رؤى

الشيخ المنوفي.. الأزهري الذي أسَّس لعلم النيل

عندما تفتش في تاريخ التنويرالمصري تدهشك عطاءات المعرفة والعلوم ،والطب والفلك وعلم النجوم والكواكب، لكن مع ذلك لم يحصل بعض الرواد الأوائل علي حقهم،مثل الشيخ المنوفي العبقري الموسوعي الفذ الذي قدم صورة متكاملة عن أحوال مصرومنطقة جنوب البحر المتوسط فى العصور الوسطى،واهتم الأوربيون بمؤلفاته مثل المؤرخين الأوائل(مشايخ التأريخ) وترجموها من المخطوطات الموجودة فى مكتبات ومتاحف أمريكا و تركيا و فرنسا وانجلترا وروسيا و ألمانيا وبقيت مصدراًرئيسيًا للمعلومات للباحثين الغربيين والشرقيين فى العصرالحديث،ويعدالشيخ المنوفي تلميذاً نجيباً لمولانا المقريزى وهوأفضل منهل للبحوث التاريخية فهو علي قمة المؤرخين المصريين من العصورالوسطى وحتي اليوم،وكتبه ” السلوك لمعرفة دول الملوك والمواعظ” والاعتباربذكرالخطط والآثار،و إغاثة الأمة بكشف الغمة، إن  الاكتشاف الجديد بحق هو مولانا الشيخ الأزهري المنوفي المؤرخ الأول (لعلم النيل)،اسمه بالكامل محمد عبد اللطيف البدر أبو السعادات المحلي أحمد محمد عبد السلام موسى أبو الخير المنوفي ولد عام 1443م ولقي ربه عام 1521م ، ويعرف بقاضي منوف،قرأ الفرائض والحساب وتتلمذ للسخاوي بالحديث وقال الشيخ العلائي: أوقفني على عدة مختصرات له في الفقه والفرائض والحساب وعلم العربية، حوت مع الإقتصار فوائد خلا منها كثير من المختصرات والمطولات وأولع بالنظم في صباه مع نثر جيد وخط  جميل مع صدق بالأمانة فى النقل من مصادره، و كان ينسب كل قول إلى صاحبه، و إذا كان هناك رأى معارض لذلك القول فإنه كان يحرص على إثباته مع ذكراسم صاحبه، و ذلك حتى يضع كل الآراء أمام القارئ لتمام الفائدة.

موهوب في نسخ الــخـــط وعشق النيل

كان الشيخ المنوفي يجيد حرفة الخطوط العربية وكانت كتبه ينسخها بخط يده, يمتلك الموهبة في خط الثلث كما يظهر في مجلده الرائع (الفيض المديد في أخبار النيل السعيد ) , من حسن حظ الشيخ المنوفي دخوله الأزهر في وجود عمالقة الـتأريخ في ذلك الوقت من كبار المشايخ ،مع إهتمام السلطان المملوكي قايتباي بإحداث تجديد شامل لمناهج العلوم والمعارف بالأزهر؛فأنشأ باب المزينين،وفسقية وسبيلاً وميضأة،وفي سنة  1500 ميلادية قام ببناء مئذنته ذات الرأسين داخل باب المزينين، كما أنه رتب في رمضان 670 دينارًا لمطبخ الأزهر وزاد مخصصات المشايخ والدارسين مما أحدث نهضة وكان الأشرف كثيرالمطالعة،له اشتغال بالعلم والحوارمع علماء الأزهر،وفيه نزعة صوفية، ينحازللحوارالعملي مع الشيخ المنوفي الذي إشتهر بترجيح العقل في المسائل الفقهية فكتب(الجواهرالمضية في شرح الأجرومية) بخطه واختصره من شرح كبير وضعه للأجرّوميّة سماه (نخبة العربية) وله (شرح لمختصر أبي شجاع) في الفقه الشافعي ومن المعروف تاريخياً ميل الشافعية لفن وعلم الإقناع ، ولذلك كتب (شرح الستين مسألة للزاهد).

