منوعات

الإرهاب القادم من جمهوريات آسيا الوسطى.. الأسباب والدوافع والسيناريوهات(2-2)

تأليف: إدوارد ليمون وفيرا ميرونوفا وويليام توبي

ترجمة: أحمد بركات

يمكن أن تلعب جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة عن الاتحاد السوفيتي الغابر دورا محوريا وثيق الصلة بتهديدات الإرهاب الكيميائي أو البيولوجي أو الإشعاعي أو النووي من عدة طرق. أولا، لأن المنطقة كانت موطنا لأنشطة إنتاج واختبارات مهمة في الحقبة السوفيتية، وهو ما يجعلها مصدرا محتملا لهذه المواد. ثانيا، لأن كثيرا من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة جاءوا من المنطقة، فإن هؤلاء الذين سيبقون على قيد الحياة بعد انتهاء الصراع في سوريا والعراق قد يعودون إليها محملين بخبرات تتعلق بتصنيع واستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، وبدوافع عدمية تتعلق بالموت أكثر مما تتعلق بالحياة اكتسبوها من حياة القتال ضمن صفوف تنظيم الدولة. ثالثا، لأن المنشآت الروسية الكبرى والحساسة تقع على مقربة من منطقة آسيا الوسطى، ونظرا لتداخل الحدود وسهولة اختراقها نسبيا، فإن جمهوريات آسيا الوسطى يمكن استخدامها كملاذ أو نقطة عبور للاستفادة من أي سرقات من المنشآت الروسية. فعلى سبيل المثال، تقع مدينة أوزيرسك المغلقة – التي تحتوي على إحدى أكبر المنشآت الروسية المرتبطة بالسلاح النووي وتضم كميات كبيرة من المواد الانشطارية – على مسافة أقل من 175 ميلا من الحدود الروسية مع كازاخستان، التي تعتبر أطول حدود برية متجاورة في العالم.

نتيجة بحث الصور عن الحدود الروسية مع كازاخستان

في الفصل الرابع من الدراسة التي حملت عنوان “جهاديو جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة…أين هم، ولماذا يتشددون؟ وما هو القادم؟” ، وصدرت في ديسمبر 2018 عن مركز بيلفر للعلوم والشئون الدولية التابع لجامعة هارفارد كيندي بالولايات المتحدة الأمريكية، يقارب الباحثون إدوارد ليمون، زميل معهد DMGS-Kennan في كلية دانيل مرجان للدراسات العليا، وفيرا ميرونوفا، الباحثة في قسم الاقتصاد بجامعة هارفارد، وويليام توبي، الزميل في مركز بيلفر للعلوم والشئون الدولية، سؤالا مهما حول حجم التهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية التي يمكن أن يشكلها مقاتلو آسيا الوسطى العائدون من سوريا والعراق بعد الهزيمة العسكرية التي مُني بها تنظيم الدولة الإسلامية (ولو إلى حين)، وخسر على إثرها أكثر من 90% من الأقاليم التي كانت تقع تحت سيطرته.
ويقدم موقع “أصوات أونلاين” ترجمة مختصرة لهذا الفصل الذي جاء في الدراسة تحت عنوان: Central Asian Nuclear, Chemical and Biological Threat Vectors.

آسيا الوسطى كمصدر محتمل للتهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية
تمثل دول كازاخستنان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمنستان وأوزبكستان جميعا أطرافا في اتفاقيات الأسلحة البيولوجية والكيميائية ومعاهدة منع انتشار السلاح النووي، التي تحظر عليها امتلاك مخزونات من الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية. في هذا السياق، لا توجد أي دعاوى حالية تفيد أن أيا من هذه الدول تنتهك أيا من بنود هذه المعاهدة. لذا، فإن التهديد الإقليمي بتحويل أو سرقة أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية، أومواد من برامج حالية ربما يتراءى لبعض المراقبين على أنه في غير محله.

نتيجة بحث الصور عن الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية

لكن آسيا الوسطى كانت موطنا لأنشطة سلاح نووي مهمة من الحقبة السوفيتية. فقد قام السوفيت باستخراج وتصنيع 10000 طن يورانيوم في طاجيكستان. وأطلقوا أكثر من 450 انفجارا نوويا في مدينة سيميبالاتينسك، في كازاخستان. وجاءت نتائج حوالي عُشر هذه الاختبارات متراجعة إلى درجة كبيرة، وهو ما يجعل المواد الانشطارية المتروكة “قابلة للاسترداد بسهولة” إذا توافرت لدى الإرهابيين المعرفة والدوافع الكافيين للحصول عليها. خلفت السلطات السوفيتية أيضا في كازاخستان 600 كيلو جرام من يورانيوم مخصب بنسبة 90% – غالبا على شكل كتل معدنية وكريات أكسيدية – يكفي لصناعة ما يزيد عن 20 سلاحا نوويا في محطة أولبا التعدينية غير الآمنة، ووقودا مستهلكا يحتوي على 10 أطنان من اليورانيوم عالي التخصيب، و3 أطنان من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة في منشآة غير آمنة نسبيا في أكاتو عى شاطيء بحر قزوين.
إضافة إلى ذلك، كانت منطقة آسيا الوسطى مسرحا لأنشطة أسلحة بيولوجية سوفيتية. فجزيرة فوزروزدنيا (وهي موقع اختبار أسلحة بيولوجية تمتد بين أوزبكستان وكازاخستان) – على سبيل المثال – هي أكبر مكان في العالم لدفن نفايات عامل الأنثراكس “الجمرة الخبيثة”. وفي عام 1988، قام العلماء والفنيون السوفيت بنقل مئات الأطنان من هذه المادة المميتة من أماكن إنتاجها في سفيردلوفسك إلى هذه الجزيرة، وذلك للتغطية على برنامج الأسلحة البيولوجية السوفيتية المحظور. علاوة على ذلك، توجد محطة إنتاج أسلحة بيولوجية سوفيتية، من بين ست محطات أخرى على الأقل، في مدينة ستيبنوجورسك في كازاخستان (وهي المحطة الوحيدة التي تقع خارج روسيا) كانت تمتلك القدرة على إنتاج 300 طن من عامل الأنثراكس في 220 يوما.
ومع انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، انتقل هذا الركام القاتل إلى جمهوريات آسيا الوسطى الوليدة. ورحبت حكومات هذه الدول بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية للحد من هذه التهديدات النووية والبيولوجية، وهو ما تبعه تفاؤل كبير بنجاح اتفاقات حظر انتشار السلاح النووي، خاصة عندما دخلت موسكو دائرة التعاون في مقابل الحصول على وقود مفاعلات عالي التخصيب ومستهلك من مفاعلات الأبحاث في آسيا الوسطى.

نتيجة بحث الصور عن الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية

قامت الإدارة الوطنية الأمريكية للأمن النووي أيضا بتمويل جهود ضخمة لإعادة تعبئة ونقل وقود مستهك من مفاعل BN-350 في أكتاو إلى موقع تخزين آمن في شمال شرق كازاخستان تم الانتهاء من بنائه في عام 2010. كما سهلت الولايات المتحدة تفكيك المنشآت البيولوجية في ستيبنوغورسك، ومعالجة مواقع دفن نفايات عامل الأنثراكس في جزيزة فوزروزدنيا، ونشر تدابير حماية في كازاخستان وأوزبكستان.
بهذه الطرق، وبغيرها، نجحت الجهود الدولية في نهاية المطاف في القضاء على مخاطر الموروث النووي والبيولوجي الذي خلفه الاتحاد السوفيتي الغابر، وتأمينه بقدر كبير حتى لا يتحول إلى سلاح سائغ في يد الإرهاب الدولي.
رغم ذلك، لا تزال آسيا الوسطى تمثل منطقة غنية بالمصادر الإشعاعية، التي يمكن توظيفها – في حال سرقتها – في هجمات إرهابية غير تقليدية. إذ لم تخضع هذه المصار لمعالجات الجهود الدولية، مثلما حدث مع المواد النووية والبيولوجية، نظرا لاستخدامها في أغراض صناعية وطبية. ويجري حاليا استخدام ما يقرب من 1000 مصدر إشعاعي من فئة 1 – 3 في آسيا الوسطى، أغلبها في كازاخستان. ونظرا لوجود هذه المصادر في مستشفيات وجامعات ومواقع صناعية، فإنها لا تتمتع بالحماية والتأمين الكافيين شأنها شأن المنشآت النووية.

المقاتلون العائدون كمصدر للتهديد الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي
لا شك أن مصير مقاتلي آسيا الوسطى الذين عانوا مرارات الهزيمة ضمن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من جماعات العنف سيلعب دورا محوريا في قدرتهم على ممارسة نشاط كيميائي وبيولوجي وإشعاعي ونووي مرتبط بتنظيم الدولة.

صورة ذات صلة

فمن عام 2014 إلى 2017، نجح تنظيم الدولة في إنتاج أسلحة كيميائية واستخدامها في 37 هجوما منفصلا، لكن تاريخ حروب تنظيم الدولة لم يحتفظ له في سجله سوى بمرة واحدة فقط تمكن فيها من نقل سلاحه الكيميائي إلى خارج حدود العراق أو سوريا؛ وكانت هذه المرة إلى أستراليا. رغم ذلك، ليس ثمة دليل يعول عليه على مشاركة متعاونين من آسيا الوسطى.
قامت أيضا عناصر من تنظيم الدولة بمراقبة منزل مسئول نووي في بلجيكا؛ رغم أن الهدف الحقيقي من هذا العملية لا يزال غامضا حتى الآن. وفي عام 2015، ألمحت مجلة “دابق” – المجلة الرسمية التي تصدر عن تنظيم الدولة – عبر إحدى مقالاتها إلى اهتمام التنظيم بالإرهاب النووي، حيث ورد فيها: “اسمحوا لي أن أطرح عملية افتراضية على الطاولة. إن تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك مليارات الدولارات في المصارف، لذا فبإمكانه أن يطلب من ولايته في باكستان شراء سلاح نووي من تجار السلاح الذين تربطهم علاقات وثيقة بالمسئولين الفاسدين في المنطقة. بعد ذلك، يتم نقل السلاح برا حتى يصل إلى ليبيا، حيث يقوم المجاهدون بنقله جنوبا إلى نيجيريا”.
رغم ذلك، لم يتم الكشف عن مؤامرات أو استعدادات مادية ملموسة من قبل تنظيم الدولة للحصول على سلاح أو مواد نووية. علاوة على ذلك، حتى في عام 2015، عندما كان تنظيم الدولة يهيمن على أقاليم وشعوب وموارد تفوق بكثير ما هو عليه اليوم، يخلص كل من ديفيد أولبرايت وسارة بيركهارد إلى أنه “لا يجب أخذ تشدق داعش وخيالاته بشأن قدرته على امتلاك سلاح نووي بسهولة على محمل الجد”. ففي الموصل العراقية، سيطر تنظيم الدولة على منشآت كانت تحوي مصدري إشعاع كوبالت – 60 كبيرين، لكنه على الأرجح لم يكن على دراية بحقيقة ما يمتلكه، وتركته عناصره المسلحة في نهاية المطاف دون أن تتعرض له.

صورة ذات صلة

لا يوجد إذا أي دليل ملموس على أن مقاتلي تنظيم الدولة الشرق أسيويين الفارين من منطقة الشرق الأوسط مشاركون بأي قدر في أنشطة التنظيم الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية أو النووية في سوريا أو العراق، أو أنهم اضطلعوا بشيء من هذه الأنشطة بعد مغادرتهم الأقاليم التي كانت خاضعة لتنظيم الدولة، وهو ما يعني أن عودتهم إلى مواطنهم الأصلية لا تحمل معها نذر تهديد حقيقي بنقل الإرهاب الكيميائي أو البيولوجي أو الإشعاعي أو النووي.

قرب المنشآت الروسية الحساسة من آسيا الوسطى

تنتشر الكثير من جزر روسيا النووية عبر جبال الأورال. كانت هذه المواقع قد تم اختيارها في الأساس من قبل البوليس السري الستاليني لعزلتها التامة، وهو ما يجعلها منطقة آمنة لهكذا أعمال. تضم هذه المنشآت الضخمة مواد انشطارية تكفي لصناعة آلاف الأسلحة النووية في مئات المباني. لكن هذه المدن المغلقة لم تعد جزءا لا يتجزأ من دولة بوليسية استبدادية، وإنما تواجه الآن تغيرات ديموغرافية وأيديولوجيات ناشئة قد تقوض أمن هذه المنشآت. ووفقا لما أورده أليكسي مالاشينكو وأليكسي ستاروشين، الباحثان في مركز كارنيغي موسكو: “كانت هناك تغيرات جذرية في تركيب وتوزيع السكان المسلمين في روسيا في فترة حكم الرئيس فلاديمير بوتين. ومع انتشار المد الإسلامي في منطقة الأورال الاتحادية، تشهد الحياة الدينية والسياسية تطورات كبيرة. يرجع هذا التمدد بدرجة كبيرة إلى نزوح المهاجرين المسلمين من آسيا الوسطى والقوقاز، حيث جلب بعض المهاجرين معهم روح الراديكالية الدينية، وهو التحدي الذي يتطلب جهودا رسمية أكثر فاعلية”.
وبينما يثير تهديد إمكانية نقل مواد مسروقة من روسيا إلى آسيا الوسطى أو استخدامها في أماكن أخرى لأغراض إرهابية مخاوف لا يمكن تجاهلها، إلا أنه لا يوجد، حتى الآن على أقل تقدير، اي دليل على وجود مخطط من هذا النوع. لكن روسيا تشكل منطقة جذب للملايين من مواطني آسيا الوسطى للعمل بها كعمال موسميين أو حرفيين، ويتواجد كثير منهم في روسيا بطريقة غير شرعية. وبسبب هذا الوضع، يتعرض هؤلاء العمال لأبشع صنوف الاستغلال من قبل أصحاب الأعمال، وهو ما يجعل خبرتهم في المهجر تعزز روح التطرف لديهم. وبينما لا يوجد أي شكل من أشكال الاتصال المباشر بين هؤلاء العمال والمواد المستخدمة في صناعة الأسلحة، إلا أنهم يمكن أن يشكلوا شبكة يمكن استخدامها من قبل عناصر في الداخل لتهريب مواد مسروقة إلى خارج روسيا لتصنيع السلاح، أو لنقلها إلى منطقة أخرى. وكما أشرنا سلفا، فإن مدينة أوزرسك المغلقة لا تبعد عن الحدود الكازاخستانية أكثر من 170 ميلا. وبوجه عام تمثل السرقات من هذه المنشآت (أغلبها سرقات غير نووية) نشاطا متكرر الحدوث. إضافة إلى ذلك، فإن تهريب الأسلحة والمخدرات في هذه المنطقة شائع إلى الحد الذي يجعله “يهدد بتقويض التنمية في آسيا الوسطى”، كما يقول أحد الباحثين. وقد نجحت السلطات في منع الاتجار بالمصادر الإشعاعية القادمة من روسيا داخل كازخستان، رغم أن أهداف عمليات التهريب لا تزال غير واضحة.

نتيجة بحث الصور عن الإرهاب القادم من جمهوريات آسيا الوسطى

 

التقييم النهائي
مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وجدت جمهوريات آسيا الوسطى نفسها تمتلك مخزونا هائلا من المواد والمنشآت الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. إلا أن جهود الحد من تهديدات هذه المواد التي بذلتها الحكومة الأمريكية وحكومات جمهوريات آسيا الوسطى قد قضت تماما، أو قللت – على أقل تقدير – من خطورة الأمر. إضافة إلى ذلك، فإن الجماعات الإرهابية التي نجحت في الحصول على أسلحة أو مواد كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو نووية من شأنها أن تسعى إلى أهداف أكثر إدرارا للربح من جمهوريات آسيا الوسطى.
رغم ذلك، يبقى من غير المستبعد أن يتم نقل أي مواد مسروقة من روسيا إلى آسيا الوسطى تمهيدا لإعادة شحنها أو تصنيعها على هيئة أسلحة قابلة للاستخدام. كما أن الانتشار الدولي لآلاف المقاتلين من جمهوريات آسيا الوسطى في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية قد يشكل تهديدا أمنيا بالغ الخطورة. لذا يجب أن تخضع أنشطتهم لمتابعة دقيقة لضمان عدم محاولتهم الاستفادة بما لديهم من معلومات وخبرات عن تدشين هجمات كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو نووية ربما اكتسبوها من قتالهم ضمن صفوف تنظيم الدولة في سوريا والعراق. كما يجب توخي الحذر الدائم واليقظة المستمرة في تأمين المنشآت الحساسة.
وأخيرا، فإن المعلومات المتاحة حتى الآن تشير إلى أن نقل التهديدات الكيميائية والبيولوجية وغيرها إلى دول آسيا الوسطى لا يشكل خطرا وشيكا سواء داخل المنطقة أو خارجها.

يمكن الاطلاع على النص الأصلي للدراسة كاملة من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock