ثقافة

مصطفى عبادة: المشهد الثقافي بائس والخطاب الديني ليس حكرا على أحد

الشاعر والصحفي مصطفى عبادة، حاز مؤخرا جائزة الصحافة الثقافية التي يمنحها سنويا نادي دبى للصحافة، وسط منافسة حامية مع المتسابقين من الأقطار العربية في مختلف فروع الجائزة. عبادة أعرب في حواره مع “أصوات” عن سعادته بالفوز بالجائزة باعتبارها تقديرا مهما للصحافة الثقافية في مصر، مؤكدا أنه لم يعلم بفوزه إلا بعد إعلانه بشكل رسمي، وحمل ذلك مفاجأة سارة له.

أعرب عبادة عن قلقه على المشهد الثقافي في مصر، الذي يراه يكاد يكون مختطفا لصالح خطاب ديني يهيمن تماما على المشهد، معتبرا أن تجديد الخطاب الديني ليس حكرا على أحد ولا ينبغي التعويل على رجال الدين وحدهم في تجديد هذا الخطاب الذي يتعين أن يتوجه إلى المستقبل وينجو من الاستغراق في الماضي.

وأخيرا حدثنا عن رحلته إلى الصين، التي يرى فيها أوجه تشابه كثيرة مع التجربة المصرية، منوها بما لمسه هناك من مظاهر التعايش في سلام بين مختلف الطوائف والمعتقدات في مجتمع مفعم بالثراء في تنوعه الثقافي والإنساني.

هل توقعت الفوز بجائزة نادي دبي للصحافة؟

إطلاقا لم أكن متوقعا وإن كنت مشاركا من أجل الفوز بالفعل، وعندما تم الإعلان عن الأعمال الثلاثة المرشحة كنت في المنزل وهاتفي مغلق كالعادة ما أضطر الزملاء للاتصال بزوجتي لكي يبلغونى بما حدث، وكذلك قبل إعلان النتيجة النهائية لم أعلم بالفوز إلا وقت الإعلان الرسمي من قبل اللجنة. الجائزة مثلت لي الكثير معنويا، فهي المرة الأولى التي أحصل فيها على تكريم، خاصة أنني لم أسع من قبل لذلك، وحتى الكتب التي قمت بتأليفها مرت في هدوء ولم يصاحبها ضجة لدى إصدارها أو توزيعها.

تجديد الخطاب الديني قضية شائكة، ألم يساورك التردد أن تكون عنوانك إلى المسابقة؟

على الإطلاق فأنا بطبيعة الحال وبحكم إنتمائي للصعيد لا أعرف الخوف وطيلة عملى بالصحافة لم يحدث أن شعرت بتردد أو خوف تجاه أى قضية تناولتها، فضلا عن إيماني الشديد بالله أولا وثقتي في قدراتي ثانيا منذ بداية مشواري المهني في عام 1997 بجريدة الأهالي، ثم عملى في «مجلة أدب ونقد» إلى أن وصلت لرئاسة تحريرها، قبل أن ينتهي بيّ المطاف في  الأهرام العريق وبالتحديد الأهرام العربي. طوال تلك الفترة لم يحدث أن حُذف أو بُدل أى موضوع قمت بعمله سواء يساريا أو قوميا، وموضوع تجديد الخطاب الديني يشغلني منذ زمن ليس بالقليل وأنا قارئ جيد لتلك الأزمة المستمرة منذ عقود، كما أنني ملم بما عاناه هؤلاء المفكرون الذين جاء ذكرهم في الموضوع.

ماهو المعيار الذي دفعك لاختيار تلك الأسماء بالتحديد؟

كل الأسماء التي استشهدنا بكفاحهم ونضالهم في الموضوع مفكرون عظماء، أصحاب دعوات تجديد الخطاب الديني، وإزاحة الفقه السلوكي من علي كاهل الشعوب، ولذا حرصت أن يكون هناك تنوع في الأفكار والتناول وأيضا البلدان التي ينتمي اليها المفكرون، لذلك ستجد داخل الموضوع أسماء بقيمة نصر حامد أبو زيد، حسن حنفي، الإمام محمد عبده، الدكتور على مبروك والشيخ على عبد الرازق من مصر، ومحمد أركون، مالك بن نبي من الجزائر، محمد عابد الجابري، عبد الله العروى المغرب، ومن لبنان حسين مروة وشكيب أرسلان صاحب البداية الحقيقية نحو تنقية التراث، وتجد أيضا من سوريا الطيب بيزيني، ومحمود محمد طه من السودان، والذي تم إعدامه بالخرطوم، فضلا عن المفكر العظيم محمد إقبال من بلاد الهند وباكستان، ولا ننسى الدور الكبير الذي قام به أيضا الدكتور طه حسين رحمه الله .

