إلى أي مدى يمكن أن يؤثر مرور الوقت في اتخاذ قرار التسامح؟، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر الوحدة في نفس القرار؟ هل يمنع اختلاف اللغة والجنس والانتماء السياسي التواصل الإنساني بين شخصين لاجئين من بلدين فرقت بينهما الحرب والمنازعات السياسية؟ ماذا لو أن كل منهما يشعر بأن بلد الأخر كان سببا في موت ابنه؟.
كل تلك المشاعرالمتناقضة، حاولت فرقة المسرح الكويتي تقديمها في عرضها “صدى الصمت” ضمن فاعليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر.
المسرحية التي أخرجها وشارك في بطولتها الفنان “فيصل العميري” اعتمدت على ما يمكن أن نطلق عليه “حوار الطرشان” لتوصيل رسالة التواصل والتسامح بدافع الوحدة والغربة بين الجارين اللاجئين عبر عرض اتسم بخفة الظل دون أن يخل بعمق المشاعر.
شارك العميري في البطولة سماح، وعبد الله التركماني، والنص من تأليف الكاتب العراقي الراحل قاسم المطرود.
العرض التجريبي الذي لا يخلو من بعض عناصر مسرح العبث، يبدأ بديكور بسيط لطاولة وبجانبها كرسيان يمثلان شقة الجارة، الكرسيان مع الطاولة استمروا هم عناصر تخيل المشاهد لتغير ديكور المشاهد طوال مدة العرض. في خلفية المسرح رجل مقعد، صامت لن يتكلم طوال العرض، وطبقا للنهاية المفتوحة للمسرحية ربما يمثل صورة لمؤلف النص أو المخرج وربما تجسيد لوحدة أبطال العرض، وربما كل ذلك.
يدخل “الدراماتورج” عبد الله التركماني، ليقدم لنا نفسه- مشيرا إلى أن دوره “المعالجة الفنية للعرض” سيقدم من المسرح وأنه سيكون صوت المؤلف في تنفيذ النص.
شخصية الدراماتورج ستبقى على جانب المسرح طوال العرض، تؤثر به وتتأثر به، ويقوم بتنفيذ كل المؤثرات الموسيقية بشكل مباشر، ويقوم في بعض الأحيان بإيقاف المشهد لإعادة تنفيذه، ومناقشة الممثلين في تصور مكان للمشهد.
الجاران اللاجئان، هم من بلدين ظلا في حرب لمدة طويلة، ويبدو أن المؤلف يشير إلى العراق وإيران، كل منهما يتحدث لغته وقليل من لغة البلد الذي قبل لجوئهما، لكنهما أمامنا يتحدثان العربية، وفي نفس الوقت لا يفهم أي منهما الأخر، فينقطع التواصل ويتصل بينهما طوال مدة العرض سواء بالإشارة، أو بالفهم الخاطئ. وطوال العرض سيشار لهما بالجار والجارة بلا أسماء.
يوقف الدراماتورج العرض في بعض الأحيان لنجد الجارين فيصل العميري وسماح، بشخصية الممثل الذي يقوم ببروفة لعرض ما، واستطاع كل ممثلي العرض الخروج منه والدخول في صلبه ببراعة بين دورين متناقضين تماما خاصة في كيفية استخدام اللغة وإظهار المشاعر.
المأساة الإنسانية المتمثلة في مقتل ابن كل منهما يمكن اعتبارها الخيط الواصل بينهما وهي أيضا سبب شعور كل منهما بالكره والنفور في بعض الأحيان للآخر.
لكن مشاعر الوحدة التي يعاني منها كل منهما كانت سببا في بقاء كل منهما بجانب الآخر، حتى يقرر الجار، أن يعطي جارته خاتما باعتبارها ليست مسئولة عن مقتل ابنه، وتقوم هي الأخرى بإعطاءه “كوفية” ابنها كتعبير عن التسامح.
العميري وسماح، قدما دورهما ببساطة “السهل الممتنع”، واستطاعا ايصال حالة التذبذب والتناقض التي يعاني منها أبطال العرض، ولم يخل أداؤهما من خفة الظل خاصة في التحول لممثلين أثناء البروفة ورغبتهما في التعديل على الدراماتورج
تقنية توقف العرض يستخدمها المخرج أيضا خلال عبر المؤثرات الصوتية التي يديرها “الدراماتورج”، لكي تكشف كل شخصية عن مكنوناتها وما تناجي به نفسها، في ظل عدم التواصل اللغوي. الصدفة التي دفعت الجار لزيارة جارته هي سماعة لدوي الرصاص من منزلها، لكنه لم يكن سوى صوت صادر من التلفزيون.
ينتهى العرض وقد تمكنت الشيخوخة والعجز من الجارين، دون أن يتعلم أي منهما لغة الآخر، كل منهما يتكلم في واد، وبوفاة الرجل العاجز، يفشل الدراماتورج في تكملة أحداث العرض ويخرج أبطاله من البروفة المتخيلة.