شئنا أم أبينا تعد جائزة نوبل هى الأرفع عالميًا في عالم الجوائز، وشأنها شأن أي جائزة تثار حولها بعض الشبهات، ولكن تلك الشبهات لم تكن تقلل من حجم تأثير الجائزة العالمي، لأن المتوج بها كأنه حاز تاجًا أسطوريًا غير قابل للنزع.
نوبل التي بدأت توزع جوائزها منذ العام 1901 على فروعها الستة المعروفة، الكيمياء، الأدب، السلام، الفيزياء، الطب، الاقتصاد، تتعرض لأول مرة في تاريخها العريق لهزة عظمى تكاد تقوض مصداقيتها.
العجيب أن الأدب الذي هو أرفع ما توصل إليه العقل والوجدان البشري من طرق التواصل هو الذي يقف وراء المصيبة التي حطت على رأس الجائزة.
اصل القصة يقول إنه لم يتم منح جائزة نوبل للآداب فى سبع دورات، في الأعوام 1914، 1918، 1935، 1940، 1941، 1942، 1943، حيث تم منح عدد أقل من الجوائز بشكل عام خلال الحرب العالمية الأولى والثانية.
وقد أجلت الجائزة فى سبع مناسبات، في السنوات 1915 و1919 و1925 و1926 و1927 و1936 و1949، لعدم اتفاق الأعضاء على اسم من يستحق الجائزة وفقا للمعايير المرعية.
ولكن من العام 1949 تواصل تقديم الجائزة رغم اللغط الذى ثار حول بعض المتوجين، ومنهم على سبيل المثال المغني الأمريكي بوب ديلان الذي قالت لجنة نوبل في حيثيات قرارها بمنحه الجائزة: “إنه خلق تعابير شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأمريكية”.
بوب ديلان
طبعًا لو كان العرب غير ما هم عليه الآن لقالوا: وأين الجائزة من تجربة الرحبانية العربية اللبنانية؟ في العام الماضي حصدها الكاتب البريطاني كازوو إيشيغورو، وهو من أصل ياباني وليس لديه من المؤلفات سوى ثمانية كتب (عاش العربي الفلسطيني محمود درويش ومات ولم يقترب شعره العظيم الغزير من عتبات نوبل).
وفي عامنا هذا وقعت الواقعة، فقد نشطت الحملة العالمية المعروفة باسم “Me TOO” وهي تلك الحملة المناهضة للاغتصاب والتحرش التي بسببها كشفت الكثيرات من جميع أنحاء العالم عن تعرضهن لأحد الأمرين في مرحلة ما من مراحل حياتهن، وقد تفاعلت الحملة حتى هددت عرش نوبل.
تقول أوراق التحقيقات التي تسابقت وسائل الإعلام في الكشف عنها إن قضية التحرش قد بدأت في الظهور في نوفمبر الماضي، عندما نشرت صحيفة سويدية تقريرًا جاء فيه: “هناك عضوات بالأكاديمية المانحة لجوائز نوبل وزوجات وبنات لأعضاء بالأكاديمية وموظفات تعرضن لإجبار على علاقات حميمية غير مرغوب فيها”.
التقرير الصادم أدى إلى اشتعال الموقف وسرعان ما كبرت كرة النار فتقدمت قرابة العشرين سيدة بشكاو عن تعرّضهن لإجبار على ممارسة الجنس والتحرّش من شخصية مركزية على علاقة بالأكاديمية.
انفجرت تلك الشكاوي رسميًا داخل أروقة الأكاديمية العريقة عندما تدخلت الشرطة لوضع الأمور في نصابها القانوني. كشفت تحريات الشرطة عن أن اسم المتورّط “المحتمل” هو جان كلود أرنولت، وهو شخصية ثقافية فرنسية – سويدية، وزوج للشاعرة السويدية عضو نوبل للآداب كاترينا فروستنسون.
جان كلود أرنولت
الشاعرة عضو الجائزة استقالت أو أجبرت على الاستقالة، وتبعها أكثر من عضو، وتلك الاستقالات جعلت جائزة الأدب تحديدًا تترنح، خاصة وقد كشفت التحقيقات عن أن زوج الشاعرة كان يدير بعلمها مؤسسة ثقافية تحصل على دعم من نوبل، وكشفت التحقيقات أيضًا عن أن لقاءات التحرش التي وصلت لحد الاغتصاب قد جرت في شقق تمتلكها الأكاديمية.
كما قال كثيرون إن الشاعرة عضو الأكاديمية كانت تسرب لزوجها أسماء الفائزين بالجوائز قبل الإعلان الرسمي، فكان الزوج المتحرش يقوم بالرهان على تلك الأسماء في باريس.
كاترينا فروستنسون
تعلق كثيرون بخيط الأمل في نجاة المتهم “المحتمل” لكي تعود للجائزة هيبتها، لكن القضاء السويدي جعل المتهم “المحتمل” متهمًا أكيدًا وعاقبه بالسجن لعامين.
بعد تلك الفضيحة المدوية لم يكن هناك مجال لمنح الجائزة لأي اسم كان، ولكن قام مائة من المثقفين السويديين بتأسيس أكاديمية جديدة تمنح جائزة في الآداب بديلة لجائزة نوبل، وأعلنت الأكاديمية الجديدة فوز الكاتبة الفرنسية ماريز كوندي بالجائزة.
ماريز كوندي
فهل تحتل الجائزة الجديدة مكانة نوبل؟ هذا ما ستكشف عنه الدورات القادمة.