فن

عبد الكريم برشيد: المسرح الاحتفالي روح الإنسان العربي

المسرحي المغربي القدير عبد الكريم برشيد احتفى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر بتكريمه لسجله الحافل في مسيرة المسرح العربي، فضلا عن مشاركاته المتميزة  بالمهرجان. وهو هنا في حواره مع “أصوات” يشدد على ما يراه من أهمية بالغة لإعطاء المزيد من الاهتمام للنهوض بـ”المسرح الاحتفالي”، الذي يراه يمثل “روح الإنسان العربي واللحظة التاريخية”،  نظرا لما يمثله للجمهور من متعة وإمكانية للتفاعل الحر مع عروضه.

لحظة تكريم عبد الكريم برشيد بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر

ماذا يمثل لك تكريم مهرجان مسرح القاهرة التجريبي في يوبيله الفضي؟

لكل تكريم طعمه ومذاقه، بالطبع أعتز بهذا التكريم من المهرجان، ربما تكون هذه المرة الخامسة التي يتم فيها تكريمي بالقاهرة، منذ تكريمي في دورة 1984 للمسرح التجريبي، وبعدها التكريم في الدورة الأولى لمسرح المونودراما، وغيرها من أوجه تكريم أسعد بها كثيرا، خاصة عندما تأتي من مصر بكل ثقلها الثقافي وحضورها الفني.

وهل ما زلت تذكر زيارتك الأولى للقاهرة؟

جئت إلى القاهرة للمرة الأولى عام 1977 ومنذ ذلك الحين لم تنقطع زياراتي لمصر ومؤتمراتها ومهرجاناتها الفنية والمسرحية، بالطبع تغيرت القاهرة كثيرًا عما عرفتها في السنوات الأولى، قد يكون الزحام مع عدد الملايين من البشر التي تفتح لها القاهرة قلبها، مع الضجيج والصخب الذي أصبح إحدى سماتها. التغيير لم يقف عند حدود العمران فحسب، الحياة عامة كانت أكثر بساطة من راهن ما نعيشه.

إلى أي مدى ينعكس هذا التغيير على الإبداع؟

سنوات السبعينيات بالطبع كانت أجمل وأكثر بساطة وشفافية، التطور له ضريبته وما نعيشه الآن هو التطور عبر أدواته المعقدة كلها، التي أثرت على العالم كله ومن بينه القاهرة، التي طالما نظرنا إليها باعتبارها ملتقى للإبداع في كل مجالات الفن منذ مرحلة الستينيات والخمسينيات. نعيش الآن عصر السرعة، التي أراها عدوا للإبداع، الإبداع يتطلب التأني والصبر والوقت لميلاد منجز فني يتم نضجه على نار هادئة، ثقافة الاستهلاك هي السائدة الآن، وما نستهلكه اليوم نلقي به غدًا، ليس هناك وقت للإصلاح أو التجويد. في زمن المد العربي القومي بالستينيات كانت الرؤية واضحة والعدو واضح بالنسبة للإنسان العربي، وكانت هذه الرؤية حاضرة في كل مجالات الإبداع الثقافي والفكري.

عبد الكريم برشيد مع محرر أصوات

كيف ترى المسرح الاحتفالي اليوم؟

المسرح الاحتفالي هو مسرحنا العربي بكل تأكيد، مسرحنا العربي لا يمكن إلا أن يكون احتفاليًا انطلاقًا من أننا نعيش بشكل مختلف، جمهورنا وتراثنا واحتفالاتنا وأزياؤنا بالطبع تشير إلى هذا الاختلاف. المسرح الاحتفالي هو ذلك الذي يشبهنا ويليق بنا ويرتبط  بتاريخنا وتراثنا، الذي يحتاج دوما قراءة ورؤية جديدة نخاطب بها الجمهور ويشاركنا فيها، فالمتفرج هو من نكتب له ونخرج له، وعلينا أن نخاطبه بلغته التي يفهمها.

الاحتفالية هي روح الإنسان العربي واللحظة التاريخية، والثقافة هي ما نبدعه وما أبدعه الآخرون، والمسرح الاحتفالي موجود منذ الأزل بدءًا من المصري القديم وصولا إلى الحكواتي. ومشاركة الجمهور تبدأ بإعطائه فنا يتذوقه ويتجاوب معه، يأتي سجن الجمهور عبر وضعه في قفص مسرحي بتقديم ما هو غريب عنه وبلغة مسرحية لا يفهمها.

هل هناك ما يسمى بسلطة المسرح؟

سلطة المسرح على مستوى الشكل تأتي عبر المنصة والبناية التي تم استيرادها من الغرب، فالبناية الغربية قائمة على نوع من التراتبية، الجمهور في الأسفل والعرض في الأعلى، في حين أن الحكواتي الشعبي في تراثنا الثقافي ينقض هذه الفكرة، فهو جزء أصيل من الناس، ويقدم ما يهم الناس وما ينفعهم.

ما يتم تقديمه من تغريب عبر رموز ودلالات مختلفة، لا  يمكن أن يصنع تجاوب مقارنة بالمسرح الاحتفالي، الذي ينتمي إلى ما نسميه المسرح الشعبي.

هل صنع المسرح التجريبي والمعاصر أزمة مع المسرح الاحتفالي؟

في الواقع الحياة كلها سلسلة من الأفعال التجريبية، كلنا نشتغل على التجريب، المسرح كل فعله في النهاية تجريبي، والمسرح التجريبي يحمل العديد من المستويات، هناك تجريب منغلق على ذاته يهيئ في مختبرات مغلقة، وهو هم فردي للمجرب ويصنع مسافة بينه وبين الجمهور. المسرح التجريبي بمفهومه المنغلق والضيق هو مسرح بلا جمهور، وقد يكون جمهوره هو جمهور المهرجانات. علينا أن نمارس التجريب وأعيننا مفتوحة على الجمهور، فدورنا أن نقدم لغة ورؤية تتناسب وذائقته.

كيف كان تقديمك لمسرحية صلاح عبد الصبور “مسافر ليل” ؟

بالطبع هي مسرحية رائعة ولا يمكن إلا وصفها بالتجريبية، على مستوى اللغة هي لغة شاعر، قدمتها في مبكرًا في  عام 1971 بالمغرب وكنت وقتها أستاذا، أخرجت المسرحية في إطار فرقة مسرح الهواة تحمل اسم النهضة الثقافية، قدمتها برؤية تتفاعل فيها كل عناصر السينوغرافيا مع الشكل في إطار قطار يسير ليلا وفيه مراقب وفيه حكواتي. وعندما شهدتها في مصر في مسرح الهناجر، وجدت فيها رؤية تجريبية جميلة جدا، إذ وضعنا في إطار عربة قطار نسمع عجلاته، وعشنا الحالة ليس فقط لمتفرجين بل كنا شهودا حقيقيين للحالة المسرحية، هذا في رأيي هو المسرح الذي أفهمه وأريده وأشتغل عليه.

هل ثمة أزمة حقيقية يعانيها المسرح العربي؟

ما نقوله الآن عن المسرح وأزمته  ينطبق على كل الفنون، عدا كرة القدم التي مازالت تحافظ على احتفاليتها، ومازال عشاق هذه الرياضة يمارسون طقوسهم أثناء المشاهدة. المسرح يعاني لأنه جزء من راهننا الآن، لا أحد منا الآن يعيش مع الآخر. ثمة عزلة ومنفى، الكل يمسك هاتفه النقال يبدو أنه موجود معنا كشكل والحقيقة أنه موجود في مكان آخر، هذه العوالم الافتراضية التي نعيشها أصبحت جزءًا  من أزمتنا.

رغم ذلك ليس بإمكاننا التسليم بانهزام المسرح، مع اعترافنا أن ثمة حالة من الانهزامية سادت في عالمنا وصنعت مسافة حقيقية بيننا، لكن هذا لن يستمر وكل هذه الأشياء أرى أنها ستنهزم لأنها جزء من لعبة صبيانية، سنكتشف مع الوقت أننا في حاجة إلى عالمنا الحقيقي، لا الافتراضي، إلى العائلة والمجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock