ثقافة

معرض يضم كنوزا نادرة لرواد هذا الفن: تاريخ مصر عبر ذاكرة الكاريكاتير

ولد فن الكاريكاتير بصورته الحديثة فى مصر عبر الصحف والدوريات المصرية في سنوات الصراع الأولي ما بين  المعارضة والاستعمار الانجليزي وسلطته عقب ثورة 1919، وكان رواده آنذاك شوام على أرمن. وإذا كان الكاريكاتير يُعرّف بأنه فن الدهشة والإضحاك، فإن المصريين عُرفوا طوال تاريخهم القديم والحديث، بأنهم شعب مرح يحب النكتة والضحك وبطبيعة الحال تبدو علاقته بالكاريكاتير علاقة خاصة جدا.

 

وثائق منسية

في معرضه الذي جاء تحت عنوان «ثورة 19.. ذاكرة الكاريكارتير  المصري» يؤكد الباحث عبد الله الصاوى أن ما دفعه لتأسيس مشروع ذاكرة الكاريكاتير، هو الإجابة على تساؤلات فُرضت عليه، منها أين ترسم الكاريكاتير؟ أو منذ متى تقوم بهذا الرسم؟ إلى غير ذلك من الأسئلة، والتي كان يواجهها بإجابة تلقائية، والتي بالطبع كانت ترسم دهشة ما على وجوه السائلين.. الإجابة  كان مفادها: أنني لا علاقة لي بالرسم لا من قريب أو من بعيد.

 لذا فربما يكون من المهم للقارىء أن نسلط الضوء على تجربة هذا الباحث المجتهد المدهشة وعلاقة العشق الممتدة بينه وبين فن الكاريكاتير ورواده، ومتى وكيف بدأت هذه العلاقة، وكيف جاءت  فكرة مشروع ذاكرة الكاريكاتير؟

ذاكرة الكاريكاتير  

يشير الصاوي إلى أن البداية كانت في عام 2010، وذلك بعد اجتيازه مرحلة تمهيدي الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، بكلية الآداب جامعة الإسكندرية- فرع دمنهور، وكأي طالب يبدأ في تلمس مستقبله، بدأ البحث عن موضوع ليتخصص فيه في مرحلة الماجستير. وكانت المفاجأة غير السارة له في تلك المرحلة المبكرة من حياته الأكاديمية، وعنها يقول «كلما قمت بإعداد خُطة موضوع للدراسة يتبين لي أنه تمت دراسته بصورة أو بأخرى من قبل في إحدى الجامعات المصرية». وهنا وبحكم خبرته اقترح عليه أستاذه الدكتور: محمد رفعت الإمام، مجموعة من الموضوعات غير التقليدية كان من بينها الكاريكاتير؛ الذي كان وقعه غريبًا على أذنه حين سمعه، إلا أنه لاقى في نفسه استعذابًا، ورغبة في طرق هذا المجال الغريب والشيق في آن. وبالفعل، وبعد عدة محاولات وتعديلات تم تسجيل موضوع: «الكاريكاتور والحركة السياسية في الفترة 1922 – 1952 دراسة تاريخية» كعنوان لدراسة الماجستير في قسم التاريخ.

مقالات ذات صلة

الدكتور: محمد رفعت الإمام

ويقول عبد الله الصاوى: «وسرعان ما ملك الموضوع كل جوانحي، فقررت ترك بلدتي الصغيرة بمحافظة البحيرة، والذهاب إلى القاهرة، كي أكون قريبًا من مصادر هذا الفن ومدارسه، وحالفني الحظ بحصولي على وظيفة مؤقتة بساقية عبدالمنعم الصاوي، فيها تعرفت على مئات الشخصيات من مشاهير السياسيين والمثقفين والصحفيين والفنانين، وفي دار الكتب -على الأخص بقسم الدوريات- أطلعت على مجلات روزاليوسف وآخر ساعة وخيال الظل، وانتابتني حالة من الذهول بعد أن شاهدت الرسوم الكاريكاتيرية الموجودة بتلك الدوريات، وأدركت على الفور أنها وثائق منسية يمكن من خلالها إعادة كتابة تاريخنا المعاصر من زاوية جديدة.

ويضيف أن ما عزز تلك الفكرة لديه، كان ما وقف عليه من تردي حالة كثير من الدوريات التي اطلع عليها، ناهيك عن سوء طريقة حفظها، وتراجع مستوى ترميمها أو انعدامه،«فشغلني مصير هذه الدوريات، بما تحويه من رسوم في حالة حدوث حريق أو أي كارثة أخرى، فكانت فكرة المسح الرقمي لهذه الدوريات، بغرض الحفاظ على نسخة رقمية منها  تكون بمثابة «ذاكرة للكاريكاتير»، مما يسهل مهمة الباحثين في البحث والاطلاع والتصوير».

طوغان..  منحة السماء

يلفت «الصاوي»، إلى دور فنان الكاريكاتير الكبير طوغان، قائلًا: إن الفنان الكبير أحمد طوغان، أنقذني وانتشلني من حالة الضياع التي كنت أهيم فيها..حصلت على تليفون طوغان ورد عليَّ بترحاب وأبوة حانية لم أكن أتخيلها من شيخ الرَّسَّامين المعاصرين، الذي ناهز وقتها الخامسة والثمانين من عمره، واستمرت لقاءاتي الدورية معه سواء بمنزله بالمعادي، أو بمقر رابطة الرواد الصحفيين بنقابة الصحفيين المصرية، حيث كان طوغان يتولى رئاسة تلك الرابطة، فضلاً عن ترؤسه مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير وقتئذٍ.

أحمد طوغان

الكاريكارتير وثورة 19

يقول  الصاوي أن خاتمة أعمال الفنان طوغان معه  قبيل وفاته – يرحمه الله- كانت مساندته له في تدشين مشروع «ذاكرة الكاريكاتير» عام 2012، بالتعاون مع دار الكتب، وهو المشروع الطموح الذي يسعى للحفاظ على التركة الهائلة التي تركها فنَّانو الكاريكاتير منذ نشأة هذا الفن وانتشاره بمصر في القرن التاسع عشر، كأداة تعبيرية فى الفن الصحفى، لكنها لم تكن مريحة لسلطات ذلك العصر، بدليل مصادرة صحف يعقوب صنوع، مما أدى إلى اختفاء الكاريكاتير تقريبا في الصحف المصرية؛ ليعاود الظهور مرة أخرى قبيل الحرب العالمية الأولى عندما أصدر سليمان فوزي وأحمد حافظ عوض مجلة «خيال الظل» الأولى عام 1908، لتبدأ معها صحافة النقد السياسي الساخرة، التي زاد انتشارها مع ثورة 1919، سواء لاستخدامها ضمن وسائل الكفاح ضد الاحتلال أثناء أحداث الثورة، أو كوسيلة للصراع الحزبي بعيد أحداثها.

فتوالى خلال ما كان يعرف بفترة «الليبرالية المصرية» صدور العديد من الصحف المختصة بهذا الموضوع مثل «مجلة الكشكول المصور» التي أصدرها سليمان فوزي عام 1921، وكانت تهاجم الوفد وسعد زغلول باعتبارها لسان حال الأحرار الدستوريين، وكانت رسوم هذه المجلة من إبداع الرَّسَّام الإسباني الأصل (جوان سِنتيس)، وجاء من بعده الرَّسَّام الجركسي (علي رفقي)، والأرمني الأصل (ألكسندر صاروخان) والذي لمع نجمه بعد أن التحق بمجلة روزاليوسف، وأصبح رسَّامها الأوحد عام 1928.

كذلك فقد أصدر أحمد حافظ عوض صاحب جريدة «كوكب الشرق» في سنة 1924 مجلة «خيال الظل» الثانية الهزلية، ولمع فيها نجم على رفقي الذي دخل في سجالات قوية مع سِنتيس أعادت للذاكرة مساجلات جرير والفرزدق الشعرية، ولكن هذه المرة من خلال الرسوم الكاريكاتيرية، ثم تحول الكاريكاتير إلى أحد أيقونات العمل الصحفى، وظهرت عشرات الصحف التي لعب فيها الكاريكاتير دورًا أساسيًّا.

ويستطرد «الصاوي»: أيًّا كان توجه هذه المجلات الكاريكاتيرية، أو نوعية توجهات رسَّاميها، التي انعكست على أفكار رسوماتهم فيها، فإن الغرض من مشروعنا هذا «ذاكرة الكاريكاتير» جمع وتوثيق كافة الرسوم الكاريكاتيرية في الدوريات العربية والأجنبية، وكذلك كتب الكاريكاتير العربية والأجنبية، وما يتعلق بها من مواد صحفية في الفترة الزمنية من عام 1878؛ حيث ظهور مجلة «أبو نظارة» ليعقوب صنوع، مرورًا بالحقبة الليبرالية المصرية، وتتوقف المرحلة الأولى للمشروع عند اندلاع ثورة 23 يولي1952. ويقدر عدد هذه الرسوم الكاريكاتيرية المُبعثرة في هذه المجلات المصرية بشقيها العربي والأجنبي، بأكثر من مليون رسمة وصورة.

كنوز الكاريكاتير المصري

 ويشير الصاوي في هذا الصدد إلى سلسلة: «كنوز الكاريكاتير المصري»، التي تعتنى في المقام الأول برواد هذا الفن في مصر، بالإضافة للحفاظ على هذا التراث والفن، الذي يمكن من خلاله إعادة قراءة تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ أواخر القرن التاسع عشر وصولاً إلى ثورة يوليو. وقد تم بالفعل، حسبما يضيف الصاوي، جمع ما يقرب من مائة ألف رسم كاريكاتيري، بمجهود فردي، تم من خلالها الكشف عن العديد من الأعمال الكاريكاتيرية المُهمة منها مجلة «الجريدة المصورة» 1924، التي تحوي الرسوم الأولى للفنان الأرمني المصري: ألكسندر صاروخان، إلى جانب مجلة «إشمعنى» 1930، التي أصدرها ورأس تحريرها الفنان محمد عبدالمنعم رخا .، وكذلك النسختان العربية والفرنسية من «مجلة جحا»، تلك المجلة النادرة التي أسسها ورأس تحريرها الرَّسَّام الإسباني: جوان سِنتيس، وصدرت في الإسكندرية باللغتين العربية والفرنسية عام 1931.. كما ضم هذا الجزء من المشروع  مجموعة من اللوحات الفنية النادرة للفنان طوغان؛ عن حرب اليمن، كان قد أهداها للمتحف الحربي عام 1964، ومنذ هذا التاريخ واللوحات كانت حبيسة مخازن المتحف،

وقد صاحب معرض «ثورة 19 من ذاكرة الكاريكاتير» حفل توقيع لكتاب «صاروخان البدايات المجهولة»، والذي يقول عنه عبد الله الصاوي إنه محاولة لكشف غموض بداياته في مصر، وإعادة الاعتبار لعبدالقادر الشناوي صاحب «الجريدة المصورة» التى اكتشفت موهبة صاروخان، والذي اتهمه البعض ظلما بأنه نصب على صاروخان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock