يحذر نشطاء بريطانيون من أن الخطط التي تتبناها مؤسسات التربية والتعليم في بلادهم، والتي تقضي بالسماح للمدارس الدينية بتقليل أعداد الطلاب الذين ينتمون إلى خلفيات دينية مخالفة، من شأنها أن تسهم في غرس بذور التمييز على أساس ديني، والاضطهاد، وجرائم الكراهية في تربة المجتمع البريطاني.
ويشير هؤلاء إلى تصريح أدلى به وزير التعليم البريطاني ديميان هيندس، الذي تلقى تعليمه في المدرسة الكاثوليكية، التابعة لكلية القديس أمبروز – في مقابلة مع صحيفة Sunday Times وقال فيه إنه سيلغي القانون الذي يجبر المدارس الدينية على تخصيص 50% من مقاعدها الدراسية للطلاب المنتمين إلى أديان أو مذاهب مختلفة، على أن يتم في المقابل إقرار نظام جديد يسمح لها باختيار طلابها على أساس ديني بحت.
ديميان هيندس، سياسي محافظ ووزير التعليم البريطاني الحالي
يتخوف المعارضون لمشروع القانون الجديد من أن هذه السياسة التعليمية من شأنها أن تحول المدارس إلى مجتمعات دينية منغلقة، ما سينعكس بطبيعة الحال على المجتمع الكبير خارجها. وفي هذا السياق أكدت الرابطة البريطانية الإنسانية Humanists UK، التي دشنت حملات موسعة ضد المخططات الحكومية الحثيثة من أجل إلغاء هذه النسبة، أن إلغاء القانون الحالي، سيؤدي حتما إلى “نشر أفكار التمييز، وسيخلق ’غيتو‘ ديني وعنصري من النشء داخل المدارس، وسيعرض المجتمع لخطر التمييز بين الأطفال على أسس لا تمت للمواطنة الليبرالية بصلة”.
وقال ريتشي تومسون، مدير العلاقات العامة والسياسات في الرابطة البريطانية الإنسانية، إن قانون فرض قبول طلاب مختلفين دينيا بنسبة 50% – المعمول به حاليا – نجح بشكل واضح في الحد من التمييز الاجتماعي والإثني والديني داخل المدارس الحكومية. وأضاف: “إن إلغاء هذا القانون بناء على دعاوى إحدى الطوائف الدينية بأنه يناقض قواعدها الخاصة سيكون له تداعيات خطيرة في المستقبل القريب”.
وحذر تومسون من أن “انعدام التفاهم المتبادل بين هؤلاء الذين ينتمون إلى خلفيات دينية ومذهبية مختلفة من شأنه أن يؤدي إلى الانشقاق بين أبناء الوطن الواحد، ما يلقي بظلال كئيبة على التماسك الاجتماعي ومفهوم الدولة الليبرالية”.
وتستطيع المدارس الدينية المجانية الجديدة حاليا أن تمنح أولوية القبول لنصف الطلاب فقط على أساس ديني، مع ترك النصف الباقي مفتوحا للأطفال المحليين من خلفيات دينية مختلفة.
كانت رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماي، قد تعهدت أثناء إلقاء بيانها الانتخابي العام في عام 2017 بإلغاء هذا القانون في المدارس الجديدة الممولة حكوميا التي تقدم خدماتها التعليمية بالمجان. رغم ذلك، تم منع هذا الإجراء من قبل وزير التعليم السابقة والسياسية المحافظة، جوستين جرينينج، التي دافعت بقوة عن هذه النسبة كوسيلة لضمان حصول الأطفال الذين لا ينتمون لأي خلفية دينية على حقهم في تلقي تعليم جيد المستوى بالمجان.
جوستين جرينينج، وزيرة التعليم البريطانية (2016 – 2018)
وفي أثناء استضافتها ضمن إحدى حلقات برنامج النقاشات السياسية Peston On Sunday على شبكة ITV البريطانية، أكدت جرينينج أنها تعتقد أنه من المهم أن تكون المدارس “أماكن نموذجية يتم فيها المزج بين روافد المجتمع البريطاني المختلفة على كافة المستويات الدينية والثقافية والإثنية”. وأضافت: “أعتقد أنه لا ينبغي الحكم على الأمور من منظور ’حصان طروادة‘، حيث أثبتت التجارب التي مر بها التعليم البريطاني على مدى تاريخه الممتد أن المدارس أحادية الثقافة أقل اتصالا بمجتمعاتها المحلية، وهو ما يثير الكثير من المشكلات”.
وفي معرض ردها عن أسباب رفضها إلغاء القانون الحالي الذي يجبر المدارس الدينية على قبول طلاب ينتمون إلى أديان مخالفة بنسبة لا تقل عن 50% قالت جرينينج: “لقد لعبت المدارس الدينية – في واقع الأمر – دورا محوريا في منظومتنا التعليمية، وأعتقد أن هذا الأمر يجب أن يستمر. لذا، يجب أن تحتفظ هذه المدارس بقاعدة طلابية فسيفسائية تضم في طياتها مختلف المشارب الدينية والثقافية وتدمج في بوتقتها كافة الأطياف العرقية والمجتمعية، وتدعم علاقتها بمجتمعاتها المحلية عبر مقاربة ترتكز فقط على قاعدة المواطنة، وتتأبى على كافة أشكال التمييز”.
يذكر أن وزير التعليم الحالي، ديميان هيندس، الذي ينتمي إلى حزب المحافظين، كان من أشد المعارضين لهذه النسبة حتى قبل تولي حكومة تريزا ماي مقاليد الحكم البريطاني، وألمح في إحدى الجلسات في مجلس العموم البريطاني في عام 2014 إلى أنه “لو كانت المدارس الكاثوليكية مفتوحة على مصراعيها لجميع الطلاب من مختلف الأديان لفقدت شخصيتها المتميزة على مدار الزمن”.
ديميان هيندس، عضو مجلس العموم السابق عن هامبشير الشرقية (2010)
وكانت خدمة التعليم الكاثوليكي قد أعلنت في السابق أن هذه النسبة قد حالت بشدة دون افتتاح مدارس كاثوليكية مجانية جديدة لأن هذه المعاهد يجب أن تحصل على حقها في اختيار جميع طلابها على أساس ديني.
ويبلغ عدد المدارس الكاثوليكية في إنجلترا نحو 2000 مدرسة، إضافة إلى 88 مدرسة في ويلز. وتشكل المدارس الكاثوليكية 10% من المدارس الوطنية التي تحصل على تمويل حكومي كامل، ويشكل الطلاب الذين ينتمون لعقائد دينية مخالفة حوالي ثلث طلاب المدارس الكاثوليكية.
وفي 9 يناير 2018، كشفت صحيفة Guardian في تقرير بعنوان Concerns Over Catholic Church’s 2014 Donation to Damian Hinds أن وزير التعليم الحالي كان قد حصل على أكثر من 5000 جنيه إسترليني من الكنيسة الكاثوليكية في عام 2014 لتسديد مستحقات خاصة بأحد المتدربين الجدد؛ مما أثار علامات استفهام حول مدى تأثير الكنيسة على النظام التعليمي في إنجلترا.