رواية “فيد باك” للكاتبة سناء عبد العزيز، حققت نجاحًا باهرًا لدى طرحها في الأسواق، ليس لكونها أول عمل روائي للكاتبة، أو اقتناصها جائزة مسابقة الطيب صالح، وإنما لأن صاحبة الرواية هي في الأصل شاعرة ومترجمة، ما جعلها تؤكد في حوارها مع «أصوات»: إن كل ما حدث كان مفاجئا لي.
وتضيف: من الصعب التنبؤ بمصير كتابتك من أول تجربة، خاصة إذا كان صوتك مختلفا ولم تسمع من قبل آراء الآخرين بشأن ما تكتبه. وتؤكد: لولا فوز الرواية بالجائزة ما كنت فكرت في نشرها.
- بعد نجاح “فيد باك” كعمل روائي أول لك، ما جديدك؟
الحمد لله لقد أشرفت بالفعل على الانتهاء من روايتي الجديدة “الوسطاء يمتنعون”، وأنا سعيدة بكل مشهد كتبته فيها إلى الآن، وأظنها ستوضح أكثر ملامح كتابتي التي من الصعب أن تتضح من الرواية الأولى.
حدثينا عن العنوان كإحدى عتبات النص وكيف تم اختياره؟
”فيدباك” هو التقييم الذي تظل تلهث خلفه طوال حياتك، سواء عن عمل أديته، أو عن فعل قمت به من أجل الآخرين، أو عن مجمل حياتك في رحلتك القصيرة على الأرض، غالبًا ما ينكمش الإنسان في نفسه إزاء نظرة احتقار من غيره أو يفرد نفسه كما الطاووس إزاء نظرة احترام وتقدير.
جاء العنوان عفويا، أنا مترجمة أعمل من خلف الحوائط، مهنتي مقصورة على العمل الذي أتلقاه من العميل من أي بلدٍ كان، وعندما تنتهي مهمتي أنتظر بلهفة أن يعطيني العميل فيدباك على بروفيلي، ليعزز فرصي في عمل أفضل، وكلما زاد الفيدباك على بروفيلي دل هذا على خبرتي ونجاحي في مهنتي، وسمح لي بفرص أثمن.
الفيدباك في عالم الترجمة بمثابة الحياة أو الموت بالنسبة للمترجم غير المرتبط بجهة عمل محددة “الفري لانسر”، أحيانا تكون مكافأة ترجمة كتاب بأكمله لا تكفي مصاريف شهر، بينما تستغرق ترجمته عدة أشهر، لكنه الفيدباك هو ما يطمح إليه المترجم.
أنا أقضي أيامًا منكفئة على نصوص لن يذيلها بالطبع اسمي، محاضر أو أوراق قضايا أو موقع تجميل أو غيره، اكتشفت أن الفيدباك هو القانون الذي يحكم العالم، ويجعل المرء أحيانا يكون غيره، فقط ليرضي الذوق العام وينتزع نظرة احترام وتقدير من كل من حوله، إلى أي حد أهلك نفسه بحثًا عن فيدباك يظنه يليق به وهل ناله؟ وكم دفع لأجله؟
هل توقعت هذا الكم الهائل من رد الفعل بعد صدور الرواية؟
أبدًا، كل ما حدث كان مفاجئا لي، من الصعب التنبؤ بمصير كتابتك من أول تجربة، خاصة إذا كان صوتك مختلفا ولم تسمع من قبل آراء الآخرين بشأن هذا الاختلاف، لم أكن أنوي نشرها ووقعت في حالة من التردد، لولا أن فازت بجائزة.
البطولة أنثوية بامتياز في الرواية.. هل تحمل رسالة معينة؟
بالطبع، فإذا كنا نتفق جميعا على معاناة الإنسان ذكرا كان أو أنثى، فعلينا أن نكون منصفين،لقد نالت الأنثى نصيب الأسد من تلك المعاناة، وبصفتي أنثى خبرتها بنفسي، وكثيرا ما جابهت السخافات بالصمت مكتفية بتنحية الذات من المشهد برمته، فلماذا لا أمنح شخصياتي دور البطولة وأدفعهن للثرثرة ولو على الورق.
من أسعدك، ومن فاجئك بالكتابة عن “فيد باك”؟
أسعدني بالطبع كل من اهتم وكتب عنها، وأنت تمنحني الفرصة لأتوجه لهم جميعا ببالغ الشكر، ولك أيضا لاهتمامك بمحاورتي وأسئلتك المختلفة، لكني بوجه خاص ابتهجت بكتابة د. زينب العسال التي تناولت الرواية من زوايا عدة حتى أنها تطرقت إلى المسكوت عنه، وفاجأتني رؤية د. السيد نجم، حين تحدث عن توظيف مفاهيم التقنية الرقمية، وكذلك قراءة الكاتب وائل سعيد وهو أول من تناولها بالنقد، لقد أبكتني من شدة السعادة، كما شعرت بسعادة غامرة إزاء منشورات كتبها البعض من مصر ومن دول مختلفة معبرين عن آراء أدين لها بالامتنان منهم الكاتب والصحفي السعودي علي مكي، والكاتب القدير رؤوف مسعد المقيم بالخارج، وقراءة الناقد ممدوح فرّاج النّابي من تركيا.
حكيت عن “س” في الرواية.. هل يرمز إلى سناء؟
كلا، إنها سين من الناس، وتلك حكايتها وإن تشابهت معي في بعض الجوانب كالعمل والسن والظروف المعيشية. لا أنكر الالتباس المتعمد بتقديم أول حرف من اسمي، وبعض الحروف الأخرى ولكني أميل إلى اللعب وأنا أكتب.
وأين سناء عبد العزيز الشاعرة الآن؟
مازلت أعافر مع الشعر، وكنت قد انتهيت من ديوان منذ عامين وتعاقدت مع بتانة على نشره منذ عام تقريبا قبل الرواية ولكن الناشر لم يلتزم للأسف بالعقد ونشر الرواية أولا، لا يروقني الإلحاح عليه، خاصة أنه من عرض منذ البداية أن ينشر الديوان، ولن أشارك في أن يصبح الشعر متسولا يستجدي النشر حتى ولو لم أنشر على الإطلاق.
“الشعر ربما يكون هو من تخلى عني”.. تعبير ورد في الرواية، هل له أصل من الواقع؟
نعم، بعض ما نكتبه يشتبك مع الواقع، والشعر لا يرحم شاعرا لم يمتهن نفسه كما ينبغي على أعتابه، الشعر يحتاج لقناص ماهر وروحًا شرسة وعين ترى الأشياء من مسافة كافية.
هل تجدين تقاربا بين قصائدك وما تكتبينه من رواية؟
بالطبع، لا توجد حدود فاصلة بين الأنواع الأدبية، الرواية تحمل سردا شعريا والشعر يحمل حكاية، والحدود كلها مصطنعة كما لو كانت مرسومة بالطباشير، يدك تمحوها وهي تنتقل من سطر إلى غيره.
أنهيت ترجمة “المداخل الأساسية لتطور التنظير السينمائي” متي يصدر؟
انتهت مهمتي بمجرد تسليم الكتاب لمؤلفه، ومعرفة رأيه بشأن الترجمة وهو الرأي الذي أسعدني لدرجة لا تتخيلها، فقد كانت المرة الأولى الذي أرسل بالترجمة إلى مؤلفها الأصلي، والآن جاء دور المؤلف دكتور مالك خوري في اختيار توقيت النشر والدار التي يطمئن إليها.