سبع عائلات تتصارع على العرش الحديدي، في إطار فنتازيا ملحمية مثيرة تدور أحداثها في قارتين خياليتين، “ويستروس” و”إيسوس”، لتحتدم صراعات لا نهائية بين شخصيات المسلسل شديدة التنوع، وسط زخم أحداث متلاحقة تأسر بتفاصيلها وحبكتها عشرات الملايين من متابعي المسلسل حول العالم.
الأمر يبدو وكأنه تحول من مجرد عرض تليفزيوني إلى ظاهرة لافتة تدعو للتأمل لتحري أسباب الانتشار الساحق للمسلسل وكيف نجح في جذب مختلف الأطياف والأعمار من المشاهدين.
فكرة بناء عالم كامل وإدخال المشاهد فيه ليست جديدة، فأفلام مثل “هاري بوتر” و”سيد الخواتم” سبق لها تحقيق نجاح باهر أيضا في جذب جمهور واسع ظل يترقب كل جديد في عالمها على مدى سنوات، إلا أن تلك الحالة من الانبهار لدى متابعي مسلسل “صراع العروش” ربما يفسرها ذلك المزج ما بين الواقع والخيال الذي نجح فيه ببراعة صناع المسلسل.
الرهان على الواقعية
المسلسل راهن على رؤية جديدة تتجاوز ذلك الصراع المعتاد ما بين الخير والشر في أغلب الأعمال التي تدور في عالم الفنتازيا. قدم لنا المسلسل صراعا أكثر واقعية يمكننا أن نلمسه في عالمنا اليوم بوضوح، بشر يتأرجحون ما بين الخير والشر بدرجات متفاوتة، يسعون وراء السلطة وتحقيق مصالحهم. نفاجا أحيانا بشخصية طيبة تقدم على فعل شرير، أو نجد أنفسنا متعاطفين مع شخصية يفترض أنها شريرة، تنوع وثراء الشخصيات يجعل كل مشاهد يجد نفسه داخل العمل، وسط أحداث متلاحقة تضم حشدا واسعا من نساء ورجال وأطفال وحتى أقزام، منهم أبيض البشرة ومنهم داكن البشرة، ومنهم الآسيوي، يتحدثون بلكنات مختلفة ويرتدون أزياء متنوعة، وغيرها من التصنيفات واسعة النطاق.
المسلسل المستند على رواية “أغنية من ثلج ونار” لمؤلفها جورج آر آر مارتن، يلعب على فضول المشاهد وذكائه بالتبادل، عبر حبكة معقدة يتعذر معها غالبا توقع ما سيحدث لاحقًا، ليبقى المشاهد متحفزا دائما لمتابعة تصاعد الأحداث التي غالبًا ما تكون صادمة، وفي بعض الأحيان مؤلمة. وعلى الرغم من ذلك الألم الناتج عن موت شخصية مفضلة مثلًا، يكون هناك شيء من المتعة في أنه مهما بلغت أهمية الشخصية يمكنها أن تقتل في أي لحظة، طالما أن ذلك يخدم القصة ويشد الانتباه ويجعل التجربة أكثر تشويقًا.
ينتقل العمل ما بين أماكن متعددة، من كرواتيا إلى أيسلندا وحتى دولة عربية كالمغرب، ما يجعل التجربة البصرية للمشاهد أكثر ثراء، خاصة مع دعمها بمؤثرات بصرية متقنة.
لكن كل تلك النقاط الإيجابية لم تمنع تعرض المسلسل لانتقاد لاذع من بعض النقاد والمشاهدين، وصل حد وصفه بالمقزز، لما رآه البعض جرعات عالية من مشاهد إباحية ودموية تبدو منفرة، وإن اعتبرها آخرون سلاحا ذا حدين، فهي جذبت بعض الفئات خاصة الرجال للمتابعة بشغف، بينما دفعت نوعيات أخرى من الجمهور للتوقف عن مشاهدة الحلقات، نظرًا لما تضمنته من عري وعنف اعتبروه غير مبرر أحيانًا. كما وصلت الحبكة من التعقيد وتعدد الشخصيات إلى حد فقدان البعض للتركيز وعدم القدرة على الإلمام بكل الخيوط الدرامية، وهو ما برره كاتب الرواية الأصلية بالرغبة في التحرر من كل القيود والحرص على أن يصل إبداعه إلى الجمهور دون حذف أو تجميل.
الأكثر مشاهدة
تم حتى الآن عرض سبعة أجزاء من المسلسل، ومن المنتظر عرض الجزء الثامن والأخير العام المقبل، ورغم اختلاف الآراء حوله، إلا أنه نجح بجداره أن يحظى بمتابعة الجمهور، ليدخل المنافسة على لقب أكثر المسلسلات التليفزيونية مشاهدة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ويتم ترشيحه للعديد من الجوائز التي فاز بالفعل بالكثير منها.
ربما يعود ذلك النجاح منقطع النظير للمسلسل إلى ما وفره من ملاذ مغر لمشاهديه يجدون فيه الفرصة للهروب من واقعهم إلى عالم آخر نصف واقعي، كل شيء فيه مباح وممكن الحدوث، مع جرعات مكثفة من الإثارة يرتفع فيها مستوى الأدرينالين ليبقى المشاهد متعطشًا للمزيد. وعزز من حجم الإبهار ما حفل به المسلسل من مشاهد الحروب وأداء استثنائي في التمثيل إضافة إلى المؤثرات الصوتية والبصرية المذهلة، وهو ما يقف خلفه فريق عمل ضخم، ما جعل تكلفة الحلقة الواحدة في الموسم السادس تصل إلى 10 ملايين دولار أي ما يفوق 100 مليون دولار للموسم بالكامل.