عرف المشهد الثقافي في مصر الروائية السكندرية دينا عبد السلام عبر روايتها الأولي “نص هجره أبطاله”. الرواية التي تشبه نصوص الأساطير الإغريقية في صورتها التراجيدية، رغم أن المأساة تبدو فيها نازعة إلى الرومانسية، أثارت جدلا بين القراء والنقاد كونها تنهض على لغة معقدة النظم كثيرة الإيحاء.
عبرت دينا بروايتها الأولي فكرة الذيوع والانتشار في المشهد الثقافي المصري، ومن ثم اختفت لتظهر في صور أخرى متعددة تسرب فيها طاقتها الإبداعية، وإن كانت حافظت على نفس النفس الروائي في نصوص أفلامها الروائية التي كتبتها لاحقا.
:دينا تحدثت إلى “أصوات” عن تجربتها ولماذا غلبت الكتابة للسينما على إبداعها عامة. وهنا نص الحوار.
اتجاهك إلى كتابة أفلام تسجيلية وروائية يبدو غريبا على ناقدة.. ماذا جذبك إلى عالم السينما تحديدا؟
دائما ما يتعجب الناس من تعدد اهتماماتي بالرواية والقصة وصناعة الأفلام، بالإضافة إلى العمل الأكاديمي، أظن أن بداخل كل إنسان الكثير من الميول التي يتم وأدها، ولكني لم أستطع أن أفعل ذلك، لأنها غالبا ما كانت تعود لتطفو على السطح، فأنا أجد أن كل اهتماماتي مرتبطة بعضها البعض، الكتابة الإبداعية وصناعة الأفلام وتدريس الأدب كلها شديدة الترابط، فهي تدور في فلك الإبداع من زوايا مختلفة، بل أجد في هذا التنوع ما يزيد ثراء التجربة ويعدد زوايا الإدراك.
الكاتب سعد القرش اعتبر أنك بحضورك المميز في مجال الإخراج تعيدين إلى الإسكندرية صوتها السينمائي؟
سعدت جدا باهتمامه وإعجابه بالمجهود الذي بذلته وفريق عمل فيلم “مستكة وريحان”، وتلمس في ذلك مواطن للجمال، ما أعتبره دعما قويا لتجربتنا السينمائية، كما سعدت بآراء أخرى مشجعة مثل الناقد عاطف بشاي والناقدة أمل ممدوح والناقدة ماجدة موريس، ما يحمسني لمواصلة العمل وبذل الجهد رغم قلة الموارد والإمكانيات، وهذه النوعية من الكتابات تعيد إلى النقد دوره التبشيري بالتجارب الجديدة، بعيدا عن شبكات العلاقات العامة للترويج لأفلام الشركات الكبيرة في مجال السينما.
تأثير عملك بالسينما يبدو واضحا في روايتك الأولي “نص هجره أبطاله”؟
نعم، أعتقد أن البُعد البصري في صناعة الأفلام غالبا ما ينعكس على كتاباتي، ففي روايتي “نص هجره أبطاله”، صممت أن يكون الشكل مطابقا للمضمون، ولذلك فإن الرواية، وهي مذكرات سيدة عجوز خرجت على شكل مخطوط حقيقي وغير منقح، فالسيدة العجوز كاتبة المذكرات كانت تنسى وتتردد وتتراجع عن رأيها وهي تكتب، وكل ذلك ظهر في هيئة حذف وإضافات، وحتى ارتعاش يدها ظهر في الرواية، كنت على قناعة تامة بأن هذا هو الشكل المنطقي لحالة السيدة العجوز، ورغم أن بعض الناشرين اعترضوا على ذلك خاصة وأنها كانت روايتي الأولى، لكن الأستاذ إبراهيم عبد المجيد الكاتب المعروف وافقني الرأي وتفهم الدواعي الفنية لذلك. ولي مجموعة قصصية قيد النشر حاليا مصحوبة برسوم موازية للنصوص، للفنان التشكيلي أشرف مهدي.
لماذا الإصرار أن تكتبي أفلامك بنفسك وتخرجيها؟
حتى الآن قمت بكتابة كل أفلامي، وهو ما يطلق عليه “سينما المؤلف”، فحين انفعل بفكرة ما، تبدأ في مراودتي لكتابتها وإخراجها. عندي شغف بأمور أود طرحها ومعالجتها سينمائيا، تستهويني صناعة المضمون بقدر ما يستهويني الشكل، وعرض على بعض الكتاب نصوصهم لأقوم بإخراجها، ولكنني لم أخذ هذه الخطوة حتى الآن، ولا أعرف إذا كنت سأفعل ذلك مستقبلا؟.
هل ترين الجوائز محفزا للاستمرار في العمل السينمائي؟
قدمت عددًا من الأفلام، وحصلت على جوائز عديدة، كان من ضمنها حصول فيلم “ألف رحمة ونور” على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة 2014، وجائزة أفضل فيلم روائي قصير من المهرجان القومي للسينما المصرية 2015، وحصول فيلم “كان وأخواتها” 2016 على جائزة أفضل فيلم تسجيلي من المهرجان القومي للسينما المصرية 2017، وجائزة أفضل فيلم مصري من مهرجان شنيت السويسري 2017، وجائزة نقابة المهن السينمائية لأفضل فيلم تسجيلي بمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي 2016، وكان أخرها حصول الفيلم الروائي “مستكة وريحان” على جائزة أفضل فيلم روائي أجنبي في المسابقة الدولية (بمهرجان إل- دَب السينمائي) (L-DUB Film Festival) 2017.
الجوائز تعني الكثير بالنسبة لي، بدءا من ترشيح العمل لإدراجه ضمن المسابقة، ثم التتويج بثقة لجنة التحكيم، وحين يحصد الفيلم جائزة يكون ذلك تتويجًا يدفعني للمضي قدمًا وبذل المزيد من الجهد.
ولكن يجب الالتفات لنقطة هامة هنا، وهي أن كثير من المهرجانات يهيمن عليها نقاد بعينهم أو تخضع لتأثير جهات انتاجية نافذة، ما يجعلها حكرًا على البعض ولا يتاح لنا الاشتراك فيها، فهناك الكثير من العوامل والمتغيرات التي تتدخل في مسألة المهرجانات، لذلك تبقى الجائزة الحقيقية هي إعجاب الجمهور بالفيلم، فالوصول للجمهور والقدرة على مداعبة مشاعره أمر رائع وبالغ التعقيد.
وهل لدينا سينما مستقلة قوية ومؤثرة؟
لدينا سينما مستقلة ولكنها غير قوية ومؤثرة حتى الآن، يرجع ذلك لعدة أسباب، أولها أن شركات الإنتاج والتوزيع الكبرى تهيمن على السوق ولا تترك مساحة للشركات الصغرى. على سبيل المثال، لا تتاح لصناع الأفلام المستقلة فرص لعرض أفلامهم في دور العرض أو بيعها للقنوات الفضائية، ما يجعل السينما المستقلة غير قادرة على الوصول للجمهور وحبيسة المهرجانات والمراكز الثقافية، وذلك أمر مفهوم إلى حد ما مع سيطرة رأس المال على صناعة السينما وتراجع دور الدولة في دعم الصناعة انتاجا وتوزيعا.
كما أن ثمة عوار أصاب السينما المستقلة ذاتها مع اتجاه أغلب المستقلين للبحث عن المنح والتمويل ما يعطل إنتاجهم كثيرا، فالأصل في السينما المستقلة هو العمل بأقل الموارد والتكاليف. كما أن بعض المستقلين استغرقوا في التجريب حينا، ومحاكاة السينما الأجنبية حينا آخر، والاهتمام بالبعد البصري والجمالي على حساب الموضوع، ما يجعل أفلامهم تبدو نخبوية ومبهمة ومتعالية على الجمهور، وبالتالي ينصرف عنها.
هل خطفك انشغالك بالسينما عن الكتابة في الأدب؟
بالطبع، فصناعة الأفلام أمر شاق لأبعد الحدود، وصناعة الأفلام المستقلة أكثر صعوبة، فأنا أتولى مسئولية جميع مراحل الفيلم منذ بداية التكوين وتستمر حضانتي له طويلا، وهو أمر مرهق للغاية. لكن لا تنسى أنني أكتب سيناريو أفلامي، وبالتالي فدخولي لعالم الأفلام لم يبعدني عن الكتابة، ولكنني صرت أمارسها بشكل جديد من خلال كتابة السيناريو.
كيف ترين المشهد النقدي محليا وعربيا؟
أغلب النقد الذي نقرأه انطباعي، وليس هناك عيبا في أن يكتب البعض هذا النوع من النقد، لكن العيب في غياب نقد منهجي مستند على دراسة المدارس والنظريات النقدية المختلفة، وأحد أسباب ذلك انعزال الأكاديميين والباحثين عن الجمهور لأسباب عديدة، كما أن مشاركاتهم ليست في متناول الجمهور العادي بحكم نشرها في مجلات ثقافية محدودة الانتشار والتوزيع، فضلا عن أن كتاباتهم غالبا ما تستغرق في التنظير دون أن تقدم تنظيرا أصيلا نابعا من ثقافتنا، فهي أسيرة النظريات الغربية في النقد، وأخيرا تراجع اهتمام القراء بالكتابات النقدية وانحسار الثقافة بشكل عام.
وهل تنظرين لإبداعك بعين الناقد؟
يحدث هذا طيلة الوقت بوعي وبدون وعي، وهو أمر طبيعي، فالمرء يتأثر بتكوينه وبيئته وتعليمه ودراسته، لكن لا أعرف إذا كان ذلك قد أثر على عملي بشكل إيجابي أم سلبي.