العملية الانتحارية التي روعت تونس أخيرا ونفذتها سيدة فجرت نفسها في سيارة شرطة في حي بورقيبة، أعادت إلى الأذهان مجددا ظاهرة استخدام الجماعات الإرهابية النساء في عملياتها الانتحارية، ما يؤكد أن هذا النهج لا يمثل استثناء في هذه النوعية من الجرائم الإرهابية، بل يمكن اعتباره مؤشرا على التوسع في تجنيد النساء لتنفيذ المزيد منها.
استخدام النساء في العمليات الإرهابية زاد بشكل ملحوظ مع بداية ظهور ما يسمى بتنظيم دولة الخلافة في العراق والشام (داعش) منتصف عام 2014، حينما أعلن التنظيم عن تدشين “كتيبة الخنساء” في الرقة عاصمة الخلافة المزعومة في سوريا، بهدف مراقبة واعتقال النساء اللواتي يخالفن أوامر التنظيم ومعاقبتهن. وقتها أعلن التنظيم أن تللك الكتيبة تضم ما بين 800 إلى 1000 سيدة، وأن أولى مهامها تعقب عناصر “الجيش السوري الحر” الذين يتخفون أحيانا في زي النساء لتنفيذ عمليات ضد التنظيم.
بعد خسارة التنظيم السيطرة على محافظة الرقة، راجت صور لعناصر من تلك الكتيبة مرتديات النقاب الكامل وهن يشاركن في القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في دير الزور مطلع العام 2018، وهو ما نفاه التنظيم وقتها بعد سخرية تنظيمات إرهابية محافظة من استغلال داعش النساء في عمليات القتال والاشتباك. وقتها نشر تنظيم القاعدة في مجلته النسائية “جهادي برايدز” الناطقة بالإنجليزية مقالا يشدد على أن النساء لا يتعين عليهن خوض الجهاد وأن حكم الإسلام أن يقرن في بيوتهن لرعاية النشء.
كما لجأ تنظيم داعش إلى تجنيد سيدة إندونيسية للقيام مع زوجها وأطفالها بتنفيذ 3 هجمات انتحارية على 3 كنائس في مدينة سورابايا في مايو 2018، أسفرت عن مقتل 11 وإصابة آخرين.
وعلى نفس النهج، نفذت نساء تابعات لحركة بوكو حرام في نيجيريا في فبراير 2016 عملية انتحارية استهدفت معسكرا للاجئين في مقاطعة ديكاوا راح ضحيته 58 قتيلا و70 مصابا. وفي أغسطس 2017 فجرت سيدة تنتمي إلى تنظيم داعش نفسها في سوق بقرية كوندوجا قرب مدينة مايدوجوري، شمال شرق نيجيريا، ما تسبب في مقتل 27 وإصابة آخرين.
ويحفل تاريخ المنظمات الإرهابية بنماذج لنساء تم تجنيدهن لتنفيذ عمليات انتحارية، خاصة ما تتمتع به النساء من إمكانات التخفي تحت النقاب. ومن بين هذه الشخصيات “عافية صديقي” وهي عالمة أعصاب باكستانية، أصدرت محكمة أمريكية حكما بسجنها بعد إدانتها بمحاولة قتل ضباط أمريكيين في أفغانستان عام 2008، بعد خمس سنوات من اختفائها عن أسرتها وزملاء الدراسة في احدى الجامعات الأمريكية الكبرى.
عافية صديقي
كما لعبت السعودية “هيلة القيصر” التي تبلغ من العمر 45 عاماً، دورا كبيرا في تجنيد النساء وجمع الأموال للتنظيمات الإرهابية حول العالم، ونجحت في تحويل نحو مليوني ريال سعودي إلى تنظيم القاعدة في اليمن عبر عمليات غسيل أموال، كما ساهمت في تهريب “وفاء الشهري” زوجة الرجل الثاني بالقاعدة “سعيد الشهري” إلى اليمن، وعدد آخر من زوجات أعضاء وقيادات القاعدة، وساهمت أيضا في توفير مخابئ آمنة لإيواء المطلوبين، وذلك قبل القبض عليها ضمن خلية إرهابية بقيادتها تضم 113 عضوا في التنظيم.
وفاء الشهري
وسبقتهم جميعا البلجيكية المسلمة “مورييل ديغوك”، أول جهادية تنفذ عملية انتحارية في العراق عام 2004.
وتضم القائمة أيضا “ساجدة الريشاوي” العراقية التي عرض تنظيم داعش تسليم الطيار الأردني معاذ الكساسبة مقابل الإفراج عنها من السجون الأردنية، وأعقب ذلك تنفيذ عملية القتل الوحشية في حق “الكساسبة” دون انتظار رد الأردن التي أعدمت بدورها ساجدة الريشاوي انتقاما لـطيارها الشهيد. وكانت ساجدة الريشاوي ضمن خلية إرهابية خططت لسلسلة تفجيرات في الأردن عام 2005، إلا أنها هربت عقب فشلها في تنفيذ إحدى العمليات، ووقعت في قبضة الأمن الأردني لاحقا.
كما ألقت السلطات البلجيكية القبض على المغربية مليكة العرود (48 عاما)، وهي أرملة عبد الستار دحمان القيادي في تنظيم القاعدة الذي شارك في اغتيال القائد العسكري الأفغاني السابق أحمد شاه مسعود عام 2001، وذلك عقب اكتشاف تورطها في قيادة خلية إلكترونية تجند الشباب للتنظيمات الإرهابية، وتعمل على نشر إصدارات المنظمات الإرهابية في العالم.
وفي الولايات المتحدة، ألقت السلطات الأمنية القبض على كولين لاروز؛ تلك المرأة الخمسينية التي دخلت الإسلام في أواخر عمرها وأطلقت على نفسها “جهاد جين” أو فاطمة جين، وتم توجيه الاتهام لها بالتورط في تجنيد شباب عبر شبكة الانترنت لتنفيذ عمليات إرهابية في دولهم، بالإضافة إلى التآمر لقتل رجل سويدي.
كولين لاروز
ومن أشهر الجهاديات المنتميات أيضا لتنظيم القاعدة وفاء الشهري (أم هاجر الأزيدية) إحدى أبرز الجهاديات في اليمن بعد أن تزوجت إثنين من المنتمين للقاعدة بعد طلاقها من زوجها الأول؛ وهما عبد الرحمن الغامدي الذي قتل في مواجهة في السعودية عام 2004، وسعيد الشهري أحد أبرز قيادات القاعدة المطلوبين في السعودية. وتنحدر وفاء الشهري من أسرة إرهابية أيضا، تضم شقيقها يوسف الشهري أحد معتقلي سجن جوانتاناموا عام 2007، الذي عاد إلى العمل الإرهابي بعد إطلاق سراحه، ولقي حتفه بعدها في السعودية، فهربت وفاء بأطفالها الثلاثة إلى اليمن للحاق بزوجها سعيد الشهري.