الفيض المديد في أخبار النيل السعيد
الفيض المديد في أخبار النيل السعيد

كان يحب تأمل سريان النيل فسكن علي شاطئه في الروضة ,عشق المنوفي علوم تاريخ الفقه فحفظ القرآن والمتون وأخذ عن الشيخ البلقيني وابن قاسم وأذن له في الإنشاء والتدريس في الأزهرفكان أول من يدرس أخبار النيل  وبرع في الفقه وحساب المكوس بحسب فيضان النيل وصار مرجعاً معتمداً يقرر قيمة الخراج عن المزروعات ، ولذلك تولي نيابة في القضاء بالقاهرة وحجّ وجاور وحضر دروس الشيخ البرهان بن ظهيرة بإشارته، واستحضار ومشاركة في الفضائل وأخذ عن الكافيجي أيضًا والقطب الخضيري وصنَّف كتبًا منها “اللفظ المكرم في خصائص النبي عليه السلام” ” و”الخواطر الفكرية في الفتاوى البكرية” و”تشنيف الأسماع في مختصر الإقناع” و”الزهر الفائح” و”رفع الملامة” و”هداية الطالب” و”إرشاد الناسك” و”القول المناصر” و”الفوائد المسترشفة” و”النصيحة” و”ترغيب السامع” و”إنعام الخالق” و”الدرة اللامعة” و”النفحة المسكية” وَأخذ عَن ابْن قَاسم والزين الأبناسي فِي النَّحْو و الحَدِيث.

علم النيل يشرق مع المؤسس الشيخ المنوفي

يعتبر الشيخ ابن عبد السلام  المنوفي بحق هو( مؤسس علم النيل) وهو كل مايتعلق بالنهر العظيم ، أما كتابه عن النيل ” الفيض المديد في أخبار النيل السعيد” فقد صدر تقريباً منذ مايزيد علي ستة قرون ،فهو بذلك قد سبق الجميع  بهذا العلم وكل حرف كتبه الشيخ المنوفي يؤكد أنه مؤرخ معتبر يحترم التوثيق والتحقيق والدقة ، فكتب بخط يده في النسخة الموجودة الأصلية في المكتبة العامة الفرنسية,وظل ما يقارب العشر سنوات يحسب مقاييس النيل بدقة متناهية يناقش المسائل ويرد علي كل سائل من المجاورين بالأزهر,  ومن الواضح قيمة الدراسة  من فهرس الكتاب وذكره في كل كتب تاريخ النيل لمن جاء بعده ,من فطاحل التأريخ ,يثبت الشيخ المنوفي أنه قد راجع كل ما كتب عن النيل,  وأجاب على سؤال من أين يأتي النيل  ” ؟ قال : إنه يخرج من جبل القمر، على ما ذكره الكندى، و ذكره أيضا المسعودى، و صاحب الأقاليم السبعة، قال: و إنه يخرج أصله من جبل القمر من عشرة عيون، خمسة تجتمع فى بطيحة، وخمسة فى بطيحة، يعنى مكان مسطح من الأرض، ثم يجتمع بعد ذلك/ الماءان و ذكرصورة جبل القمر و أنه مقوس، و على رأسه شراريف هكذا وذكر المسعودى فى مروج الذهب‏  أن الفلاسفة قالوا: إنه يجرى على وجه الأرض تسعمائة فرسخ‏ ، و قيل ألف فرسخ فى عامرها و غامرها، من عمران و خراب، حتى يأتى إلى بلاد أسوان من صعيد مصر، يضيف الشيخ المنوفي ؛قال صاحب الفتوح‏: المراد بالأنهار النيل. قال: و كان النيل على أيام فرعون مقسوماً على أنهر و جداول، و كانت أرض مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا، و كانت أرض مصر.. و بناؤها مركّبًا على جداول و أنهار تجرى تحتها من البحر، و هو معنى قوله تعالى: وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي‏.

وقال تعالى: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏ وفى قوله «تعالى»: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، أى أمامك و بين يديك, و قد قيل أيضا مثله هنا و السرى: أي النهر الصغير و أما الأحاديث فمنها ما سبق، و منها ما روى أن النبى (صلى الله عليه و سلم) قال:«يقول الله عز و جل نيل مصر خير أنهارى أُسكن عليه [خيرتى‏] من عبادى، فمن أرادهم بسوء كنت لهم من ورائهم». أورده ابن زولاق.

منابع النيل نقلًا عن كتاب صور الأرض للخوارزمي
منابع النيل نقلًا عن كتاب صور الأرض للخوارزمي

قال الكندى: و روى عن عقبة  بن مسلم برفعه أن الله تبارك و تعالى يقول يوم القيامة لساكنى مصر: ألم أسكنكم مصر و كنتم تشبعون من مائها؟ قال: و سأل معاوية ابن أبى سفيان كعبا فقال: أسألك بالله العظيم هل تجد  لنيل مصر ذكرا فى كتاب الله عز و جل التوراة ؟ قال: أى والذى فلق البحر لموسى إنى لأجده فى كتاب الله، أن الله يوحى إليه عند ابتدائه: إن الله يأمرك أن تجرى على كذا، فاجرعلى اسم الله, ثم يوحى إليه عند انتهائه: إن الله يأمرك أن ترجع فارجع راشدا يعنى يوحى إليه عند انتهاء النقص والزيادة.

قال المسعودى‏  و ليس فى الدنيا نهر يسمى بحرا و يمَّاً غير النيل، [لكبره‏]  و استبحاره ,و أشار إلى قوله تعالى: فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ‏. قال ابن عباس: يريد النيل، و ذلك أنها جعلته فى تابوت و ألقته فى النيل، فحمله الموج إلى دار فرعون، فأخذه و رباه صغيرا لأمر يراد قال:وليس فى الدنيا نهر يزيد بترتيب،و ينقص بترتيب،غير النيل‏ .

رحلات الشيخ المنوفي للحبشة والصعيد

ظل الشيخ المنوفي يجوب بلاد الصعيد يلقي العلوم بقوص وجرجا يشرح نظم النيل للحضور من أهل العلم والعامة,فعندما تتأمل ماكتب تري ذكر بلاد أسوان بدقة شديدة من محاصيلها ومزروعاتها وكذلك قوص حيث كانت في ذلك الزمن قبلة أهل العلم ومن المرجح زيارته للحبشة ودراسة أحوال النيل هناك ,كتب مولانا المنوفي بالحرف :في النيل هذا الموضع تصعد المراكب من فسطاط مصر, و على أميال من أسوان جبال و أحجار، يجرى النيل فى وسطها، فلا سبيل إلى جريان السفن فيه و هذا الموضع فارق بين مواضع سفن الحبشة فى النيل، و بين سفن المسلمين، و يعرف هذا الموضع فى النيل بالجنادل‏ والصخورثم يأتى النيل‏،وقد رصد مولانا المنوفي ما كتبه أستاذه،فقال عن المقريزي: أخرج مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، في حديث المعراج، أن رسول الله ﷺ قال: «ثم رُفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار؛ نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات»

و أضاف الشيخ المنوفي في  المخطوط النادر والذي يعد تحفة فنية في التنسيق والخط , فقال في كتابه “الفيض المديد في أخبار النيل السعيد”، (مخطوط محفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 66 جغرافيا)،قد ذكر اسم النيل في التوراة «تخرج من النيل البقرات التي رآها فرعون في الحلم»

النيلوروى ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: «نيل مصر سيِّد الأنهار، سخَّر الله له كل نهر من المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمرَ كل نهر أن يمدَّه فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله الأرض عيونًا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره»

وعن يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل كعب الأحبار: «هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرًا؟» قال: «أيْ والذي فلق البحر لموسى، إني لأجده في كتاب الله أن الله يوحي إليه في كل عام مرتين، يوحي عند جريته أن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك يا نيل غُرْ حميدًا»

وعن كعب الأحبار رضي الله عنه أنه قال: «أربعة أنهار من الجنة، وضعها الله في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة،وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن في الجنة»

وقد قالت العرب: إن النيل إذا زاد غاضت له الأنهار والأعين والآبار، وإذا غاض زادت، فزيادته من غيضها، وغيضه من زيادتها, وليس في أنهار الدنيا نهرٌ يُسمى بحرًا غير نيل مصر لِكبره واستبحاره.

براعة المنوفي في علوم الفلك

نقل الشيخ المنوفي عن ابن قتيبة في كتابه غريب الحديث: وفي حديثه عليه السلام: «نهران مؤمنان ونهران كافران؛ أما المؤمنان فالنيل والفرات، وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ.» إنما جعل النيل والفرات مؤمنين على التشبيه؛ لأنهما يفيضان على الأرض ويسقيان الحرث والشجر بلا تعب في ذلك ولا مئونة، وجعل دجلة ونهر بلخ كافرين؛ لأنهما لا يفيضان على الأرض ولا يسقيان شيئًا إلا قليلًا، وذلك القليل بتعب ومئونة، فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين، وهذان في قلة الخير والنفع كالكافرين.وبحس  الباحث المعتبر يضيف المنوفي نقلاً عن مصدر آخر فيقول: وليس أدل على ذلك مما ذكره ابن ظهيرة بقوله: ” ليس في الدنيا نهر تجري فيه السفن أكثر من نيل مصر”،أن نهر النيل أخذ قسطا موفورا و اهتماما ملحوظا من القصص الدينى، من جانب المؤرخين و الجغرافيين، خاصة فى العصر المملوكى و ذلك سواء أكان ذلك القصص مما ورد فى القرآن الكريم، أو فى الأحاديث النبوية الشريفة، أو مما أثر عن الصحابة و السلف الصالح، أو من أقوال المفسرين للقرآن الكريم، و علماء اللغة. بل إن الكثير من مؤلفات ذلك العصر احتوت على الكثير من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول (صلى الله عليه و سلم)، و التى ترجع النيل إلى أنهار الجنة؛وتصبغه بصبغة القدسية، و تضفى عليه صفة الإيمان فهو سيد الأنهار، سخر الله له كل الأنهاروالعيون لتمده بمائها وقت زيادته، فإذاوفّى زيادته و زرعت الأراضى، أمر الله النيل أن يعود كما كان‏.

نهر النيل
نهر النيل

ويشرح الشيخ المنوفي نظم النيل بكل دقة كقاضي يحدد نشبة الضرائب عن الزرع فيقول: كان بلوغ الزيادة فى نهر النيل عند تمام الستة عشر ذراعا،يعتبرعلامة الوفاء- أى وفاء النيل، و عندئذ يستحق تحصيل الخراج الذى للسلطان قيتباي كاملا. وتسمى زيادة الستة عشر ذراعا هذه «بماء السلطان», و يذكر المنوفي بكل دقة  وبراعة: أن أتم الزيادات نفعا للبلاد هى زيادة السبعة عشر ذراعا، و ذلك لأنها تروى جميع البلاد، أما إذا زادت عن ذلك و وصلت إلى ثمانية عشر ذراعا فإن المياه تغطى ربع أراضى البلاد حتى يفوت أوان الزرع، و هوما اصطلح على تسميته استبحار الأراضى،وفى هذه الحالة يعقب انصراف تلك الزيادة حدوث الأوبئةوالأمراض بمصرأما إذا نقصت مياه النهر عن حد الوفاء، فإن ذلك يعتبر نذيرا بحدوث المجاعة لنقص الزروع و الأقوات، ثم يعقب ذلك حدوث الوباء، و تفشى حالات الموت الجماعى، و اضطراب أحوال البلاد و انتشار الفوضى و القلاقل.

و من الملاحظ أيضا تبحر المنوفي فدرس كل كتابات علماء المسلمين  الذين تحدثوا عن نهر النيل، فقال أنهم حاولوا إرجاع زيادة أو نقص مياه النيل إلى حركة الشمس و القمر فى البروج السماوية، «بسبب النور و الظلمة، و البدروالمحاق»، لكنه يفسر زيادة ماء النيل إلى ظاهرة المد الذى يكون فى البحر؛ فإذا فاض ماء البحر تراجع النيل و فاض على الأراضى، وهو بذلك سبق العلماء في تفسير حركة البحر التى أطلق عليها «المد و الجزر» تحدث فى كل يوم و ليلة مرتين، و فى كل شهر قمرى مرتين، و فى كل سنة مرتين‏ ومن المؤكد براعة المنوفي في علوم الفلك مثل كل مشايخ الأزهر في ذلك الزمن .

وقال المنوفي فى مؤلفه العبقري: أنه لمعرفة زيادة النيل أو نقصانه فى كل سنة قبل حدوثها، فإن ذلك يستطلع و يستنتج من حركة القمر و الشمس فى البروج، و قسم البروج إلى نارية، و ترابية، و مائية، و هوائية. و ذكر أن القمر إذا كان فى البروج النارية فهذا يدل على قلة الماء و نقصانه، و إن كان القمر فى البروج الترابية تكون مياه النيل متوسطة، و إن كان القمر فى البروج المائية فهذا يدل على كثرة مياه النيل و توقع حدوث استبحار الأراضى، أما إذا كان القمر فى البروج الهوائية فإن مياه النيل تكون كثيرة المنافع قليلة الضرر ومنذ أقدم العصور بمقاييس النيل،وما تجاوز ذلك يرصد على تقاسيم أخرى على مدرج من الحجر، بداخل البئر، وليس ارتفاع درج هذا المدرج مقسمًا تقسيمًا متساويًا، بل إن الأذرع التي تحت ١٦ ذراعًا تساوي الواحدة منها ٠٫٥٤ من المتر تقريبًا، والتي بين ١٦ ذراعًا و٢٢ ذراعًا تساوي الواحدة منها ٠٫٠٢٧ من المتر تقريبًا، أو نصف ذراع ثم ما فوق ٢٢ ذراعًا فطول الذراع الواحدة ٠٫٥٤ من المتر.

ومما عساه يكون فيه فائدة للعموم العلم بأنه لم تُعمل مباحث لحد الآن للعلم بالنهاية السفلى لتقاسيم المقياس، وإنما قد ربطت بواسطة الميزانية هذه التقاسيم بسطح البحر المالح الأبيض المتوسط، فوجد أن منسوب ٦ أذرع هو ١٢٫٠٥٢٥ فوق سطحه،

والنسبة للخراج عجزت الأمارة بمصر كثيراً عن القيام بجبايته نتيجة لاضطراب الفيضان، فكان الحاكم أو السلطان لا يأخذ الخراج إذا لم يصل مستوى الفيضان إلى 18 ذراعًا، أما المكوس والتي تعتبر من أهم مصادر الإيرادات؛ حيث كانت تؤخذ على الوارد والصادر من البضائع إلى المواني النهرية، فقد تأثرت هي الأخرى بظاهرة الفيضان وكان لتفاوت مناسيب الفيضان ما بين الانخفاض أو الارتفاع الكبير عن منسوبه المناسب أثر كبير في تعطيل حركة الملاحة النهرية في مصر؛ حيث يقل ورود المراكب التي تحمل الغلال من أنحاء البلاد إلى أسواقها،فيتفشي الغلاء الذي تصحبه المجاعة غالبًا، ومن أمثلة ذلك ما حدث في سنة  1347م، و 1403م؛ حيث اشتد احتراق النيل وقلَّ ماؤه، فتأخر حمل الغلال في المراكب، فارتفع سعر القمح  نتيجة لتأخر وصوله من مراكز إنتاجه، وفي سنة  1425م هبت رياح واستمرت أيامًا تزيد على عشرة أيام، ولم تستطع المراكب السفر في النيل، فانكشف الساحل من الغلة وجاء الخبر بغلاء الأسعارتصحبها الأوبئة والمجاعات الفتاكة ، فقد صاحب الشدة المستنصرية في عهد الخليفة المستنصر الفاطمي فناء كبير لمعظم السكان، ويقال إنه أودى بحياة ثلثي أهل مصر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock