فن

The Final Year .. رؤية عميقة لإدارة أوباما

عُرض هذا الفيلم لأول مرة في الولايات المتحدة في 19 يناير 2018، ومنذ ذلك الحين يتعرض لاتهامات سافرة بأنه دعايا فجة لإدارة الرئيس أوباما. ربما تصدق هذه التهمة إذا كنت مقتنعا بأن تصوير مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، سامنثا باور، ونائب مستشار الأمن القومي، بن رودس، ووزير الخارجية، جون كيري، والرئيس أوباما نفسه كمثاليين يريدون هدم معادلة ’القيم‘ مقابل ’المصالح‘، ويعزمون على تحقيق تقدم في بعض القضايا الدولية – مثل التغيرات المناخية وحقوق الإنسان وخفض التسلح – ضرب من الضلال.

أما إذ كنت تؤمن بأن أوباما وفريقه سياسيون لهم مصالح وأهداف، وبشر تحكمهم نوازع وقيم، وأنهم ليسوا مجرد عصابة من المتآمرين على المصالح الأمريكية، فإنك حتما ستستمتع بمشاهدة الفيلم الوثائقي The Final Year، الذي يغطي الفترة من يناير 2016 إلى يناير 2017 من إدارة الرئيس أوباما، وستجده يتسم بالموضوعية، ويقدم رؤية عميقة تسبر أغوار الإنجازات والأخطاء التي انطوت عليها سياسات هذه الإدارة، والتي تجعل إرث أوباما مبهجا ومحبطا في آن.

يحتوي الفيلم، الذي أخرجه جريج باركر، على مادة كثيفة تجعلنا نلهث طوال فترة عرضه التي تمتد عبر ساعة ونصف من الزمان ؛ حيث يواصل باركر القفز سريعا لملاحقة ثلاثة أبطال يسابقون الزمن، هم: الناشطة باور، التي تتحرك برشاقة بين مسكنها العائلي والأمم المتحدة ومعسكرات اللاجئين، والعجوز كيري، الذي يبلغ من العمر 72 عاما لكنه لا يهدأ (حتى أنه يسافر بالقارب بين الجبال الجليدية عبر جزيرة جرينلاند)، والفيلسوف رودس، الذي ينصب جل تركيزه على الاتفاق النووي الذي وقعته القوى الكبرى مع إيران في عام 2015، وأثار غضب معسكر الصقور.

لكن باركر يبدو منجذبا بصورة كبيرة إلى باور، التي جاءت إلى الولايات المتحدة كمهاجرة أيرلندية في سن التاسعة، ثم دفعت المواطنين الجدد إلى الانخراط في نوبة بكاء حادة بعد سنوات إثر الاستماع إلى خطابها الترحيبي. رغم ذلك، تعجز باور في مشاهد لاحقة عن إقناع الرئيس بالتدخل بحزم للتصدي إلى الأزمة الإنسانية التي يكابدها سكان حلب، وغيرها من المدن السورية. يستطيع كل من يقرأ كتاب باور المهم A Problem from Hell: America and the Age of Genocide (مشكلة من الجحيم: أمريكا وزمن المذبحة) أن يدرك أن السبب الأساس لتركها العمل الأكاديمي والالتحاق بالعمل السياسي في إدارة الرئيس أوباما هو رغبتها في المشاركة في منع تكرار مآس إنسانية، على غرار ما حدث في البوسنة ودارفور، والتأكيد على أن المبادئ التأسيسية للدولة الأمريكية لا تتعارض مع مصالحها. ويترك الفيلم الإجابة عن تساؤلات حول نجاح باور في هذه المهمة إلى الجمهور.

يصور الفيلم أوباما كرمز روحي وقائد نهضوي، ففي أحد المشاهد يتحدث الرئيس السابق إلى الشباب في فيتنام قائلا: “أحيانا نعتقد أن الناس لا يتحركون إلا بدافع المال أو السلطة … في الحقيقة، يتحرك الناس أيضا بدافع ’القصص‘”. بعدها يسافر أوباما إلى هيروشيما ليعلن هناك أن هذه المأساة لن تتكرر ثانية، وفي جمهورية لاوس يأسف على عمليات القصف التي مضى عليها 50 عاما ولا تزال قنابلها الخاملة تحصد أرواح المدنيين. ورغم أن سياسات أوباما لا تزال ملهمة، إلا أنها تبدو – في سياق الفيلم – نظرية، وربما منفصلة عن الواقع.

في السياق ذاته، يخبر أوباما مخرج الفيلم، الذي كان متواصلا بدرجة كبيرة مع فريق السياسة الخارجية في الإدارة السابقة، وآخرين أن جميع التوجهات نحو الديمقراطية تسير في الاتجاه السليم، وأنه يريد أن يكون الرئيس الأمريكي الذي يدخل العالم حقبة دبلوماسية غير مسبوقة. ورغم ترأسه حربين، وتبنيه استراتيجية عسكرية معيبة في ليبيا، إلا أن أوباما الذي نقابله في الفيلم يسعى حثيثا للحصول على جائزة نوبل للسلام التي فاز بها في أول عام وصل فيه إلى سدة البيت الأبيض؛ فقط لأنه ليس جورج بوش الابن.

لكن أوباما – كما يعرض الفيلم من وجهة نظر باور – يبقى منشغلا عن الكل بالأجزاء. وأكبر هذه الأجزاء – بمن فيهم ترامب ذاته، الذي لم يظهر في الفيلم إلا شذرا – هو فلاديمير بوتين. ويستخدم باركر مستشار الأمن القومي، رودس، للتأمل في أجندة بوتين التي لا تتعامل مع مصالح روسيا بقدر ما تتعامل مع مصالح بوتين المتقلبة.

لا يظهر الفيلم أي تواطؤ مباشر بين ترامب وموسكو، ولا يعالج رفض أوباما الإفصاح عما كان شائعا حول الدور الروسي. كما يتجنب الفيلم أي إشارات صريحة إلى هيلاري كلينتون، باستثناء حفل Election Night أقامته باور في ليلة الانتخابات للنساء ’القادرات على تغيير نتيجة اللعبة‘، ومن بينهن وزيرة خارجية الولايات المتحدة في إدارة بوش الابن، مادلين أولبرايت، وكانت باور على يقين أن هذه الليلة لن تنتهي قبل الإعلان عن وصول كلينتون إلى سدة البيت الأبيض.

من الصعب قراءة المشاهد الأخيرة في هذا الفيلم، التي تعرض لقطات لأوباما في معبد البارثينون إلى جانب مقابلة معه وراء الكواليس بعد إعلان نتيجة الانتخابات، حيث يسعى إلى تنحية مخاوفه للإعراب عن رؤية مستقبلية واثقة يؤكد فيها أن “هذه الانتخابات ليست سوى زلة في المنحنى الإيجابي للبشرية”.

هذه المادة مترجمة :

 

تريلر الفيلم

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock