رؤى

الدولة السعودية الرابعة .. رهان محمد بن سلمان

أسقطت جيوش إبراهيم بن محمد علي الدولة السعودية الأولى بعد دخولهم الدرعية سنة 1818م، وأسقط محمد بن عبد الله بن رشيد الدولة السعودية الثانية عام 1891، وأعلنت الدولة السعودية الثالثة باسم المملكة العربية السعودية عام 1932 بتأسيس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، وظلت الدولة الثالثة وفية لتقاليد الدولة الأولى في تقاسم السلطة بين آل سعود  وآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

كان “إخوان من أطاع الله” عماد القوة التي اعتمد عليها عبد العزيز في تأسيس دولته الثالثة، ولأنهم كانوا يعتبرونه إمامهم، فقد سعوا للتوسع تحت عنوان الجهاد على حساب الدول المجاورة، ورفضوا المعاهدات التي وقعها مع الإنجليز، كما رفضوا إقامته في القصور وإدخال أدوات الاتصال الحديثة كالتلغراف، وحاول عبد العزيز استيعابهم، بيد أن طبيعتهم البدوية الممتزجة بالأفكار التمامية للدعوة الوهابية جعلتهم يمتنعون عليه ويواجهونه في معركة السبلة بقيادة فيصل بن سلطان الدويش، عام 1929، لكن عبد العزيز انتصر عليهم.

آل الشيخ، والتيار الوهابي الذي بقي متحالفا مع الملك عبد العزيز، وجد قبل التكيف مع صيغة الدولة السعودية الثالثة، وظل يمنح الشرعية للحكم السعودي، بيد أن ظهور النفط والنمط الريعي للدولة في علاقتها بمواطنيها وبالعلماء أيضا جعل يد الدولة أعلى وأضعف من سلطة العلماء وآل الشيخ، الذين بقوا مؤثرين في السياسة السعودية بقوة، وكان لانحيازهم –مثلا- للأمير  فيصل في صراعه مع الملك سعود عام 1964 دور كبير في عزل الأخير ليصبح فيصل ملكا على البلاد.

في عام 1979 ظهرت حركة مهدوية يقودها جهيمان العتيبي متحالفا مع صهره محمد بن عبد الله، أو “المهدي” كما كان يظن أتباع هذه الحركة، واقتحموا المسجد الحرام في أول المحرم من عام 1400 ه، وأعلنوا المهدي إماما وبايعوه، واستعانت  الدولة بقوات فرنسية قضت على الحركة وقبض على أعضائها، وأعدم ما يقارب الستين منهم.

مع غزو العراق للكويت عام 1990 واستقدام الجيش الأمريكي إلى البلاد وقفت هيئة العلماء مع قرار الدولة السعودية، وهو ما أحدث شرخا في علاقتها بما عرف وقتها بالتيار الصحوي الذي رفض مجيء الأمريكان إلى بلاد الحرمين.

ومع أحداث 11 سبتمبر 2001 وضرب تنظيم القاعدة لأمريكا في داخلها وضد مؤسساتها الاقتصادية والأمنية، حدث شرخ هائل في علاقة أمريكا بالسعودية، وكان انتماء أغلب المنفذين للسعودية سببا في اعتبار الوهابية أحد أسسهم المرجعية.

ومع فتح الباب لانتقال السلطة إلى جيل جديد هو جيل الأحفاد، وتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، دخلت المملكة مرحلة جديدة يمكن وصفها بالدولة السعودية الرابعة، فولي العهد طرح رؤية اقتصادية تضمنها برنامجه 2030، وفتح الباب واسعا لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالسماح لها بقيادة السيارة وعدم التقيد بموافقة ولي أمرها في التعامل مع الدوائر الحكومية المختلفة.

على الجانب الديني تحدث محمد بن سلمان في منتدي “مبادرة مستقبل الاستثمار” عام 2017 عما أطلق عليه إسلام وسطي معتدل منفتح على العالم وعلى جميع الأديان، ونوه إلى أن “70% من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، ولن نضيع 30 سنة من حياتنا مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورا”. وفاجأ إبن سلمان العالم بقوله: “لا وهابية في السعودية” في حواره مع الصحفي الأمريكي “جيفري جولديبرغ”، متابعا: “أرجوك أن تعرف الوهابية فهي ليست مألوفة لنا، لسنا على علم بها، لدينا سنة وشيعة، وأسرة إبن عبد الوهاب مشهورة جدا في السعودية، لكن هناك عشرات الآلاف من الأسر المهمة في الوقت الراهن، ومشروعنا هو المصالح الاقتصادية وليست المصالح الأيديولوجية التوسعية”.

 واجهت الدولة صعوبات في كل مرحلة من مراحلها، وتواجه اليوم صعوبات التكيف والانتقال من حالة الوهابية كأيديولوجية للدولة إلى حالة جديدة تتخفف فيها من سلطة رجال الدين وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتفسيرات المتشددة التي تجعل من الحياة عبئا على الإنسان. هل سيستطيع بن سلمان الانتقال الآمن إلى دولته الجديدة؟ خاصة وأن الضغوط الإقليمية والدولية قد تفرض عليه ما لا يمكن تحمله؟.

كمال حبيب

أكاديمي مصرى متخصص فى العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock