فن

منير مراد  العبقري المهووس بالموسيقي (2-2)

في فيلم “الرجل الثاني” الذي تُعدُّ موسيقاه من علامات الموسيقي التصويرية في الأفلام المصرية، وهي من إبداع  العملاق “أندريا رايدر” شارك “منير” بتلحين أغنيتين للفنانة صباح هما “عطشانة” و”آه من عينه” وكلاهما من كلمات الشاعر الغنائي “فتحي قورة”. وقد صادف الأغنيتين نجاح كبير؛ كان سببا مباشرا في قرار “منير” بالتخلي عن مهنة مساعد المخرج، والتفرغ للتلحين، بعد أن سعى إليه كثير من المطربين راغبين في أن يُلحن لهم.

كانت الفنانة “شادية” ممن رغبن من المطربات في ألحان ” منير” الذي قدّم لها أكثر من سبعين لحنا، على مدى أكثر من عشرين عام، هي فترة التعاون الفني بينهما. وقد غنت شادية لغيره من الملحنين، إلا أنَّ ألحانه المميزة كانت من أجمل وأشهر ما قدمت “شادية من أغنيات، وكان صوتها هو الأنسب لألحان” منير” المرحة خفيفة الظل، مثل: “دبلة الخطوبة” و”دوَّر عليه تلقاه” و”سوق على مهلك” و”ألو ألو”. كما قدَّم لها أيضا نمطا مختلفا من الألحان مثل: “إن راح منك يا عين” و “حاجة غريبة” تلك الأغنية الرائعة التي شاركها فيها الغناء العندليب “عبدالحليم حافظ” في فيلم معبودة الجماهير.

النجاح الكبير الذي حققه “منير مراد” مع شادية؛ شجَّع “حليم” على التعاون معه، حيث شعر العندليب الأسمر بذكائه الفني أنَّ “منير مراد” ملحن متميز، لديه أفكار مختلفة، ويميل إلى التجديد والابتكار، فغنَّى من ألحانه العديد من الأغنيات سواء كانت رومانسية ناعمة، أو تلك التي تتسم بالبهجة والفرح، ومن أشهر تلك الأغنيات، و”حياة قلبي وأفراحه”، التي تعد أشهر أغنية للناجحين حتى الآن، و”أول مرة تحب يا قلبي” و”بكرة وبعده” و”بحلم بيك” و”دقوا الشماسي” و”مشغول” و”ضحك ولعب وجد وحب”، وغيرها من الأغنيات الجميلة, ولم تقتصر العلاقة بين “عبدالحليم” و”منير مراد” على العمل فقط، فكان “منير مراد” من أقرب أصدقاء العندليب الأسمر، وخاصة في السنوات العشر الأخيرة من عمره، وكثيرا ما كان يصاحبه في رحلاته العلاجية في لندن.

لم يكتف “منير مراد” بالنجاح في مجال التلحين، وتطلَّع لأن يكون نجما سينمائيا، خاصَّة مع امتلاكه جميع المقومات التي تؤهله لذلك، وكانت البداية من خلال فيلم “أنا وحبيبي” الذي قام ببطولته مع “شادية” كما قام بكتابة قصة الفيلم، ووضع كل الألحان التي غنتها شادية، أو التي شاركها الغناء فيها، وكان أيضا مساعدا لمخرج الفيلم، حقق الفيلم نجاحا كبيرا، وحقق أرباحا طائلة، واستطاع منير أن يثبت نفسه كممثل خفيف الظل، وأيضا كفنان استعراضي شامل يغني ويرقص، ولعل أبرز ما قدمه منير مراد في الفيلم اسكتش “محدش شاف” الذي أثبت فيه موهبته في التقليد، حيث قلَّد ببراعة العديد من المطربين منهم: “محمد عبدالمطلب” و “محمد فوزي” و “فريد الأطرش” بالإضافة لشقيقته ليلى مراد.

