منوعات

الحس السياسي لدى الأطفال.. متى يبدأ؟ وكيف ينمو؟

متى يبدأ الحس السياسي لدى الأطفال؟ وكيف ينمو؟ متى يبدا تعرفهم على قيم مثل الحرية والعدالة والتوزيع المنصف للثروة؟ هل يراودهم في طفولتهم المبكرة حلم أن يصبح أحدهم روبن هود، يأخذ من الأغنياء ما يراه حقا للفقراء؟ علماء متخصصون في علم النفس كشفوا أن الأطفال لا يفكرون في تخصيص الموارد مثلا بنفس نهج الأفراد البالغين، سواء من المهيمنين أو المرؤوسين أو الأقل في المكانة المادية والاجتماعية، إذا ما أتيحت لهم الفرصة، وأن نزوعهم الفطري نحو المساواة يتزايد حتى في مرحلة سنية مبكرة جدا بين سن 5 و 8 سنوات.

هذه النتائج توصل إليها فريق من العلماء من جامعات فرنسية وسويسرية، عبر مشروع بحثي سعى لرصد كيفية تطور مفهوم المساواة لدى البشر منذ الصغر، وكيف ينمو إحساسهم بالعدالة من مرحلة سنية إلى أخرى. البحث كشف أن الأطفال يمكنهم في سن مبكرة جدا تمييز الفوارق بين الأفراد غير المتماثلين من ذوي السلطة و القوة و النفوذ والثروة من جهة، ومن هم في مرتبة أقل من المرؤوسين أو الأدنى في السلطة و المكانة المادية والاجتماعية. وهنا سعى البحث للتعرف على كيفية تصرف الأطفال تجاه هذا الترتيب غير المتماثل، هل ينحازون مثلا للفئة  المسيطرة وبالتالي يميلون إلى الحفاظ على الوضع الراهن؟ أم أنهم سيتعاطفون بشكل أكبر مع الفئة الأقل حظا، وبالتالي يكرسون شكلاً من أشكال المساواة؟ وكيف تتطور لديهم مثل هذه المواقف خلال الطفولة؟

سعى الفريق البحثي من علماء معهد مارك جانرود للعلوم الأدراكية وجامعة كلود برناد ليون وجامعتي لوزان و نيو شاتل في سويسرا إلى دراسة العلامات المبكرة لإدراك هذا الوضع السياسي لعينة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 8 سنوات عن طريق تجربتين: مهمة إعطاء موارد ومهمة أخذ موارد.

خلال التجربة الأولى، طلب العلماء من 173 طفلًا أن يشاهدوا مسرحية تتضمن سلسلة من التفاعلات بين اثنين من الدمى، فرض أحدها دائمًا إرادته على الآخر، حتى يعرفه الأطفال بأنه “الزعيم”, ثم أعطى العلماء كل طفل قطعة شوكولاتة كبيرة وقطعة شوكولاتة أخرى صغيرة، وشاهدوا كيف يقوم الطفل بتوزيع هذه الحلوى على كل دمية. كانت الغالبية العظمى من الأطفال في المرحلة العمرية من 3 إلى 4 سنوات تميل إلى الاستفادة من الدمية المسيطرة، وبالتالي تذهب قطع الشكولاتة الكبيرة بأيديهم إلى الطرف المهيمن، فيما تبدا هذه النزعة في التغير لصالح الدمى الخاضعة اعتبارا من سن الخمس سنوات، ويستمر هذا الميل في التصاعد حتى عمر 8 سنوات، لينحاز جميع الأطفال تقريباً إلى التعاطف مع تلك الدمى الخاضعة.

سمى الباحثون التجربة الثانية “نموذج روبن هود”، وخلالها شاهد الأطفال (132 منهم) مشهدًا مسرحيا يتضمن ثلاث شخصيات (أحدهم أخبر الآخرين بأنه “الزعيم”) يلعبون في الحديقة، بعدها يتلقى الزعيم (الطرف المهيمن) وواحد من المرؤوسين ثلاث عملات معدنية، في حين يحصل المرؤوس الثاني على عملة معدنية واحدة فقط، وطلب الباحثون من المشاركين أخذ عملة معدنية من إحدى الشخصيات الغنية وإعطائها لأفقر الناس. أظهرت هذه التجربة أيضا ذات التأثير الذي تم رصده في التجربة السابقة، فالأطفال الأصغر سناً يحمون موارد الشخص المهيمن بينما قام الأطفال الأكبر سنا يتعاطفون مع المرؤوسين ويمنحونهم الحلوى.

و رصد الباحثون أنه غالباً ما نجح الأطفال الأكبر سناً في شرح و تبرير اختياراتهم، لقد أعطوا الشيكولاتة الأكبر لدمية معينة “لأنها لا تختار قواعد اللعبة أبداً” أو “لأنها أسوأ حظا من الأخرى”. غير أن الأطفال الأصغر سنًا لم يتمكنوا من شرح تصرفاتهم، لأن التعرف على السبب ربما يتطلب مستوى أكبر من إدراكهم في هذه المرحلة السنية.

اقترح العلماء عدة عوامل لشرح الميزة النسبية الممنوحة للطرف المهيمن وفهم هذا الانعكاس للاتجاه مع التقدم في العمر. أولا، عادة ما يكون الأطفال الأصغر سنا أكثر اعتمادا على أولئك الذين لديهم سلطة أبوية، لذا تبدو هيمنة طرف ما أثناء العلاقات مقبولة بشكل جيد نسبياً، وقد يرغب الأطفال الصغار جدًا في اجتذاب موافقة المهيمن أو تجنب الدخول في نزاع معه, لكن رغبة الأطفال في التعويض عن عدم التماثل في الهيمنة تزداد مع ازدياد تعقيد واقعهم الاجتماعي كلما تقدموا في السن، وكلما زاد عدد المشجعين لديهم ازدادت الحاجة إلى مفهوم المساواة.

الدراسة تخلص إلى أن الأطفال يبدؤون في الانتباه إلى عدم المساواة في الوضع الاجتماعي عند سن حوالي 5 سنوات، ويصبح هذا الاتجاه ملحوظًا للغاية عند حوالي 8 سنوات، لكن هذا لا يعني في الوقت نفسه أن كل الأطفال في عمر 8 سنوات يميلون للانحياز للمساواة في جميع المواقف الاجتماعية. ويركز العلماء الآن على فهم تأثير النوع الاجتماعي وتأثير الثقافة على هذا الاتجاه لإجابة أسئلة مثل: هل يُنظر إلى الدمية الذكر على أنها أكثر هيمنة؟ هل الحساسية تجاه عدم المساواة أقل قوة في البلدان التي يكون فيها التسلسل الهرمي أكثر وضوحا من الناحية الثقافية؟.. وغيرها من التساؤلات.

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock