ولد حسن العطار عام 1768م (1182هـ) بمدينة القاهرة، لأب من أصول مغربية يعمل عطارا، وتلقى تعليمه في الأزهر برواق المغاربة، وظل يتقلب في المعاش سفرا وحضرا حتي وصل لمشيخة الأزهر عام 1831م. في ذلك الوقت كان محمد علي يحكم مصر ويجري بها تغييرات اجتماعية واقتصاية هائلة كان العطار من الذين يدعمونها.
كان العطار أشعريا في مطلع حياته ثم لم يلبث أن تحول إلي الماتريدية متأثرا بالمدرسة الهندية ذات الطابع العقلاني، فالأشعرية تتلائم مع مجتمعات ذات طابع سكوني مستقر، بينما عالم نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر الذي عاش فيه العطار وما سبقه من تحولات هائلة منذ الكشوف الجغرافية في القرن الخامس عشر وتحول طرق التجارة يحتاج لفلسفة تؤكد قدرة الإنسان علي الكشف والفهم ومعرفة صعود وهبوط الأمم والقوانين والسنن التي تحكم ذلك. كان عالم الأزهر الأشعري يبدو عليه الكسل والاستنامة إلي منطق الاستمرار التاريخي دون فهم ما يجري من تحولات هائلة في العالم .
دهمت الحملة الفرنسية البلاد المصرية عام 1798 والعطار لم يبلغ بعد الثلاثين من عمره، فهرب إلي الصعيد حيث أقام خائفا متخفيا هناك ما يقرب من العام، ثم عاد إلي القاهرة بدعوة من زميله وصديقه عبد الرحمن الجبرتي أهم مؤرخ للحوليات في ذلك الوقت عبر كتابه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار”، حيث طالع الرجل بعض الآثار العلمية للحملة الفرنسية وآثارها المتعلقة بالنظم الإدارية وتفاعل معها وبها.
كان الرجل صوفيا في مطع حياته ولكنه ترك الصوفية مؤثرا أن يكون ميدان العقل والتجربة والتعلم هو ميدانه وليست الحقائق الروحية الغامضة. كتب أول كتاب له في النحو ولم يبلغ بعد العشرين من عمره، وكان إصلاح اللغة وتطويرها وتحسين حال البيان العربي أحد اهتماماته الرئيسية حيث سادت في زمنه بالأزهر لغة راكده غير قادرة علي التفاعل والتجاوب مع تطورات العصر. من هنا كان التأثير الهائل لطريقة مرتضي الزبيدي على العطار في تعامله مع اللغة وكتابة أهم القواميس العربية في ذلك الوقت وهو “تاج العروس من جواهر القاموس”. سوف يطور العطار بعد ذلك اهتمامه باللغة ليؤلف كتابه عن قواعد الإنشاء ليكون المرجع للبيروقراط الجدد في مدرسة الجهادية في عصر محمد علي ليتعلموا كيف يكتبوا الرسائل والعقود والمعاهدات مع الدول والقوي التجارية الأجنبية التي ظهرت في ذلك الوقت.
كتب العطار المقامة متأثرا بالطريقة الأندلسية التي تجمع بين العذوبة في اللفظ والجديد في المعاني وهو شئ جديد علي عالم الأزهر والمثقفين المصرين في ذلك الوقت، وكانت له أشعار نهلت من بحور الشعر معان جديدة عن الجمال والحب والأزهار والغربة وقسوتها ولذا يوصف بأنه أديب وشاعر مجدد في قوالب الشعر ومعانيه، وله ديوان شعر مفقود.
لم يكتف العطار بعلوم الأدب والبيان واللغة وإنما خطا نحو الاهتمام بمناطق جديدة في علوم الشريعة التي كان يدرسها لطلابه بالأزهر حيث تأثر بالفقه المالكي رغم أنه كان شافعيا، وجاء تأثره به عن طريق المصري شهاب الدين القرافي (626- 684هـ – 1228-1285م). كان العطار يحاضر لطلابه كما في الجامعات الحديثة دون التزام بقراءة الحواشي وتقليد من سبقوه، ولذا ألف رسالته في الاجتهاد والتقليد عام 1832م وناقش فيها حق الإنسان المقلد بأن لا يلتزم بمذهب معين في كل ما يقوله بل له أن يتخير مايراه مناسبا لحالة، ومن الواضح أن قوة التقليد قد طغت علي عقول غالب الدارسين والمتعلمين في الأزهر.
من مراجعة ما تركه العطار من مؤلفات نحن أمام عالم موسوعي مجدد فهو قد ألف في الطب كتابا سماه “راحة الأبدان في نزهة الأذهان” انتقد فيه انتقادا جيدا وراسخا كتب داوود الأنطاكي والتي كانت تعتبر عمدة علم الطب في ذلك الوقت وعاد إلي ابن سينا وابن الهيثم وناقش الأطباء الغربيين الذين جاءوا إلي مصر في عصر محمد علي، وقد أتم ذلك الكتاب بعد عودته لمصر من الشام عام 1831 م. وكان قد تعلم الطب علي يد الحكيم باشي التركي حين سافر إلي تركيا في عام 1802، وأفتى الرجل بضرورة تعلم الطب وعلم التشريح ودعا إلي بناء مدرسة الطب في أبي زعبل، كما كان متضلعا في علم الفلك والرياضة والهندسة والمنطق.
وسافر العطار إلي دمشق عام 1810م واتجه إلى فلسطين، ثم بقى في دمشق يؤلف ويكتب في التشريح والمنطق والشعر حتي عاد إلي القاهرة عام 1815 م، حيث استأنف التدريس بالأزهر وتفرغ للكتابة والتأليف.
ورغم أن صيحة التجديد التي أطلقها الشيخ لم تُؤت ثمارها وقت مشيخته وتدريسه بالأزهر حيث كانت قوي الجمود لا تزال متحكمة وعفية وضاربة بجذورها في التربة الثقافية والتعليمية، إلا أن ما غرسه لم يضع هباءً فمن بعده جاء طلاب حملوا الفكر الذي أطلقه مثل رفاعة وعياد طنطاوي وحتي محمد عبده.