منوعات

كيف أصبح الحوثيون شيعة؟ (2 – 2)

يعرض الجزء الثاني من الدراسة التي حملت عنوان How the Houthis Became Shi’a “كيف أصبح الحوثيون شيعة ” للباحثتين، أنا جوردون، الباحثة في كلية زانفيل كريجر للفنون والعلوم، وسارة باركينسون، أستاذ مساعد العلوم السياسية والسياسات الدولية في جامعة مينيسوتا، لتطور الصراع داخل اليمن مع تصاعد حدة الخطاب العدائي من قبل النظام اليمني ضد الحوثيين، والذي حدا بالسفارة الأمريكية في صنعاء إلى إرسال العديد من البرقيات إلى العاصمة واشنطن لاستيضاح طبيعة العلاقة بين الحوثيين والمذهب الإثنى عشري.

أكدت هذه المستندات على إصرار عبدالله صالح على اتهام الحوثيين خطأ – وفقا لرسائل السفارة – بأنهم يشكلون منظمة طائفية إرهابية ذات صلة بطهران وعملائها بالخارج، وعلى رأسهم حزب الله في لبنان. وقد أوردت الدراسة نص إحدى البرقيات، وجاء فيها:

مع استمرار تصاعد التوتر في صعدة بين قوات الحكومة اليمنية والحوثيين، كثف المسئولون الحكوميون اليمنيون الذين يتطلعون إلى الحصول على الدعم الغربي تصريحاتهم التي تؤكد أن الحوثيين لديهم قوات مشتركة مع حزب الله، وأنهما يتشاركان الأيديولوجية نفسها، ويؤكد المسئولون أنه يتعين على الحكومة الأمريكية وضع الحوثيين على قدم المساواة مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية … وقد أخبرنا وزير الدفاع اليمني، اللواء أحمد الأشول بأن الحوثيين “هم إيران، وهم حزب الله. إنهم يتشاركون العقدة والأيديولوجيا نفسيهما(1).

كما تفصل تقارير مجموعة الأزمات الدولية بشأن القتال في صعدة جهود الحكومة اليمنية من أجل وضع الحوثيين في مربع واحد مع إيران وحزب الله، وقد أشار أحد هذه التقارير إلى أنه “وفقا للرواية الرسمية اليمنية، يدعو الحوثيون إلى عقيدة دينية أصولية تعكس التحول من الزيدية المعتدلة إلى الجعفرية (الإثنى عشرية)”، وقد حاولت الحكومة أن تضع ظهور الحوثيين في سياق الثورة الإيرانية(2).

كما يذكر تقرير مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي عام 2010 أن الحكومة اليمنية سعت إلى “ربط التمرد بالحرب على الإرهاب، وكسب تأييد دولي من خلال التأكيد على حصول  الحوثيين على دعم من ليبيا العلمانية، وتنظيم القاعدة السني الراديكالي، وحزب الله اللبناني وإيران الشيعية”. ويضيف التقرير “لم تقدم الحكومة اليمنية أي أدلة على حصول الحوثيين على دعم عسكري من الخارج، كما لم تثبت مزاعمها بشأن التدخل الإيراني في الصراع”(3).

ثم جاء الربيع العربي ليزيد من تعقيدات الموقف. ففي أعقاب الاحتجاجات الجماهيرية الموسعة التي اجتاحت عددا غير قليل من البلدان العربية على مدى عام 2011، خرج صالح من السلطة كجزء من اتفاق مجلس التعاون الخليجي وتم تعيين هادي في مكانه. على إثر ذلك تشارك صالح والعناصر الموالية له (أغلبهم من الزيديين) مع الحوثيين في تشكيل جبهة معارضة للنظام الجديد.

وعن طريق الحشد الشعبي الذي ضم عناصر مسلحة وأخرى سلمية، تمكنت هذه القوات الموحدة من السيطرة على صنعاء، ثم إجبار هادي على الاستقالة بحلول يناير 2015. في أعقاب ذلك فر هادي إلى مسقط رأسه في عدن، حيث أعلن تراجعه عن الاستقالة، واتهم الحوثيين بالانقلاب. بعد ذلك اتجه إلى المملكة العربية السعودية.

عاود خطاب موالاة الحوثيين لحزب الله وإيران الظهور مجددا بصورة أكثر حدة في بعض وسائل الإعلام المحلية باللغة الإنجليزية، بما في ذلك صحيفة Yemen Post، التي تمتلك مكاتب في كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. رغم ذلك، تسوق الدراسة العديد من الأدلة على أنه حتى هذه الصحيفة كانت تشكك قبل ذلك في هذا الخطاب(4).

وفي مارس 2015، قامت المملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية الأخرى بالتدخل عسكريا في اليمن لإعادة تنصيب هادي على سدة حكم البلاد، وضرب الحوثيين وقوات صالح بدعوى أنها ميليشيا شيعية مدعومة إيرانيا، وهو ما أسفر عن مقتل 4971 من المدنيين وجرح 8533 آخرين، وتدمير أجزاء كبيرة من صنعاء(5). ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن الحصار البحري قد خلف أكثر من 20.7 مليون يمني (من إجمالي 28 مليون) في حاجة إلى معونات إنسانية، و17 مليون يواجهون خطر الموت جوعا(6).

ورغم قيام الإيرانيين بتكثيف تدخلهم في الشأن اليمني بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، وتصعيد حدة الخطاب ضد السعوديين بدءا من عام 2015، فإن حجم الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين لا يزال يتعرض للتضخيم من قبل دوائر إعلامية وسياسية(7). ولا يزال خبراء في الشأن اليمني، مثل شيلا كارابيتشو في عام 2016 وغيرها، يؤكدون أن الحوثيين “يحصلون على دعم معنوي من إيران، لكن أحدا لم يثبت حصولهم على دعم مادي”(8).

إن برامج تدريب وتسليح الحوثيين، بما في ذلك تلك التي تقدمها قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، كانت ولا تزال – وفقا للدراسة – محدودة؛ فقد حصل الحوثيون على أغلب أسلحتهم الثقيلة من قوات صالح، وليس من إيران(9).

تخلص الدراسة إلى أن التأطير للحوثيين على أنهم شيعة هو في حقيقته جزء من خطاب سياسي تمت صياغته بحنكة لتسليط الضوء على فروق مهمة بين طائفتين دينيتين، ولتعزيز صورة مزيفة لحرب مذهبية بين فريقين يصنف أحدهما على أنه سني، والآخر على أنه شيعي، ولتشجيع التدخل العسكري الأجنبي، وبخاصة الأمريكي.

كما يقدم هذا التأطير صورة ذهنية مبتورة يرسمها صانعو السياسات الذين لا يعرفون الكثير عن التاريخ والسياسة اليمنية، ويصرف الانتباه عن الأزمة الإنسانية المستفحلة التي خلفتها سنوات الحرب الأهلية، والحصار والقصف الذي يمارسه التحالف الذي تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة الأمريكية. وبعبارة موجزة، فإن الاستخدام الخبيث للغة الطائفية يصور الصراع في اليمن على أنه جزء من صراع تاريخي إقليمي، وليس حربا أهلية محلية.

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock