لم يتخيل الروائي الشهير جورج أورويل أن المصطلحات التي ضمنها رواياته للتعبير عن نبؤاته السوداوية عن المستقبل (أدب الديستوبيا)، مثل “Doublethink” (الخرق المتعمد لكل ما هو عقلاني) و”Newspeak” (اللغة التي تخضع للهيمنة الأيديولوجية) ستتحول في عصر الإنترنت والاتصال الفائق “Super-Connectivity” إلى فنون متطورة تسيطر على حياتنا بشكل كامل.
في هذا السياق يواصل الكاتب البريطاني كاميرون لوكس استعراضه لأبرز المصطلحات التي طفت على السطح في الآونة الأخيرة، وغدت تحكم واقعنا وتوجه حركة حياتنا.
Deletion (الحذف)
من المرجح أن تُتداول هذه الكلمة على نطاق أوسع في العقود القادمة، حيث يدرك مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي أن المواقع التي يرتادونها ليست منصات محايدة للتفاعل الاجتماعي، وإنما تمثل نوعا من ’صائدات الذباب‘ التي يعلق بها مستخدموها، ويهبونها جميع بياناتهم الشخصية.
تشير كتابات كثيرة إلى أن هذه المواقع تم تصميمها خصيصا لتشكل نوعا من الإدمان الإلكتروني، وتعرض هذه الكتابات للحيل النفسية ’الشيطانية‘ التي تستخدمها شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون (عاصمة التكنولوجيا الرقمية في العالم التي تقع في ولاية كاليفورنيا الأمريكية) ضد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
من بين هذه الأدبيات كتاب Hooked: How to Build Habit-Forming Products، الذي نُشر في نهاية عام 2014، ويكشف فيه نير إيال عن مدى نجاح شركات التكنولوجيا في تقديم منتجات يدمنها المستهلكون.
لكن المشاركة الأبرز في هذا السياق تعود إلى جارون لانير – أحد رواد الإبداع الرقمي في العالم، وأحد مؤسسي وادي السيليكون – الذي يسلط الضوء على كثير من المشكلات الخطيرة المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عبر كتابه Ten Arguments for Deleting Your Social Media Account Right Now، الذي نشر في نهاية مايو 2018.
من جانبه، يؤكد لانير أن المشكلة الأكثر وضوحا تتمثل في كثرة البحوث التي تؤكد أن وسائل الاتصال الاجتماعي تجعل الناس غير سعداء. أما الحل الذي يقترحه فهو – ببساطة – “قم بإلغاء الحساب الخاص بك”.
Autofiction (فن الرواية الذاتية)
هو نوع من الكتابة الأدبية الذي يجمع بين فني السيرة الذاتية والرواية، ولا يمانع في أن يتجاوز الحدود إلى جميع الأنواع الأدبية الأخرى. صُك هذا المصطلح في العالم الأدبي الطليعي في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، لكنه أصبح ينطبق على الرواية المعاصرة التي تهيمن عليها ذاتية المؤلف (وتتنافى مع الموضوعية بطبيعة الحال)
ينتمي إلى هذا التيار الروائية الأمريكية كريس كروس – التي تصنف روايتها I Love Dick (1997) على أنها واحدة من كلاسيكيات الأدب النسوي قبل أن تتحول إلى مسلسل تليفزيوني في عام 2017 – والكاتبة الأمريكية ماجي نيلسون، والروائي الألماني وينفريد جورج سيبالد، والروائية الكندية شيلا هيتي، وغيرهم.
أثر هذا النوع من الكتابة بدرجة عميقة على المخرجة الأمريكية لينا دونهام، التي أخرجت المسلسل التليفزيوني Girls، وهو ما تمخض عنه ظهور ما يعُرف بـ “التليفزيون الاستبطاني”، الذي يقوم على الإغراق في الذات، بديلا عن المجتمع.
ويرى منتقدو هذا النهج أنه يعمد بقوة إلى تجاهل التاريخ، فضلا عن أنه يتسم بالنرجسية الشديدة التي أدت إلى خلق ما يعرف بجيل “الأنا” (Me Generation).
Coping, Hoping, Doping, Shopping (المواجهة والأمل والإدمان والتسوق)
في الآونة الأخيرة تتعرض الرأسمالية المتهالكة العجوز لحملات هجوم ضارية من الغالبية الغالبة من الكُتاب والمفكرين. من أبرز هؤلاء عالم الاجتماع الألماني، وولفجانج ستريك، الذي يؤكد في كتابه How will Capitalism End? Essays on a Failing System – المنشور في نوفمبر 2017 – أن الرأسمالية العالمية ستواجه أوقاتا عصيبة في القرن الحادي والعشرين جراء طبيعتها غير العادلة وغير الإنسانية، وهو ما سيجعلنا نعيش بين حطامها وسط حالة من اليأس القاتل.
ويخلص ستريك إلى أن خياراتنا الحياتية تتقلص تدريجيا في منظومة تقوم على أربعة محاور، هي المواجهة (المحاولة والعمل) والأمل (لأننا بشر على قيد الحياة، وليس أمامنا خيارات أخرى) والإدمان (المخدرات والكحول والمقامرات ووسائل التواصل الاجتماعي) والتسوق (الاستهلاك بلا هوادة).
Gaslighting (التشكيك في القدرات العقلية)
في فيلم Gaslight الذي عرض في عام 1944، للمخرج الأمريكي جورج كوكور، يحاول بطل الفيلم أن يقنع زوجته (الممثلة إنجريد بيرجمان، التي حصلت على جائزة Academy Award كأحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم) أنها تعاني من لوثة عقلية، وذلك من أجل إيداعها إحدى المصحات العقلية والاستيلاء على أموالها.
تعكس هذه القصة جوهر الصراع حول طبيعة الحقيقة: هل هناك حقائق مادية ملموسة، أم أن الحقيقة تعتمد فقط على الإدراك العقلي؟
تريلر فيلم Caslight )1944)
غدا اصطلاح Gaslighting كلمة متداولة تعبر عن التلاعب النفسي الذي يهدف إلى غرس بذور عدم اليقين في نفس فرد مستهدف، أو أعضاء جماعة مستهدفة، بغرض إثارة شكوكهم حول قدراتهم العقلية، ومن ثم زعزعة معتقداتهم وثوابتهم، تمهيدا للقضاء عليها نهائيا.
واليوم، مع الجهود الجبارة من ماكينة الإعلام والدعاية والعلاقات العامة للتعتيم على الحقيقة وخطف عقولنا والتحكم فيها بشكل مباشر، ومع إصرار محترفي السياسة على إنكار الحقيقة من الأساس، أصبحت هذه الكلمة تنطبق على استخدامات جديدة أشد خطرا.
Shadow Banking (صيرفة الظل)
يشير جون لانشيستر في مقالة أكاديمية حديثة نشرتها دورية London Review of Books في بداية شهر يوليو 2018، بعنوان After the Fall إلى أن صيرفة الظل تأتي على رأس قائمة المخاوف المتعلقة بالنظام المالي العالمي. ويؤكد أننا بحاجة إلى فهم اللغة المكتظة بالمصطلحات التي تستخدمها النخبة الاقتصادية، وإلا فستفرض علينا هذه النخبة القواعد الخاصة بها.
تتألف صيرفة الظل (أو النظام المصرفي الموازي) من كافة المعاملات المالية التي تتم عبر مؤسسات لا تحوز رخصة صيرفة رسمية، ولا تخضع لإشراف ورقابة الهيئات الحكومية، ومن بين هذه المؤسسات شركات بطاقات الائتمان، وشركات التأمين، وموقع باي بال، والمؤسسات الموجودة داخل البنوك لإجراء عمليات الاقتراض والسداد بين البنوك.
لا أحد يعلم على وجه التحديد الحجم الحقيقي لمعاملات قطاع صيرفة الظل، لكن تقديرات أخيرة تشير إلى أن هذه المعاملات تبلغ 160 تريليون دولار. ورغم تورط هذا القطاع بقوة في الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في عام 2008، إلا أن تغييرا لم يمسه منذ ذلك الحين.