دار الكتب

تجديد الفكر الديني.. معوقات وإشكالات

في كتابه”تجديد الفكر الديني” الصادر عن دار بتانة في 596 صفحة، يعالج الكاتب والباحث نبيل عبدالفتاح قضية تجديد الفكر الديني، باعتبارها واحدة من أهم القضايا التي تشغل الفكر العربي المعاصر، لما لها من انعكاس وتأثير واضح في معالجة العديد من قضايا ومشكلات الواقع الإسلامي والعربي الراهن.

بحسب الكاتب، فإن ما نشهده من صدام جماعات الإسلام الراديكالي والسياسي مع الدولة الحديثة يؤكد أن ثمة علاقة مباشرة ما بين قضية التجديد التي تطرح تحت مسميات (تجديد الفكر الديني حينا، و تجديدالخطاب الديني حينا آخر) وبين التخلص من الأفكار الرجعية التي ساهمت في تكوين البنية الفكرية والعقدية لتلك الجماعات.

على عادته، يخصص الباحث الرصين مقدمته لضبط عدد من المصطلحات المتعلقة بعملية التجديد، شاع استخدامها في الأوساط العلمية والاعلامية والصحفية إلى حد أصابها بشكل من أشكال السيولة وإشاعة المعني، ولم يعد لها معان محددة منضبطة جامعة مانعة، على حد تعبير المناطقة، ومن بين هذه المفاهيم (التجديد، والخطاب، والإصلاح).

الجمود والتجديد

خصص الكاتب الباب الأول بعنوان: ما وراء جمود الفكر الديني وسؤال التجديد، لمناقشة ما اعتبره قضايا هامة تمثل أسباب ودوافع جمود الفكر الديني وعوامل التمنع والاستعصاء على عملية التجديد، تحت عناوين مختلفة، منها الخطاب الديني في واقع سياسي مضطرب، الإطار التاريخي لأزمة الفكر الديني الإسلامي،وما وراء الجمود الفكري، والتسلطية السياسية والدينية، وأزمة التعليم والإعلام والأمن وآثارها، اتساع السوق الديني وحرب الفتاوى الفضائية.

في الباب الثاني يناقش الكاتب أسباب استمرارية الجمود، التي رأى بعضها بمثابة متغيرات جديدة في المراحل التاريخية المختلفة. وتناول عبدالفتاح عددا من تلك الأسباب، من بينها التنافس بين المؤسسات الدينية الرسمية التي تستمد أهميتها من حاجة بعض النخب السياسية لاستقطابها في إطار الصراع والمنافسة على المشروعية والتأييد السياسي، ثم ثورة المعلومات التي أدت إلى خلق فضاءات جديدة للإفتاء الرجعي غير المعني بعملية التجديد، والثورة الرقمية التي فتحت المجال للتراث وجعلته في متناول الجميع، وأتاحت حريات واسعة للواقع الافتراضي، بالإضافة إلى فورات الغلو الديني والتشدد، وظهور اتجاهات أكثر راديكالية على الساحات الثقافية والإعلامية والدعوية تتبنى خطابات دينية محافظة ورجعية، بالإضافة إلى تسليع السوق الدينية مع انتشار ظاهرة ما يسمى بالدٌعاة الجدد على شاشات الفضائيات، وتواكب ذلك مع انتشار جماعات العنف المتطرفة التي تسببت في اسقاط دول واستقطاب أجيال من الشباب.

ابتداء من الباب الثالث يسوق الباحث عددا من المحاولات التي سارت في اتجاه التجديد، متناولا بالتحليل أسبابها ومكوناتها وسياقاتها، ومنها وثيقة الأزهر التي ظهرت في وقت تسود فيه حالة من الاستقطاب السياسي. وحسب عبد الفتاح، فإنه رغم أهمية الوثيقة التي أعادت الأزهر إلى الواجهة، وأكسبته مجددا ثقة جميع الأطراف إلا انها عكست في الوقت نفسه ما تعانيه هذه المؤسسة العريقة من خلل بنيوي يؤثر على كفاءتها في أداء الدور المنوط بها. وهنا يشدد المؤلف على أهمية دور السياسات التربوية في الوقاية من  التطرف، ما يستدعي المسارعة في إصلاح المنظومة التربوية والدينية التأويلية عبر إرادة سياسية تتبنى الإصلاح الديني والتربوي،وتعمل على تعزيز دور الثقافة الوطنية في مكافحة ظاهرة التطرف.

تشظيات الهوية

في الباب السادس يرصد المؤلف بعض مشكلات الفكر الديني والوضعي المعاصر، وانعكاسها على قضايا التجديد، ويحدد هذه المشكلات في حالة السيولة والاضطراب والتصدع التي تشهدها المجتمعات العربية في فترة ما بعد ثورات الربيع العربي،ومسألة الهوية وتشظياتها، والصراعات المذهبية، ووضع الأقليات الدينية في العالم العربي والمخاطر التي تحيق وتهدد مستقبل وجودهم. ويخلص الباحث إلى ضرورة معالجة عدد من القضايا الهامة في إطار تجديد الفكر الديني، وعلى راسها قضايا الحريات الدينية، وقضية المساواة والمواطنة، وإزالة أسباب العنف الديني والطائفي، وقضية التمييز سواء العرقي او الديني أو حتى على أساس النوع.

وفي النهاية، فإن الكتاب يمثل جهدا بحثيا جديرا بالمناقشة حول العوامل والأسباب المختلفة لمشكلات تجديد العقل والفكر الديني الوضعي، والمداخل المناسبة لمعالجتها، بالتركيز على بحث معمق للقضايا والإشكاليات والأزمات الممتدة المطروحة على العقل المصري والعربي والإسلامي.

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock