إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض على جميع نسائها الالتزام بالحجاب في الأماكن العامة بموجب القانون، وأي محاولة لكسر هذا القانون تقابل بعقوبات وغرامات، وشهدت الشهور الماضية من عامنا هذا اعتقال ما لا يقل عن 35 امرأة لخروجهن من منازلهن بدون حجاب، لكن هذه الاعتقالات لم تقف حائلا أمام استمرار احتجاجات المرأة الإيرانية على فرض الحجاب قسرا.
بدأ التمرد على قانون الحجاب الإلزامي داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 2014 عندما نشرت الناشطة والصحافية الإيرانية ماسيه ألينجاد صورة شخصية لها وهي تقود سيارتها باتجاه بلدتها داخل إيران دون حجاب، وكتبت تعليقا تحت الصورة تتحدى به النساء أن يفعلن الشيء نفسه، لتنهال عليها تعليقات الإيرانيات وصورهن الشخصية.
أنشأت ألينجاد لاحقا صفحة باسم “حريتي الخفية” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” اجتذبت من خلالها أكثر من مليون متابع حتى الآن، ومع تزايد اهتمام وسائل الإعلام العالمية بحملتها، تشجعت ألينجاد على نقل الدعوة إلى الشارع تحت شعار “الأربعاء الأبيض”، وبدأت تنشر على صفحتها كل يوم أربعاء العديد من مقاطع الفيديو والصور لنساء إيرانيات يخرجن دون حجاب في الشوارع احتجاجًا على قانون الحجاب الإلزامي، ولم تقتصر كتابة التعليقات على كل ما تنشره الصفحة على اللغة الفارسية، بل تنوعت لتشمل أكثر من لغة من بينها الإنجليزية والفرنسية كمحاولة لنشر أفكارها على نطاق عالمي يتجاوز المحلية للضغط على النظام الإيراني.
ووسط تصاعد الاحتجاجات واشتداد الجدل الدائر حول فرض الحجاب قسرا، أعلن الرئيس الإيراني “حسن روحاني” في فبراير الماضي عن نتائج دراسة استقصائية أجريت عام 2014، كشفت عن أن نصف الإيرانيين يعتقدون بأن الحجاب مسألة شخصية اختيارية لا يجب على الدولة التدخل فيها. لكن لم ير أحد هذا الإعلان كمحاولة للتفاوض وتعديل قانون الحجاب الإلزامي، خاصة وأن “روحاني” هو أحد واضعي هذا القانون، لذا بدا تصريحه كمحاولة لامتصاص غضب الشارع وتهدئة الوضع، خاصة نتائج تلك الدراسة تظهر أن النصف الآخر من الشعب الإيراني يوافق على القانون ولا يرغب في تعديله.
ورغم ارتداء العديد من الإيرانيات ما يعرف بـ “الحجاب غير اللائق” الذي تحاول “شرطة الأخلاق” هناك مقاومته، إضافة إلى خلع بعضهن للحجاب بمجرد مغادرة البلاد، إلا أن إيران لا تزال متمسكة بالقانون باعتبار الحجاب رمزًا لها ترسل من خلاله رسائل للعالم بأنها دولة إسلامية، حتى أن دبلوماسيات غربيات مثل “فيديريكا موغيريني” التي تشغل حاليًا منصب الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أو الراحلة “آنا ليندا” التي كانت تشغل منصب وزير الخارجية السويدية، كن يلتزمن بارتداء الحجاب عند زيارة إيران، دون أي اعتراض احترامًا للقانون الإيراني.
ولكن يبدو أن قطاعا واسعا من الإيرانيات بات يتملكه السأم من فرض الحجاب بالقانون منذ أربعة عقود كاملة، عقب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، فرغم أن “ألينجاد” نفسها تأتي من عائلة إيرانية محافظة حيث ترتدي والدتها الحجاب وكذلك أختها، إلا أنها سلكت دربًا مخالفًا تمامًا لكل ما نشأت عليه. تعيش “ألينجاد” الآن كلاجئة سياسية في بروكلين، وتمارس أنشطتها في مجال الدفاع عن حقوق المرأة من خارج إيران، ورغم دعم أخيها لها، إلا أن والدها قد بصق في وجهها عندما رآها لأول مرة في الشارع دون الحجاب أو “الشادور” الإيراني، الأمر الذي اعتبرته هي نتيجة لغسيل دماغي تعرض له والدها بسبب النظام التعليمي والسياسي الإيراني.
تسعى حملة “حريتي الخفية” الآن إلى اكتساب أنصار جدد خاصة داخل الأوساط الدولية، من خلال الدعوة للتظاهرات ونشر المقاطع المصورة المضادة لقانون الحجاب الإلزامي، وبينما تدعمها شريحة من الإيرانيين، تعتبرها شريحة أخرى بمثابة خروج عن الأعراف الإيرانية المستقرة منذ أربعين عامًا..