بلغت النبوءة حدًا، دفع أبو أيوب المصري، وكان أميرًا للقاعدة في العراق، إلى صناعة منبر جهزه للحظة نزول المهدى المنتظر، وعبر لرفقائه عن إيمانه بأن خروجه بات قريبًا.
وجاء «داعش» ليرسخ لدى مقاتليه والمتعاطفين معه أنه جاء تحقيقًا لنبوءة تتحدث عن معركة فى آخر الزمان فى دابق بين المسلمين والروم، ينتصر فيها المسلمون، بعد فقدانهم ثلاثة أرباع جيشهم.
عمد التنظيم فى تقديم نفسه إلى المسلمين باعتباره محققًا لنبوءة دينية، وردت فى حديث نبوي مروي عن النبى صلى الله عليه وسلم قال فيه: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنزِلَ الرُّومُ بِالأَعمَاقِ أَو بِدَابِقٍ، فيخرُجُ إليهِم جَيْشٌ مِنَ المَدِينَةِ من خِيَارِ أهلِ الأرضِ يَومَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَينَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلُهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّى بَينَكُم وَبَينَ إِخوَانِنَا فَتُقَاتِلُونَهُم، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُم أَفضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ».
هنا يبدأ التنظيم فى تطويع النبوءة لتناسب ظرفيته الزمانية والمكانية، فمرة يتحدث عن أن دولته لا تعتمد فى فلسفتها العليا على مبدأ الأرض، وأن بإمكان دولته أن تقوم كما قامت دولة النبى (ص) وهى غير آمنة، ويدفع بتعريف جديد للدولة مخالف لتعريف الدولة المدنية الحديثة التى تقوم على الأرض والشعب والحكومة.
ومرة أخرى يتحدث عن أن أبو بكر البغدادى ليس هو الخليفة الذى بشر به النبى (ص) فى آخر الزمان بل إن جماعته ليست هى الجماعة الحقيقية التى ستقوم بملء الأرض عدلا، وتطهير بيت المقدس من رجس الصهاينة.. وأن كل ما يحدث هو إرهاصة لتحقيق النبوءة القادمة.. فالبغدادى سيقتل ثم تشهد الجماعة فترة من فترات الكمون والاستضعاف يتولى فيها عدد من الأمراء المتنافرين إلى أن يأتى الخليفة الذى يقيم دولة الخلافة التى بشر بها الرسول (ص).
إعلان قيام دولة الخلافة
لم تقتصر النبوءة على التنظيمات التكفيرية، فالسلفيون ليسوا كما يبدون لعموم الناس مبتعدين عن هدف الوصول للسلطة وإقامة الدولة، فغالبيتهم يتبنون منهجا معلنا يتمثل فى مرحلة التصفية والتربية ثم التنقية إلا أن غير المعروف هو المرحلة الأخيرة وهى «المفاصلة» أي الوصول بالجماعة إلى نقطة تعلن حينها للآخرين أنهم إن لم يركبوا معهم فى جماعتهم ويستجيبوا لحكمهم فإن دماءهم وأموالهم تستحل فى حرب ضروس لا تبقى ولا تذر، حتى تقام الخلافة ويخرج المهدى.
تمتلئ بطون الكتب الإخوانية وأدبياتهم بالنبوءات التى تعطى الأمل لدى شريحة واسعة من المحبطين، وهو ما يعرف فى كتابات بعض الفلاسفة الغربيين بـ (سوسيولوجيا الأمل)، وهى مقولة تبدو أقرب لمقولات المتصوفين الزاهدين، وكان أول من لفت الأنظار إليها المفكر الفرنسى هنرى ديروش، وحاول من خلالها التركيز على مدى ارتباط الجماعات الدينية بالرغبة فى تجاوز الحاضر بكل مشكلاته ومآسيه والنظر إلى المستقبل نظرة أكثر تفاؤلا.
وقد انبثقت هذه المقولة من تجربة الإصلاح الدينى التى عرفتها أوروبا فى القرنين السادس والسابع عشر فيما عرف بالحركة البروتستانتية، كما يقول خليل عناني في كتابه “الإخوان المسلمون شيخوخة تصارع الزمن”.
وتتجسد هذه الحركة بشكل واضح فى طريقة وأداء جماعة الإخوان التى تقوم على إعطاء المنتمين إليها والمولعين برسالتها الأمل والرغبة فى استعادة الماضى التليد، وتؤكد الجماعة أن تحقق هذا الأمل لن يأتى إلا من خلال العمل فى إطار جماعى يحقق مصلحة الأمة.
يقول القيادى الإخوانى، أحمد عادل كمال، فى كتابه “النقط فوق الحروف”: “كانت آمالنا لا حدود لها، فكنا نؤمل فى كل شيء، نؤمن أن دعوتنا ستنتصر وأننا سوف نهزم جميع أعدائنا وخصومنا وكل من تحدثه نفسه أن يقف فى سبيلنا المقدس”.
ويكمل: “قرأ بعض الإخوان من جريدة يومية أن طائرات الألمان شنت غارة على لندن وأصابت البرج الشهير لساعة بج بن وكان يجلس الشيخ عبد اللطيف الشعشاعى وكان رجلا ضريرا من كرام الإخوان فبان عليه الحزن الحقيقى والأسى فعجبنا وسأله سائل عما به وعما يهمه من أمر بج بن؟ فقال بلهجة الجد: كنت أريد أن أؤذن من فوق ذلك البرج يوم فتح لندن.. قلنا بمرح ودعابة فأذن من فوق غيره.. قال فى إصرار كنت أريد أن أؤذن من فوق هذا.. ضحكنا غير أن أعماقنا كانت تقول: ربما فمن يدرى لعلنا فى يوم نفتح لندن.