منوعات

هتلر وستالين وترامب أشهر ضحاياه.. النرجسية.. مرض عابر للحدود

يعود هوس الناس بأنفسهم وذواتهم إلى قديم الأزل، وقبل ظهور ما يعرف بـ «السيلفي» أو وسائل التواصل الاجتماعي، بعقود وقرون طويلة .فقد بدأت قصة حب الذات المرضي من خلال إحدى الأساطير الإغريقية الشهيرة التي تدور حول «نرسيس» الشاب المتغطرس فائق الوسامة والجمال الذي رفض حب كل من أُعجبت به، لتسلط الآلهة نفسه عليه عقابًا له، فيرى مصادفة انعكاس صورته في البحيرة ليقع في حب نفسه دون أن يدري أن ذلك ما هو إلا انعكاس لوجهه، فيرفض أن يتحرك من أمام صورته الجميلة وفي النهاية يغرق بسببها فتنبت مكانه زهرة النرجس التي جاء منها مصطلح النرجسية.

عشق الذات

 كان أبو الطب النفسي «سيجموند فرويد» هو أول من استخدم مصطلح النرجسية عام 1910 مستوحيًا الإسم من الميثولوجيا اليونانية، ليتطور لاحقًا ويصبح له نظريات وسمات أكثر تحديدًا، ورغم أن التمركز حول الذات يعتبر من المراحل الأساسية في تطور جميع البشر أثناء مرحلة الطفولة، إلا أنه من المفترض أن يتجاوز الطفل تلك المرحلة بمنح الحب للآخرين، ولكن يتوقف النرجسيون عند المرحلة الأولية ويصبحون عاجزين عن حب أي أحد سوى أنفسهم.

اقرأ أيضا:

وللنرجسية مجموعة من السمات التي درسها وصنفها علماء النفس، حيث يعتقد النرجسيون –بدرجات متفاوتة – أنهم أفضل شكلًا، أو أكثر ذكاءً أو أهمية من الآخرين، ما ينتج عنه خلق صورة ذاتية متضخمة لأنفسهم تجعلهم يشعرون بأنهم يستحقون معاملة خاصة، وغالبًا ما يستخفون بالآخرين ويحقرون من شأنهم.

متضخمة أو هشة!

 والنرجسية – باعتبارها سمة شخصية – لها نوعان: الأول هو «النرجسية المتضخمة» وهي النوع الأكثر انتشارًا، وفيها يتصف الشخص بالاجتماعية والانفتاح مع رغبته في الهيمنة وجذب الانتباه، وفي بعض الأحيان يكون هؤلاء الأشخاص رؤساء أو مشاهير وقادة، حيث يتطلعون إلى امتلاك قوة ومنصب كافيْيْن لينصب كل الاهتمام عليهم، وأشهر الأمثلة على ذلك: هتلر وستالين وحتى الممثل الكوميدي تشارلي شابلن وبالطبع انضم للقائمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
على الجانب الآخر هناك «النرجسية الهشة» وفيها قد يبدو الشخص هادئا ومتحفظا ولكن يكون لديه شعور قوى بالاستحقاق وبالتالي يمكنه –مع أقل فعل– أن يشعر بأن كرامته أهينت أو تم التقليل من شأنه، حيث يكون شديد التمركز حول ذاته وبالتالي يفسر أي شىء باعتباره موجهًا له وبأن الآخرين من حوله دائمًا ما يقصدونهبأقوالهم وأفعالهم.

 جوانب مظلمة

وفي الحالتين يظهر الجانب السوداوي من النرجسية على المدى الطويل، نظرًا لكونهم أنانيين جدًا، وبالتالي إذا كان النرجسي ذا منصب قيادي يمكنه أن يتخذ قرارات غير أخلاقية أو متهورة بكل بساطة، أما إذا كان شريك حياة فقد يكون كذابا أو خائنا، وإذا حاول أحدهم انتقاد تلك الشخصيات بأي طريقة كانت يصبحون عدوانيين وغاضبين، وكأن النرجسية مرض يشعر فيه المريض بالسعادة، بينما يعاني كل من حوله.
وإذا تحول هذا السلوك لشكل أكثر تطرفًا حيث يرغب الشخص في السيطرة على من حوله مسببًا لهم مشاكل يصبح مرضًا نفسيًا يعرف بـ «اضطراب الشخصية النرجسية» والذي عادة ما يصيب الرجال أكثر من النساء، وفيه لا يتمكن المريض من إبداء التعاطف مع الغير، كما يشعر دائمًا بالاستحقاق من الآخرين، ويكون لديه حاجة قوية للإعجاب والاهتمام، فبدلًا من أن يهتم الأب بزوجته وأبنائه على سبيل المثال يبدأ في استخدامهم كمصدر لأخذ الاهتمام والإعجاب.

وسائل التواصل.. والنرجسية

وفقًا لعلماء النفس فإن هناك عاملا جينيا وراء الإصابة بالنرجسية، إلا أنهم لم يحددوا الجينات المسؤولة بعد، كما أن البيئة تؤثر بالطبع على تكوين الشخصية، فإذا كان الأبوان يمجدان أبناءهم دائمًا وبشكل مبالغ فيه، يمكن للأبناء أن يصابوا بالنرجسية المتضخمة مستقبلًا، أما إذا كان الأبوان متبلديْ المشاعر ومتحكميْن، فيمكن أن يساهم ذلك في إصابة أبنائهم بالنرجسية الهشة.

وبشكل عام تصبح النرجسية أعلى في الدول ذات الطابع الفردي مقارنة بالدول التي تُعلي من قيمة التعاون والعمل الجماعي، وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل واضح أن وسائل التواصل الاجتماعي تسبب النرجسية، إلا أنها توفر وسيلة للنرجسيين لجذب الانتباه وتحقيق مكانة حتى وإن كانت وهمية.
 ولكن.. هل يمكن أن يتغير الشخص النرجسى؟ سؤال إجابته تبدو صعبة، لكن بوجه عام تكمن صعوبة تغيير تلك الشخصيات في عدم إدراكهم أن هناك مشكلة، حيث يرون أنفسهم كاملين لا يخطئون أبدًا، ولكن إذا تمكنوا من رؤية انعكاس سلوكهم على الآخرين بشكل صادق، ومنح الاهتمام للآخرين والعناية بهم، أو حتى تدريب أنفسهم على ممارسة التعاطف تجاه الآخرين، يمكن لكل ذلك أن يساعد في تغيير شخصياتهم وسلوكياتهم نحو الأفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock