رؤى

طوفان الأقصى.. في انتظار الشتاء

في صيف عام ١٩٤٢، أطلقت ألمانيا النازية عمليتها العسكرية الشهيرة “بارباروسا” وهو الاسم الحركي الذي اختارته القيادة النازية -آنذاك- لعملية غزو الاتحاد السوفيتي.

اتبع الجيش الألماني في بداية الغزو، أسلوب الحرب الخاطفة الذي مكنه من قبل، من احتلال أقسام واسعة من أوروبا، بما في ذلك بولندا وفرنسا بسرعة فائقة.

لكن التقدم النازي توقف بفعل عاملين: الأول بشري، هو المقاومة العنيفة التي أبداها الجيش الأحمر السوفيتي، وخاصة في مدينة ستالينغراد، والثاني طبيعي وهو الشتاء الروسي القارس.

ففي حين كانت القوات السوفيتية مؤهلة ومعتادة على القتال في برد الشتاء؛ لم تكن القوات الألمانية قد أعدت عدتها للقتال في برد الأراضي الروسية المثلج.

حيث أثّر البرد والصقيع على أداء سلاح الجو الألماني المعروف بـ “اللوفت فافه” وأثَّر كذلك على القوات المدرعة، التي لم تجد معداتها وآلياتها وقودا كافيا للتقدم.

ووفق دراسة لمجلة “المشاة” العسكرية الأمريكية (عدد سبتمبر- اكتوبر ١٩٩٢) فإن الفترة ما بين الأول من يناير ونهاية مارس ١٩٤٢، شهدت خسائر في صفوف الألمان، تجاوزت ١٠٠ ألف إصابة بسبب البرد، من بينها ١٤ آلف جندي، بُتِرَتْ أطرافهم بسبب الصقيع.

وبحلول ديسمبر من عام ١٩٤٢، شن الجيش السوفيتي هجوما مضادا، فاجأ القوات الالمانية المجهدة، وتمكَّن السوفييت من تطويق القوات النازية التي كانت تحاصر مدنهم سابقا (ستالينغراد نموذجا).

اليوم.. وبعد أكثر من ثمانين عاما على معركة روسيا التي كان البرد أحد أبطالها، يعود الحديث في الإعلام الصهيوني عن فصل الشتاء، بوصفه عاملا مؤثرا في المعركة الدائرة على أرض كلٍ من: قطاع غزة وجنوب لبنان.

ففي صحيفة معاريف العبرية، كتب المحلل السياسي آفي اشكنازي، مُحذرا من أن استمرار قتال الجيش الصهيوني على الجبهتين المشار إليهما أعلاه؛ يمكن أن يغرق الجيش الصهيوني في وحل الشتاء القريب.. في غزة ولبنان.

الخشية من حلول الشتاء وتأثيره على أداء الجيش الصهيوني في المعركة- عززتها الخسائر المتتالية التي تكبدها جيش الاحتلال، على يد المقاومة في غزة وجنوب لبنان.

حيث ذكر المراسل العسكري للقناة 12 العبرية أن الجيش في “وضع مستحيل، ندفع أثمانا كبيرة، ولا نتقدم إلى حيث يمكننا إعادة الأسرى، ونحن نطيل أمد الحرب”.

وأضاف أن “الوضع الحالي هو أن حماس هي المسئولة عن كل مكان لا يتواجد فيه الجيش في قطاع غزة، والحال كما كان عليه قبل 7 أكتوبر 2023”.

القناة ذاتها نشرت فحوى رسالة، نقلها قادة المؤسسة الأمنية الصهيونية إلى حكومتهم، وملخصها أن المقاومة الفلسطينية؛ حتى بعد استشهاد القائد القسامي السنوار “لم تتخل عن مطالبها بمخطط ينهي الحرب والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي، ولا توجد طريقة أخرى لإعادة المختطفين إلى ديارهم، وعدم اتباع هذا المسار يعني الوصول إلى طريق مسدود والتخلي عن المختطفين”.

صحيفة  يديعوت أحرونوت العبرية نشرت على لسان مراسلها العسكري رون بن يشاي، نتيجة مماثلة لخصها بقوله “يدفع مقاتلونا ثمنا باهظا من أجل كسر دفاع العدو” واستشهد بواقعة حدثت في جنوب لبنان حيث “حصَّن حزب الله مقاتليه في الخط الثاني من القرى، وانتظر قواتنا، وتعلَّم أسلوب العمل، ونشر خلايا مقاتليه في منازل القرى التي دخل إليها لواء غولاني، وكانت النتيجة معركة لساعات طويلة، قُتل خلالها 6 جنود، وأصيب آخرون”.

تزايد الخسائر الصهيونية في قطاع غزة أيضا وخاصة في شماله- جعلت مسئولين صهاينة يطلقون صيحة تحذير من استمرار القتال هناك.

مثل عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هاليفي، الذي صرَّح قائلا: “لم يكن ينبغي شن العملية العسكرية في مخيم جباليا، وعلى كاتس -وزير الدفاع الجديد- الإيعاز للجيش بتغيير خططه، لقد فقدنا 24 جنديا وضابطا هناك، منذ شهر ونصف، فهل أصابنا الجنون؟”.

القتال في جباليا وبيت لاهيا، والذي وصفه مراسل القناة ال١٣ العبرية بال”عنيف” دفع مسئولين في جيش الاحتلال إلى القول صراحة إن العملية العسكرية -خاصة في جباليا- قد “استنفذت أهدافها” في إشارة إلى عدم جدوى استمرارها، خاصة في ظل تأكيد تقرير للقناة ١٢ العبرية أن “الجيش يجد نفسه أمام مفترق طرق، ويريد أن يعرف إلى أين يريد المستوى السياسي أن يصل”.

وذلك خاصة مع تأكيد المراسل العسكري لـ يديعوت أحرونوت أنه “لا يزال ما بين 100 إلى 200 مقاتل -من حماس- يعملون في منطقة جباليا، على الرغم من العملية العسكرية الواسعة للجيش”.

وهو ما أثار سخرية المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع، الذي كتب يقول “ينبغي أن نعلم أن الجيش لن يصل إلى آخر حمساوي، وسيكون الثمن في حياة الجنود باهظا، وتتآكل الإنجازات، ودخول جباليا للمرة الخامسة والسادسة، ربما لن يساعد الأسرى”.

ويبدو أن هذا القلق من استمرار المعركة مع تزايد الخسائر الصهيونية ليس قاصرا على الصهاينة، وإنما امتد إلى حلفائهم الأمريكيين، حيث نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسئول عسكري أمريكي قوله: “الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تضر باستعداد الولايات المتحدة، للرد على التهديدات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي المنطقة الأكثر إلحاحا من حيث كمية ونوعية التهديدات التي تشكِّها الصين – أكبر منافس محتمل لنا في العالم”.

الخسائر الصهيونية التي بلغت وفقا للاعتراف الرسمي لجيش الاحتلال، ٨٠٠ جندي قتيل من بينهم ٢٨ جنديا قتلوا على يد المقاومة في جباليا منذ انطلاق العملية البرية هناك- دفع كاتبا صهيونيا هو يسرائيل هرئيل، لاستعارة تعبير سيد المقاومة اللبنانية حسن نصر الله، في مقال له بصحيفة هآرتس “كان حسن نصر الله على حق، عندما شبَّه إسرائيل بأنها كخيوط العنكبوت؛ ففي بداية حرب ٢٠٢٣، أدت دعاية “خيوط العنكبوت” إلى فرار نحو 60,000 مستوطن من الشمال”.

وأضاف “يمكن القول، من دون لجنة تحقيق رسمية إنه في يوم في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، كان الجيش قريبا من وصف عقل نصر الله المبدع “الجيش الأسطوري الذي تحوَّل إلى جيش هوليودي”.

وفي انتظار الشتاء المقبل، يبدو أن “الجيش الهوليوودي” ينتظره المزيد من الخسائر البشرية، وإن “بيت العنكبوت” يزداد هشاشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock