ثقافة

القاهرة تمنح الحجراوي درجة الدكتوراه في النقد المسرحي وتوصي بتبادل رسالته بين الجامعات العربية

ناقشت كلية الآداب بجامعة القاهرة الأطروحة القدمة من عبدالكريم الحجراوي لنيل درجة الدكتوراه في النقد المسرحي تتناول الدراسة الموسومة بـ (تحولات الخطاب الدرامي من السير الشعبية إلى المسرح العربي 1967: 2011 دراسة في نماذج مختارة) مجموعة من المسرحيات العربية التي استلهمت السير الشعبية، في الفترة ما بين عامي 1967: 2011، وتمثلت هذه المسرحيات في عشرة نصوص مختارة هي: «الزير سالم» لألفريد فرج 1967م،  «أبو زيد في بلدنا» لأبو العلا السلاموني 1969م، «حمزة العرب» لمحمد إبراهيم أبو سنة 1971م، «علي الزيبق» و«عنترة» ليسري الجندي عامي 1971م و1976م،  «سهرة مع البطل الهمام أبو ليلى المهلهل» للأردني غنام غنام 1995م، «الظاهر بيبرس» لعبدالعزيز حمودة 1986م، «أسفار سيف بن ذي يزن» للكاتب السوري خالد محيي الدين البرادعي 1997م، «سُعدى ومرعي» لـشوقي عبدالحكيم 1999م، «الليلة الحالكة» للكاتب العماني أحمد بن سعيد الأزكى، 2010م.

  وترجع أهمية هذه الدراسة إلى أنها تبحث في رافد شعبي مهم من روافد المسرح العربي، نهض عليه واتخذه ركيزة يعبر بها عن هويته، فالسير بالإضافة إلى الحكايات الشعبية وقصص ألف ليلة وليلة وغيرها من الموروثات عملت على خلق اتجاه عربي خاص في المسرح، وقد تناولت الكثير من  الدراسات المسرحية في الوطن العربي تأثير ألف ليلة وليلة في المسرح، وكذلك الحكايات الشعبية؛ لكن لم تفرد دراسة موسعة من قبل – في حدود علم الباحث- تحمل على عاتقها التأصيل لدور السير الشعبية في المسرح العربي في البلدان العربية ككل، وكيف أثْرَتْ تلك السير الحركة المسرحية العربية، وشكلت مصدرًا مهمًا من مصادر الإبداع المسرحي العربي، بل كانت حاضرة منذ بدايته مع نقولا النقاش في مسرحية ربيعة بن زيد المكدم 1849.

الحجراوي

اعتمدت الدراسة في عملية اختيار النصوص على عدة معايير منها الزمانية وهي المحددة بين عامي 1967م و 2011م، باعتبارهما حدثين فارقين في تاريخ الوطن العربي اجتماعيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا، وداخل هذه الحقبة الزمانية ما بين 1967: 2011، تمت عملية الاختيار بين نصوص مسرحية وصل عددها إلى أكثر من 135 نصًا مسرحيًا من أصل 237 نصًا قد رصدتها الدارسة متنوعة بين البلدان العربية المختلفة ما بين «مصر، وفلسطين، وسوريا، ولبنان، والأردن، واليمن، والعراق، والمملكة العربية السعودية، والكويت، والجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا، ودولة الإمارات، وسلطنة عمان، وقطر، والبحرين».

فالظروف السياسية في الفترة بين 1967: 2011م دفعت الوجدان الشعبي العربي، ومن بينه المبدعون إلى استلهام سير أبطالهم الشعبيين للاستنجاد، والاهتداء بهم في واقعهم المرير، فكل هؤلاء الأبطال الشعبيين ولدت بطولتهم من رحم المعاناة وهذا ما يشير إليه عبدالكريم برشيد حول أسباب تأليفه لنصه قائلًا: «بعد النكسة كتبت مسرحية (عنترة في المرايا المكسرة) واستحضرت شخصية عنترة بن شداد. عنترة قوي؛ ولكن في زمن الانكسارات، يطلب منه كما يطلب من الشعب أن يدافع عن وطنه، وهو المهزوم من طرف وطنه، فكيف للمهزوم أن يفعل؟ إذا كنت أنت في وطنك تشعر بأن الحاكم يظلمك ولا يعطيك حقك فكيف تبحث أن تقاتل عدوا أجنبيًا خلف الأسوار؟ الأساس هو العدالة الاجتماعية، وأن تشعر بأن لديك كرامة، حقَّا في التعليم، في الصحة، وأن وطنك يقدرك؛ لذا ستحارب من أجله وستموت من أجله، أما أن تجد وطنك يدفعك للهروب منه، والموت في قوارب الموت، فنحن بحاجة إلى منظومة فكرية جديدة ومنظومة علاقات إنسانية أخرى».

 وشهدت حقب السبعينيات والثمانينيات وكذا التسعينيات في الوطن العربي نزوعًا إلى خلق اتجاه في المسرح خاص بالعرب، «مسرح السامر» في مصر، و«المسرح الاحتفالي» في المغرب، ومسرح «الحلقة أو الفرجة» في بلاد الشام…إلخ وقد كان هذا الاتجاه يذهب إلى الموروثات الشعبية والاستفادة منها في النص وعلى خشبة المسرح، ومن بين هذه الموروثات التي حظيت بنصيب «السير الشعبية» في عدد من البلدان العربية،

الحجراوي

استخدمت هذه الأطروحة المنهج التداولي، لدراسة استراتيجيات  وتحولات الخطاب في المسرحيات العربية المستلهمة من السير الشعبية، وكان استخدام هذا المنهج تحديًا كبيرًا أمام الباحث لإثبات أن هذه النظرية اللغوية قادرة على تحليل نص أدبي كما هي المناهج النقدية الأدبية المعروفة، فالنماذج التطبيقية للنظرية التداولية كانت جزئية تعمل على مستوى تفسير الحوار اليومي الفعلي وليس بينها ما يفسر نصًا كاملًا،  فرغم ما يقدمه المنهج التداولي من مقاربة متكاملة إلى حد كبير مقارنة ببقية المناهج فإنه تظل هناك بعض السلبيات، فمن المعروف «أن المقاربة التداولية قد طبقت على اللغة العادية الواضحة من حيث ملفوظاتها اللغوية ولم تطبق على اللغة الأدبية والشعرية التي تتميز بالبعد الإيحائي والتشويش الدلالي كما في الشعر والمسرح والرواية، كما أن المقاربة التداولية في عمومها قد تعاملت نظريًا وتطبيقيًّا مع الجملة أكثر مما تعاملت مع النص أو الخطاب»[[1]] وكانت تلك المسألة واحدة من القضايا الأساسية التي عمل عليها الباحث في هذه الأطروحة متمثلة في السعي إلى تطويع المنهج التداولي من مجال التنظير إلى مجال النقد التطبيقي على المسرح، من خلال العمل على إيجاد أدوات وآليات تعين على قراءة النصوص الأدبية؛ وليس اللغة العادية فقط كما أراد لها منظروها.

وفي هذا الصدد ركز الباحث على ابتكار أدوات تداولية تطبيقية من أجل تأويل وتحليل النصوص المختارة التي اشتغلت عليها هذه الدراسة، فالتداولية من وجهة نظر الباحث ما زالت بحاجة إلى من يطوعها عبر أدوات مشتقة من النظرية من أجل جعلها قادرة على تحليل النصوص، كما حدث في النظريات الأخرى مثل النظريات النقدية الشكلانية والماركسية والبنيوية، والبنيوية التوليدية.

وتكونت الأطروحة من أربعة أبواب وخمسة فصول وناقشت قضايا مثل التناص وكيفية توالد المسرح العربي من السير الشعبية، وكيف جرت عملية التحويل من جنس أدبي إلى آخر ، ودور الشخصيات في الفعل المسرحي من خلال الاعتماد على نظرية أفعال الكلام والأفعال التداولية كما هي في المنهج التداولي؛ وكشف عن الرسائل المضمرة في الخطاب المسرحي المتحول من السير الشعبية التي سعى مؤلفو النصوص لإيصالها للجمهور. ودراسة  الموجود بين الأيديولوجيات واليوتوبيات داخل النصوص المسرحية المختارة، والحجج التي اعتمد عليها المؤلف كي ينتصر لرؤية للعالم على أخرى.

ومن النتائج التي خرجت بها الدراسة تنوع طرائق تأثر الكتاب بالسير الشعبية في تحولها إلى جنس المسرح وانقسموا إلى  ثلاث فئات.- فئة النقل: ويكون فيها التأثر بصورة مباشرة، حيث قام كتاب المسرح بمسرحة السير الشعبية، وتحويلها من السردية إلى اللغة الحوارية المعروفة عن المسرح، – فئة التحوير أو التعديل: ويكون فيها التأثر بيني لا كما هو الحال في فئة النقل ولا في فئة التبديل. ويقصد به المسرحيات التي تولدت عن السير الشعبية غير أن المؤلفين وإن التزموا بشخوص السير الشعبية إلا أنهم غيروا في الأحداث من أجل الإسقاط على الواقع.- فئة التبديل ويكون التأثر فيها بصورة غير مباشرة، وفيها يقوم المؤلفون بالاتكاء على السير الشعبية دون الالتزام بأحداثها بل أحيانًا يدمجون البطل الشعبي للسيرة في الأحداث المعاصرة الجارية بشخوص جديدة غير تلك الوردة في السيرة.

رصدت الدراسة سبع دول عربية قد استلهمت سيرة الزير سالم، وبلاد الشام «لبنان، سوريا، فلسطين، الأردن» كان كتابها الأكثر اهتمامًا بها عن أي سيرة أخرى، خاصة الكُتَّاب اللبنانيين في الفترة ما قبل الدراسة وربما يرجع سبب اهتمامهم بهذه السيرة لأن أحداثها تدور في بلاد الشام.

الحجراوي

جمعت الدراسة خمسة وستين نصًا جرى تحويلهم إلى المسرح من سيرة «بني هلال» مع ملاحظة أن هذه السيرة كانت أكثر السير التي اهتم بها المسرح التونسي خاصة شخصية «الجازية الهلالية».

وكشفت الدراسة أن تسع دولة عربية استلهم مسرحها السيرة الهلالية، جاءت مصر في المقدمة بنسبة 71% من إجمالي النصوص المتحولة بستة وأربعين نصًا وهي نسبة تقترب من الثلثين، ثم تونس في المرتبة الثانية بنسبة 12% بثمانية نصوص، والجزائر وفلسطين بـ5% كل منهما بثلاث مسرحيات، فيما كانت حصة بقية الدولة العربية 2% بنص واحد واشترك في ذلك كل من دول «اليمن والإمارات والكويت والبحرين»، وذلك بشكل عام. تعد سيرة «عنترة بن شداد» أكثر السير الشعبية تحولًا على المسرح العربي 74 نصًا حسبما رُصد، في 16 دولة عربية. جاء مؤلفو المسرح المصري مصر في المقدمة بـ 27 نصًا، ولبنان تسعة نصوص والسعودية خمسة واليمن والأردن أربعة نصوص، وسوريا والجزائر والبحرين وفلسطين والمغرب والعراق ثلاثة نصوص، والكويت والإمارات و نصان، ونص واحد لكل من تونس وعمان وقطر، وذلك طوال تاريخ المسرح العربي

كشفت الدراسة أن سيرة «حمزة البهلوان» كانت من أقل السير الشعبية حضورًا في المسرح العربي بأربعة نصوص فقط كلها جاءت من مصر، اثنين منها داخل فترة الدراسة واثنين بعدها.استلهمت سيرة «علي الزيبق» تسع مرات، ستة نصوص مصرية، ونص لكل من الأردن ولبنان والكويت.

رصدت الدراسة 20 نصًا متحولا إلى المسرح من سيرة «الظاهر بيبرس»  وأغلب هذه المعالجات جاءت من مؤلفين مصريين بـ17 نصًا.  وجاءت نسبة استلهام المسرح المصري لسيرة الظاهر بيبرس 90% من إجمالي النصوص التي رصدتها الدراسة، و5% لكل من المسرح السوري والأردني. وقبل فترة الدراسة وصلت نسبة استلهام المسرح المصري لها 100%.

كتاب المسرح اليمني كانوا الأكثر اهتمامًا بسيرة «سيف بن ذي يزن» ويرجع سبب ذلك إلى الأصول اليمنية لبطل السيرة. فاليمن يأتي في المقدمة بنسبة 53% بتسعة نصوص من أصل بسبعة عشر نصًا من بينهم نص قبل فترة الدراسة، ونصان بعد فترة الدراسة، ومصر في المرتبة الثانية بنسبة 29% بخمسة نصوص منها نصان بعد فترة الدراسة، ونص مسرحي لكل من سلطنة عمان وآخر عراقي قبل فترة الدراسة، ونص سوري، فيما لم يكن لها حضور في بقية مسارح الدول العربية حيث اقتصرت فقط على اليمن ومصر وسوريا والعراق عمان بنسبة 6% لكل دولة.

لعب المكان دورًا كبيرًا في تحديد استلهام كل قطر عربي لسيرة شعبية دون أخرى، فالمسرح الشامي كان الأكثر تحويلا لسيرة الزير، واليمني لسيرة سيف بن ذي يزن، والتونسي للسيرة الهلالية، ويرجع ذلك إلى أن أحداث هذه السير قد دارت في هذه البلدان أو أن أبطال السيرة ينتمون إلى هذه المنطقة.

الحجراوي

لتحويل المسرح المصري للسيرة الشعبية أسباب كثيرة لكون السير كانت أكثر حضورًا فيه مقارنة بأي دولة أخرى، كما أن الكثير من هذه السير قد كُتب في مصر.  فيما قل أو غاب تحول السير الشعبية في مسارح عربية أخرى لعدة أسباب من بينها عدم حضور السير الشعبية كطقس لديهم، أو لحداثة المسرح بها.

وقد أشادت لجنة الحكم والمناقشة المكونة من الأساتذة الأستاذ الدكتور خطري عرابي مشرفًا، والأستاذ الدكتور أحمد عبدالعزيز مشرفًا مشاركًا، والأستاذ الدكتور نجوى عانوس، والأستاذ الدكتور خالد أبو الليل بالمستوى المتميز للرسالة وقوة  الباحث في تحليل المسرحيات ودأبه في العمل وعليه قررت منحه درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها بتخصص دقيق نقد مسرحي بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع وتبادل الرسالة بين الجامعات العربية.

عبد الكريم الحجراوي، من كتاب موقع أصوات أونلاين ناقد أدبي ومسرحي نشرت له كتاب في النقد المسرحي بعنوان “المسرحية الشعرية العامية في مصر 1921م : 1986 دراسة تحليلية في الهيئة العربية للمسرح بالشارقة وله مجموعة قصصية في 2020 في الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة بعنوان “كان لك معايا”، ومن كتبه قيد النشر “تحليل الخطاب في المسرحيات العربية المستلهمة من السير الشعبية 1967: 2011 دراسة تداولية”. إضافة إلى مجموعتين قصصيتين “نسوة ينتعلن الكوتشي”، “سيرة ذاتية للألم” وثلاث روايات هي: “ما قبل الرحيل، وهند، وعناية الشيح كريم” ومجموعة شعرية “لم يكن عدلًا” ومسرحيتان “الحسين يقتل مرتين”، و”ليلة عرس فاطمة”، 5 كتب نقدية بالإضافة عدد من الأبحاث النقدية موزعة ما بين الرواية والمسرح والأدب الشعبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock