الروائية والأستاذة الجامعية ريم بسيوني لها العديد من الأعمال الروائية منها: بائع الفستق، رائحة البحر، الدكتورة هناء، الحب على الطريقة العربية، مرشد سياحي، وبعض القصص التي كتبتها بالإنجليزية.
ريم ابنة الاسكندرية، حصلت على ليسانس آداب اللغة الإنجليزية من جامعة الإسكندرية، ونالت الماجيستير و الدكتوراه من جامعة أكسفورد في بريطانيا في “علم اللغويات”، ثم حازت الدكتوراه في “تحليل الخطاب السياسى” من جامعة أوكسفورد، وقامت بالتدريس في نفس الجامعة.
“أصوات” كان لها هذا الحوار مع ريم بسيوني:
ما الذي يحرض أستاذة جامعية على كتابة الأدب؟ وهل في ممارسة الأدب تمرير لبعض ما تشتغل عليه في مجال البحث الأكاديمي؟
إلى جانب دراستي للأدب الإنجليزي درست الأدب العربي، بالضرورة دراستي أضافت لي الكثير، وما يهمني الإشارة إليه أنني بدأت مبكرا جدًا في كتابة الأدب، ففي سن الثانية عشرة من عمري جاءت بداياتي مع الكتابة. دراستي وتخصصي في علوم اللغويات أضافا لي الحرفية في الكتابة، وهذا ما اكتشفته بنفسي عندما بدأت العمل على دراسة اللغة وعلاقاتها بالمجتمعات العربية. في هذا الوقت تحديدا فتحت دراستي لي الباب لآفاق كتابة رواية جديدة هى “الحب على الطريقة العربية”.
• تجيدين الإنجليزية فهل كتبت بها إبداعًا؟
أنا واحدة من عشاق العربية، هذا العشق ساعدني كثيرا في تسريب أشواقي لها عبر كتابة الرواية، أما عن اللغة الإنجليزية فكتابتي بها غالبا يمكن وصفها بالكتابة العلمية. لا أنكر أنني حاولت كتابة نصوص إبداعية “قصص قصيرة” باللغة الإنجليزية ونشرتها، ولكن كنت أنظر إليها على أنها ناقصة، شيء ما يخصني مفقود هو لغتي العربية؛ لذا توقفت عن فعل هذا وأدركت أن كتابتي للرواية تتعلق بلغتي العربية. هذا يرجع لطريقة تفكيري في الكتابة، فأنا أفكر في شخوص رواياتي بطريقة عربية، حتى طبيعة الأماكن عربية خالصة، اللغة العربية هي الأقرب إلي، أما البحث العلمي فالإنجليزية هي طريقتي في التفكير فيه بحكم دراستي ولذا لن تجد لي أبحاثا منشورة بالعربية.
كل كتاباتي العلمية منشورة باللغة الإنجليزية، وكل أعمالي الإبداعية كتبتها بالعربية، وترجمت عبر مترجمين. كتابة الإبداع باللغة الأم هي الأقرب لتوصيل رسالة الكاتب، كوني أتقن الإنجليزية وأدرس بها لم يعطني الحق والقوة في ترجمة أعمالي.
هل حقيقة أن ترجمة الإبداع من العربية إلى لغات أخرى انتقائية وتركز على كسر تابوهات الجنس والدين والسياسة، وتصدير صورة نمطية وسلبية لنا كعرب؟
هناك مشكلة حقيقية خاصة أن أغلب الأعمال التي يتم ترجمتها تسير في هذا الاتجاه، وهذا ما أشرت إليه في رواية “مرشد سياحي”، بطلة الرواية تكتب الرواية وعندما أقدمت على ترجمتها وجدت الرفض لأن هناك شروطا يضعها الناشر والمترجم وهي تقديم الصورة النمطية والسلبية عنا كعرب، هناك أفكار وصورة صارت متجذرة عنا كعرب “الإرهاب، التوترات السياسية، التخلف..إلخ” يبحث عنها المترجم والناشر الأوربي لتسويقها.
هل يبحث الناشر الأوروبي فعلا عن أعمال روائية عربية تجذر صورة الشرق المتخلف؟
لا يمكن أن نلوم الناشر فقط؛ فالناشر يعد واحدا من أركان العملية، يسبقهم إلى كل هذا الروائي العربي، ومن بعده المترجم ومن ثم القاريء الذي يسعى لترسيخ هذه الصورة الذهنية عن العرب.
لكن الناشر لديه فرص الاختيار لتقديم صورة مغايرة وقلب الصورة النمطية التي يجري ترويجها عنا طوال الوقت؟
لست في محل دفاع عن الناشر الأوروبي، ولكن النشر في العالم كله مرتبط بسوق للقراءة، وهو طوال الوقت يبحث عما يبيع، وهذه الصورة النمطية عنا تجد لها سوق وتبيع، هذا بالطبع يتنافي مع مهمة النشر الإنسانية لتوصيل صورة كاملة عن الآخر والبعيد.
هل هناك سوق حقيقية لقراءة الأدب العربي بلغات أخرى؟
الحقيقة لا .. وما ينشر من ترجمات أعمال عربية يبقي لأصوات بعينها مثل نجيب محفوظ نتيجة حصده لنوبل.. أما أن هناك سوقا لقراءة الإبداع العربي فلا يمكن الاجابة إلا بالنفي، ما يترجم من أعمال عربية مشغولة بالجنس وقائمة على تصدير الصورة السلبية لا معالجتها لها من يقوم بترويجها بغرض تكريس هذه الصورة.
أما عن الأعمال الفكرية العربية المترجمة إن وجدت فلا تخرج خارج إطار الدراسة الجامعية، هذا ما انتبه إليه الغرب مؤخرا وخرجت العديد من الدراسات البحثية التي تشير إلى هذا القصور الذي ينتاب النشر الأوروبي في ترجمة آداب الشعوب الأخرى.
هل هذا يؤكد صحة أن مؤسسات الترجمة العربية تترجم ترجمة تواصلية في حين يشتعل الغرب على الترجمة التبادلية من وإلى اللغات الاوروبية في تجاهل للعربية؟
بالضبط هذا ما يجري وهذا يرجع إلى سهولة الترجمة من هذه اللغات.
رواية “أشياء رائعة” تروي الواقع بمفردات ورموز واضحة.. شخصياتها قريبة من واقع عشناه.. هل ثمة ضرورة لرواية الواقع بشكل إبداعي.. أم أن واقعنا الذي نعيشه صار أكبر مما كنا نتخيل؟
كتبت روايتي “أشياء رائعة” قبل ثورة يناير بعام، ونشرت قبل الثورة عبر ناشر لبناني، كان من الصعب أن تصل مصر في ظل أحداث الثورة التي كنا نعيشها، أحداث الرواية يمكن وصفها بالواقعية، خاصة أنها مشغولة بتفاصيل الصراع الطبقي الذي نعيشه قبل وبعد الثورة، معالجة الإخفاقات التي نعيشها، بالإضافة إلى ذلك جانب تخيلي فيه ربط ما بين حاضرنا وماضينا البعيد.
رواية “الدكتورة هناء” هل توافقيني أنها رواية الانقلاب على ما هو سائد من العادات والتقاليد القديمة؟
دكتور هناء تبدأ بموقف صادم وهو محاولة تعري المجتمعات المعقدة، الطالب الذي ارتبطت به دكتور هناء في عديد من المواقف ستجد موقفه ضعيفا ولكن في مواجهة والدته يصبح أكثر قوة، وفي مواقف أخرى ترى أن والدته وأخته صارتا أقوى منه. مواقف الضعف والقوة تتباين من وقت لآخر بين الرجل والمرأة.
“البدائية فكرة يمليها علينا عقلنا المسجون وسط حقائق تعلمناها من الساسة” من رواية مرشد سياحي، هذا يفتح الباب لسؤال حول معنى البدائية والتحضر؟.
رواية “مرشد سياحي” تتكلم عن قضية الشرق والغرب، فكرة أن يكون مجتمع أكثر تحضرا من آخر. مناقشة البدائية كمعنى ومفهوم في مواجهة معنى التحضر كمفهوم وواقع نعيشه. الرواية لا تصك مفاهيم هنا، ولا تنحاز لمجتمع على حساب آخر ولكن أحاول مناقشة وطرح الواقع الذي نعيشه الاجتماعي والثقافي وبالضرورة السياسي عبر الرواية وشخوصها وقضاياهم.
هل نحن كشعوب عربية نسجن أنفسنا قبل أن يسجننا الساسة؟
بالطبع لا يمكن أن نجيب إجابة قاطعة؛ ففي الوقت الذي نصف فيه أنفسنا بالبدائية والتخلف والرجعية ونجلد ذواتنا نجدنا في وقت آخر نضفي على أنفسنا هالة من أسطرة الذات والاعتزاز بتاريخنا وحضارتنا.
الهوية تيمة أساسية في أغلب أعمالك الروائية.. لماذا إعادة طرح سؤال الهوية في ظل العولمة التي نعيشها؟ وهل للغربة دور في طرح هذا السؤال؟
الهوية هي تيمة اساسية تربط كل أعمالي الروائية وليس غريبا أن نفس القضية تربط ما بين أعمالي العلمية، ما أشرت إليه بأن هذا مرتبط بالغربة. سؤال الهوية يظهر ويتضح عندما نعيش تجربة الغربة فيها نجد أنفسنا أمام آخر مختلف في الطباع والسلوك وردود الفعل واللغة إلخ..
تطرح رواياتك واقع المرأة العربية في اتجاهات مختلفة، فهل تعتقدين بأنّ أعمالك تندرج تحت مفهوم الأدب النسوي؟
أتمنى ألا أكون فعلت ذلك، أفضل أن أكتب تحت مظلة ما هو إنساني لا يشغلني النوع بقدر ما تشغلني القضايا التي يتم طرحها وهي بالطبع قضايا إنسانية تخص الرجل والمرأة.