في رسالته “التوسمات” قال شكري مصطفى زعيم جماعة التكفير والهجرة: “لم تتعلم الجماعة الأولى الدين للدنيا، ولم يكونوا يتعلمون لعمارة الأرض وبناء الدور، فتلك صفة الكافرين “يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا” حتى إن رسول الله كان يجهل أثر تأبير النخل ويقول: نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، فلا بد وأن نكون مثلهم أميين، نوجه كل جهدنا ووقتنا لنتعلم الكتاب والحكمة، وما دون ذلك فهو ضلال مبين، ومتى يتعلم الإسلام من أمضى أكثر من نصف عمره في تعلم الجاهلية، ومن أجل هذا نقول: إن الدعوة إلى محو الأمية فكرة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم علوم الإسلام، ووجود من يقرأ ويكتب بيننا لا ينفي أننا نحن أمة أمية طالما نوجه كل وقتنا لتعلم الإسلام”.
شكري مصطفى
وفي رسالته “الخلافة” يقول: والذي يظن أن هذه الحشود من الجهد والعلوم والمبتكرات التي تغرق الأرض أنها قامت لعبادة الله، أو أنه يمكن التوفيق بين بذل العمر في صنع هذه المدنية الرائعة والدنيا العريضة المزخرفة وبين عبادة الله بالصوم والصلاة والدعاء والذكر والحج والبلاغ والجهاد في الله حق جهاده، والتلاوة لكتاب الله حق تلاوته وذكر الله تسبيحا له بكرة وأصيلا، أقول: من كان يظن أن تكاليف بناء المدنية الحديثة لا تتعارض مع تكاليف العبادة، وأنه كان يمكن لعلماء الغرب وبناة المدنية أن يكونوا عبادا لله في نفس الوقت، من كان يظن ذلك فليشهد علي نفسه أولا بقلة الحياء وصفاقة الوجه ثم يفعل بعد ذلك ما شاء، وهؤلاء الذين قيل لهم “أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق”.
ويمضي شكري مصطفى لشرح ظاهرة منع أتباعه من دخول الجامعات والمدارس: “إنني أقول للطاغوت أنا لا أشكل عقبة في خطتك فقط بحجبي للنساء عن الجامعات والمدارس، أقول للطاغوت ها أنذا أريحك من مشاكل تعليمهم وانتقالاتهم، وهجرتي لا تشكل خطرا انقلابيا عليك”، وهو لا يمنع فقط التعلم في الجامعات والمدارس والمعاهد غير الدينية وإنما يمنعها كذلك في المعاهد والمدارس والجامعات الدينية، لأن القائمين على التعليم فيها مرتدون ومنافقون والمناهج فيها هي مناهج للكفار.
وقد عايشت تلك الفترة في الجامعة حيث نشطت “جماعة المسلمين” كما كان شكري يطلق عليها باعتبارها الجماعة المسلمة الوحيدة منذ الجماعة الأولى التي أسسها النبي صلي الله عليه وسلم في مكة والمدينة، وما دونهما من كافة التجارب والخبرات الإسلامية والتاريخ الإسلامي كله وعلماؤه وفقهاؤه وعلومه كلها لا صلة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، وقد كان شكري مصطفى يعتبر أن مناهج التعليم التي تضعها الجماعة هي وحدها التي يجب أن ينشغل بها الأعضاء، كما كان يعتبر نفسه قائما على تعليم تلك الجماعة عبر ما كان يكتبه من رسائل توزع علي الأعضاء، وما يقوم به مساعدوه من نشر فكر الجماعة بين أعضائها، وباعتبار جماعته هي الوحيدة التي على حق دون المسلمين جميعا قديما وحديثا، فقد اعتبر نفسه مصدرا للتعليم والهدى وإماما للجماعة وقائما في التبليغ والتعليم مقام النبي.
كانت فترة السبعينيات مملوءة بالأعاجيب فيما يتعلق بجماعة التكفير، فقد كنت ترى قاضيا يبيع الحلوى في الشارع، وترى شابا نابها ذكيا في كلية الطب أو الهندسة أو العلوم وترك التعليم فيها واحترف عملا هامشيا باعتبار أن التعليم في معاهد الكفر هو نوع من الدخول ضمن الآلة الجاهلية باعتباره ترسا من تروسها يدخل ضمن المخطط التي تضعه لمشروعها هي، ومن ثم فإنه يترك التعليم، ويترك أسرته، ويهاجر حيث معاقل الجماعة التي كانت شققا تؤجرها يقيم فيها أعضاؤها.
والأمية لا تعني عدم القراءة والكتابة، فقد كان العرب جميعا أميون أي لا ينتشر بينهم الكتابة وإنما ثقافتهم شفاهية في الأساس، وقد كان الغالب عليهم ذلك، بيد إننا نجد بينهم كتابا يكتبون الرسائل ويكتبون الوحي، وقد جعل المسلمون فداء من أسر في بدر أن يعلم عشرا من أبناء المسلمين الكتابة في المدينة، وتعلم المسلمون الأوائل اللغات الأخري كالسريانية، وأنشأ المسلمون الأوائل الدواوين وأسسوا لعلوم الحساب، ولما توسعت ديار المسلمين بدأت العلوم في التأسيس واعتمدت في ذلك علي الكتابة والإملاء ونشأت في فروع المعرفة كلها علوم المسلمين الأوائل بما في ذلك الترجمة عن الحضارة اليونانية، وكان العباسيون يجعلون مقابل كل كتاب يتم ترجمته من اللغات الأخرى وزنا من الذهب.
ومسألة تأبير النخل التي اقترح فيها النبي على زارعي النخل أن لا يؤبروه وأنه سيكون جيدا، فلما مر عليهم بعد قالوا إن النخل لم يثمر، فقال لهم أنتم أعلم بشئون دنياكم” وهنا أكد ضرورة العلم بشئون الدنيا جميعا وبعلومها كلها، واتخذ المسلمون الأوائل ومن بعدهم علومهم في العسكرية والجيوش وكانوا ينافسون الدينا كلها في ذلك قبل أن تخمد همتهم ويركنوا إلى الكسل والراحة وعدم المسابقة مع بقية الأمم في التعلم والعلم.
إن أمة اقرأ لا تقرأ وإن أمة فاعلم “لا تعلم، وتخرج منها دعوات كتلك ترفض التعليم والسبق فيه وتدعو إلى الجهل وترك معاهد العلم والتعلم، هذه دعوات لجماعات غالية متشددة ترفض التعامل مع أدوات العصر والمسابقة في مضمار التقدم والعلم، ولذا كانت نهاية شكري وقادة جماعته على حبل المشنقة، وما لبثت تلك الجماعة أن غادرها أتباعها، وذهبت في مهب الريح “كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”.