النجاح الذي حققه “منير مراد” من خلال فيلمه الأول شجعه على تكرار التجربة من خلال فيلم “نهارك سعيد” للمخرج “فطين عبدالوهاب” صديق عمره، حيث قدَّم في هذا الفيلم التوليفة التي قدمها في فيلمه السابق من رقص وغناء واستعراض، وعلى الرغم من ذلك لم يحقق الفيلم النجاح المنتظر، وفي نفس العام قدَّم دورا صغيرا في فيلم “موعد مع إبليس” مع “زكي رستم” و”محمود المليجي” وبعد هذا الفيلم قرر الاكتفاء بما قدمه من أفلام، والتركيز بشكل كامل على التلحين، وبالفعل ابتعد عن التمثيل، ولكن بعد تسع سنوات، طلب منه صديقه المخرج “حسن الصيفي” أن يقدِّم استعراضا في فيلمه “بنت الحتة” فوافق على طلبه، وقدَّم استعراض “البطة” مع “سامية جمال”.

بعد أن أصبح “منير مراد” نجم شباك؛ قدَّم أجمل الألحان لنجوم الصف الأول، لعل أبرزهم شقيقته الفنانة “ليلى مراد” التي قدَّم معها عشر أغنيات أشهرها “أنا زي ما أنا”، كما لحن لـ صباح “علمني الحب”، ولـ “ـشريفة فاضل” أغنيات كثيرة منها “حارة السقايين”، ومن الفنانين الآخرين الذين لحَّن لهم المبدع “منير مراد” المطربة “فايزة أحمد” و”مها صبري” والفنان “محرم فؤاد و “وردة” و “نجاح سلام” و”محمد رشدي” الذي قدَّم له واحدة من أشهر أغنياته هي “كعب الغزال”, ومن الأعمال السينمائية التي قام بتأليف ألحانها” “ياسمين” و”قطر الندى” و”دهب” و”بشرة خير” و”الحرمان” و”أقوى من الحب” و”مدرسة البنات” و”دليلة” و”إسماعيل ياسين في الأسطول” و”إسماعيل ياسين في البوليس الحربي” و”رحمة من السماء” وغيرها من الأفلام. إلى جانب الاسكتش الرمضاني الشهير “الراجل دا هايجنني” للمطربة صباح والفنان فؤاد المهندس.

ولم يقتصر منير مراد على التعاون مع النجوم الكبار، إذ لحن للعديد من المطربين في بداياتهم، مثل: “هاني شاكر” و “عفاف راضي” كما وضع موسيقى وألحان العديد من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، مثل فيلم “الزوجة 13” و “مولد يا دنيا” و”مسلسل برج الحظ” ومسرحية “حواء الساعة 12” ووضع أيضا أشهر موسيقى الرقصات والاستعراضات التي قدمتها “تحية كاريوكا” و”سامية جمال” و”نعيمة عاكف”.

ربما كان أهم ما ميَّز “منير” طوال مشواره الفني، أنَّه كان فنانا غير تقليدي، وكانت لديه دائما أفكار جديدة ومبتكرة، ربما لم يستوعبها البعض في حينها، ومن الحكايات التي تؤكد هذا الكلام، أنَّه في أحد الأيام بعد انتشار التليفزيون، ذهب لرئيس التليفزيون في ذلك الوقت، وعرض عليه تقديم برنامج فني يقوم فيه بتقديم أهم الأخبار والمقالات الموجودة في الصحف بطريقة مغناة؛ لكن الرجل رفض.

وفي نفس الوقت الذي رفض فيه التليفزيون المصري أفكار “منير مراد” كان التليفزيون المكسيكي يمنحه ساعة أسبوعيا يقدم فيه إبداعاته المختلفة، وكان اسم البرنامج “ساعة مع منير مراد”. كان “منير” محبا بشدة لموسيقى “الجاز” التي كانت منتشرة في هذه الفترة إلا أنَّها لم تلق رواجا داخل الأوساط الفنية المصرية، وهو ما دفعه للاتجاه إلى تقديم الألحان التي تتناسب مع طبيعة وذوق الأعمال المصرية والمشاهد المصري والعربي.

وعلى الرغم من أنَّ “منير مراد” لحَّن لمعظم نجوم عصره، إلا أنَّ أحد أحلامه الرئيسية، كان التلحين لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وبالفعل قرر أن يفاتحها في هذا الأمر، خاصَّة عندما بدأت تعمل مع الملحنين الشباب في ذلك الوقت “بليغ حمدي” و”محمد الموجي” و”كمال الطويل” فطلب منها أن تغني من ألحانه، ولكن الأمر كان صعبا، لأنَّ ألحان “منير مراد” لا تتناسب مع صوت أم كلثوم القوي، فاقترح عليها أن تغني لحنا من ألحانه بين الوصلات الطويلة التي تقدمها على المسرح، فوعدته بالتفكير في الأمر، ولكن في النهاية لم يتحقق حلم “منير مراد”.

تزوَّج منير مراد ثلاث مرات، الأولى من فتاة يهودية إيطالية، أنجب منها ابنه الوحيد زكي، ولم يعش معها فترة طويلة، حيث سافرت وابنها إلى الولايات المتحدة، ولم تنقطع صلة الابن بوالده، فكان “منير مراد” يسافر إليه كل فترة للاطمئنان عليه, ثم تزوج الفنانة “سهير البابلي” وقد دام زواجهما لنحو تسعة أعوام، وتعتبر “سهير البابلي” الحب الحقيقي في حياته، وكان “منير” السبب في شهرة “سهير البابلي” فبسبب العلاقة القوية بينه وبين “عبد الحليم حافظ” لعبت سهير أول أدوارها في السينما في فيلم “يوم من عمرى”. وقد ذكرت “سهير البابلي” في حوار تلفزيوني مع “وائل الإبراشي” أنَّ “منير” هو من أطلق عليها “سوسكا” وأنَّها تعلمت منه الكثير، ولكن نتيجة تعدد الخلافات، وغيرة “منير مراد” الشديدة، انتهت الزيجة بالطلاق، وقد ظل “منير مراد” سنوات عديدة بلا زواج، حتى تزوَّج للمرة الأخيرة من خارج الوسط الفني من فتاة تدعى “ميرفت جودة”.

عانى الفنان “منير مراد” من العديد من الشائعات في حياته، منها ما يتعلق بحقيقة إسلامه، حيث ذكر البعض أنَّه أسلم ليتزوج من الفنانة “سهير البابلي” ولكن هذا لم يكن صحيحا، حيث أسلم قبل زواجه بفترة كبيرة، وتحديدا في نهاية الأربعينات، وغير اسمه من “موريس” لـ “منير” وأصبح اسمه يُكتب في تترات الأفلام التي عمل بها كمساعد مخرج “منير مراد”.

بعد انفصاله عن “سهير البابلي” لم يسلم “منير” من الشائعات أيضا، فقيل أنَّه عاد لديانته اليهودية مرة ثانية، ولكن هذا أيضا لم يكن حقيقيا، حيث ظل على إسلامه، وكانت زوجته الثالثة فتاة مسلمة، كما أنَّه عقب وفاته لم يرثه ابنه “زكي” لأنه كان يهوديا، و”لا توارث بين دينين”، ومن الشائعات أيضا التي قيلت عنه، أنَّه لم يقدم أغاني وطنية كغيره من الملحنين، وأنَّ ذلك يعود إلى أصوله اليهودية، ولكن الحقيقة أنَّه قدَّم العديد من الأغاني الوطنية في أعياد الثورة، والمناسبات الوطنية المختلفة، ومنها انتصار أكتوبر، فقدم لشادية أغنية “عربي في كلامه”، و”بلد السد”، و”أيامنا الحلوة جاية” التي كتب كلماتها صلاح جاهين، ومن أغانيه الوطنية شدت ليلى مراد من ألحانه “عيد الكرامة”، كما لحن لـ “مها صبري” أغنية “نصر السد”، ولكن الأزمة أن أغانيه الوطنية لم تكن بشهرة أغانيه العاطفية، فاعتقد الكثيرون أنَّه لم يقدم أغاني وطنية في حياته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock