“سينوت حنا” الكاتب والسياسي المصري (1874-1930) أحد مؤسسي حزب الوفد، العضو البارز في الوفد المصري الذي توجه إلى باريس في أعقاب ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول للمطالبة باستقلال مصر، أحد الأباء المؤسسين لتيار الوطنية المصرية الذين أستطاعوا بأفكارهم المستنيرة إخماد محاولات مستمرة من قبل الاحتلال البريطاني للعب بورقة الطائفية وشق صفوف الوطنيين المصريين الذين جعلوا من التحرر الوطني غاية ومقصدا لا يحيدان عنه.
مؤخرا، خصصت “مؤسسة المصري لدعم دراسات المواطنة وثقافة الحوار” كتابها الثاني ضمن سلسلة اصداراتها “بناة المواطنة”، من تأليف الدكتور رمزي ميخائيل أستاذ تاريخ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ليكرس دور سينوت حنا كأحد أهم رموز الحركة الوطنية المصرية، في إطار رسالة المؤسسة لتكريس قيم المواطنة كقاعدة للتعايش والحوار في مصر والمجتمعات العربية.
ينقل لنا الكتاب الصادر عن الدار المصرية للطباعة في نحو مائتي صفحة من القطع المتوسط محطات من حياة الكاتب والسياسي سينوت حنا، تتناول ملامح نشأته وسماته الشخصية، وقصة انضمام حنا للحزب الوطني بقيادة الزعيم مصطفى كامل شريكا له في تأسيس مدرسة الوطنية المصرية التي كانت اول دعاة التحرر الوطني. وقد ظل حنا مخلصا للحزب الوطني وزعيمه حتى وفاته، وبدا ذلك جليا في تبرعه بمبلغ نحو مائة جنية لإقامة تمثال رائد الوطنية المصرية وزعيمها مصطفى كامل، الذي دشن عهدا من التعايش القائم على المواطنة والاتحاد في مواجهة تحديات الوطن.
وإذا كان حنا قد استقال من الحزب الوطني عقب وفاة مصطفى كامل وتولي عبدالعزيز جاويش لرئاسة تحرير جريدة اللواء الناطقة بإسم الحزب، التي انجرفت للعديد من المعارك الطائفية، فإن حنا انضم بعدها لحزب الأمة الذي جمع نخبة من تلاميذ الأستاذ الإمام محمد عبده، وساهم بمقالاته في إخماد نار الفتنة الطائفية التي انطلقت في أعقاب اغتيال بطرس باشا غالي على يد إبراهيم الورداني الشاب المسلم وأحد اعضاء الحزب الوطني، فكان بمقالاته مبينا حقيقة كون الاغتيال لأسباب سياسية متعلقة بمواقف غالي غير الوطنية وليس لأسباب طائفية، وهو الفخ الذي كان قد سقط فيه بعض الكتاب الأقباط.
المحطة الثانية التي يبرزها الدكتور رمزي ميخائيل هي قصة اللقاء الذي جمع بين سينوت حنا والزعيم سعد زغلول بأسيوط، في باكورة تعاون سياسي ووطني كُلل باختيار سينوت كأحد اعضاء الوفد المصري المتجه إلى باريس، ثم مشاركته وزوجته في التحريض والدعوة والتظاهرات الشعبية الواسعة التي شهدتها البلاد في أعقاب اعتقال أعضاء الوفد، وقد ساهم حنا بمقالاته السياسية في إسقاط حكومة محمد سعيد التي قبلت التعاون مع لجنة ملنر، وذلك من خلال سلسلة مقالاته الشهيرة “الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا”.
بعد انضمامه عام 1918 إلى الوفد المصري، وقع سينوت حنا باعتباره أحد الأعيان على وثيقة المطالبة باستقلال مصر، وقبض عليه مع سعد زغلول ونفي معه إلى جزيرة سيشل ضمن صٌحبة ضمت مكرم عبيد ومصطفى النحاس وفتح الله بركات.
وبحسب –ميخائيل- فقد استمرت مواقف سينوت حنا الوطنية متجلية في عدد من المواقف والاختبارات السياسية كرفضه لتشكيل وزارة يوسف باشا وهبه، التي رأي أن الغرض منها هو إثارة الفتنة الطائفية من خلال تشكيل وزارة موالية للحكومة البريطانية برئاسة مواطن قبطي. كما تجلى ذلك في مشاركته في تحطيم السلاسل التي وضعتها وزارة اسماعيل صدقي حول البرلمان، وفي واقعة افتدائه لحياة مصطفى النحاس باشا لدى تعرضه لمحاولة اغتيال أثناء تلبية قيادات الوفد لدعوة لجنة الوفد بالمنصورة، وهي الواقعة التي توفي على إثرها سينوت حنا متأثرا بجراحه، وضاربا أروع الأمثلة في الوطنية والفداء.
يختتم ميخائيل كتابه بعرض لأهم نماذج مقالات سينوت حنا الوطنية، التي اضطلع الكاتب بجمعها من أرشيف الصحافة المصرية لعدد كبير من الصحف بات أكثرها في طي النسيان كصف مصر، والأفكار، والبلاغ.
اظن الان لا يوجد مثال واحد يضاهى هؤلاء القمم