثاني من الورش فهو ورش الكتابة للمسرح والتليفزيون والسينما، وهي قد تكون مفيدة لمن يمتلك الموهبة أولاً، فهذا النوع من الكتابة المتخصصة والمعدة للتمثيل أساساً يحتاج إلى تكنيك خاص وله قواعد متعارف عليها، ولهذا قد تكون هذه الورش مفيدة لمن يمتلك الموهبة، للإلمام بالقواعد المتفق عليها في الكتابة لهذه الأشكال الفنية المختلفة، والتي تشترك في ضرورة إعداده النص للتمثيل المناسب لكل وسيط منها على حدة.