محمد أركون                                                                 محمد عابد الجابري

من بين الأسماء رجال دين ومع ذلك من يحاربهم رجال الدين؟

أريد أن أؤكد لك أنه بإستثناء الإمام محمد عبده، كل المفكرين غير محسوبين على التيار الديني المعروف بتشدده وإرهابه للفكر وللمفكرين، وستظل تلك المعركة محتدمة إلى ماشاء الله.

ما السبب من وجهة نظرك؟

السبب أن الدافع مادي، وليست قضية دين وهذا معروف ومثبت عبر تاريخهم الظلامي المدمر، وانا أعترض على كلمة رجال دين، يا أخي الله عز وجل يقول في كتابه العزيز «إن الله يدافع عن الذين أمنوا»، ويقول أيضا «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، إن الله لا يحتاج من يدافع عنه وهم يعلمون ذلك جيدا، لكنهم سيظلوا يدافعون عن سبوبتهم. وللعلم إن ما حدث مع نصر حامد أبو زيد من تكفير وتفريق  عن زوجته ونفي عن وطنه، مأساه ومهزلة كبرى تلعن كل من شارك فيها.

الطريف أن من قام بتكفير نصر، كُفر بعدها بسنوات قليلة، وفرج فودة الذي طبقوا عليه حُكم الله كما يدعون حينما أفتى أحدهم بوجوب قتله، والمفكر العظيم زكى نجيب محمود الذي يُعد واحدا من أهم المفكرين على الإطلاق، عاش ومات منبوذا ومكروها من الفريقين سواء الإسلاميين الذين كفروه أو اليساريين الذين مقتوه، هذا بخلاف حسن حنفي وعلى مبروك وغيرهم.

إذن كيف ترى تجديد الخطاب الديني؟

الحل الأوحد والجذرى، هو تنحية رجال الدين عن السياسة، لأنهم وبال على الدين.

ولكن ألا ترى أن للغرب دور فيما وصلنا إليه؟

بكل تأكيد لكن نحن من نسمح لهم بذلك، والدليل ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية، حينما سمحنا لجماعات تقدس الخرافة وتشيع الجهل، فتحالف الغرب معها لأنها أداة ضبط اجتماعى، فهل خرجت علينا يوما ما جماعة بفكرة للنهوض بهذا الشعب؟ هل تبنت جماعة من جماعاتنا المتكاثرة كالفطر مذهبا فكريا أو فلسفيا أو مشروعا تعليميا؟ والسلفيون أضل سبيلا ومشروعهم تجارى يرى الأفضلية فى الزمان للماضى لا المستقبل، والماضى تم وانتهى واكتملت أركانه ولا يصح تأمله إلا كتاريخ، وللمستقبل مواصفات أخرى.

تلك الجماعات كارثة على مصر وعلى الأمة العربية، هي تريدنا ثابتون ساكنون لا نعرف الحركة، وهكذا ينشأ الصراع الذى يستنزف الأفراد والمؤسسات والحكومات ويدمر الشعوب، وكان المخطط الأوروبي وبرعاية أمريكية هو إستخدام رجب طيب أردوجان لضرب الصين والهند ودول شرق أسيا، وليس كما يتوهم الجهلاء حلم الخلافة البائد.

وكيف تقرأ المشهد الثقافي الراهن في مصر؟

حال الثقافة يبدو بائسا مثل أشياء كثير حوله، الحرية أساسية للخروج من هذه الحالة، وسأظل أحذر من التفريط فيها، فالحرية الإجتماعية هي أساس الوجود ولا حياة بدونها. علينا أيضا أن نتطلع إلى المستقبل ولا يستغرقنا الماضي.

كيف وجدت الصين خلال رحلتك إليها؟

إذا أردت أن تعرف معلومات عن دولة ما عليك البحث من خلال محركات البحث المتوفرة بالإنترنت، ولكن لمعرفة ثقافة الشعوب وطبيعتها الحضارية وما يميزها عن غيرها من الشعوب، يجب أن تتعامل معها، وهو ما قمت به من خلال رحلتي التي ذكرتها في كتابي “30 يوم في المستقبل”.

هل ثمة أوجه تشابه بين تجربة مصر والصين؟

الصين شديدة الشبه بالتجربة المصرية، هي استقلت عام 1954 وهناك علاقات ممتدة بين مصر والصين. كنت معجبا جدا بالتجربة الصينية منذ عام 1995، هم نفذوا الخطة الخمسية بطريقة مذهلة، فضلا عن عشقهم للزعيم «ماو» ولكن دون أن يقدسونه، أما نحن فللأسف نحب عبد الناصر ونقدسه أيضا، لنظل متقوقعين في الماضى، هذا هو الفارق بين ثقافة تفكر في المستقبل وثقافة تنظر إلى الماضي. في الصين القانون إله، عكسنا تماما فنحن لا نحترم القانون، لذا سنظل فى تلك المأساه التي نعيشها لفترة ليست قليلة من الزمن.

وكيف تتعايش كل تلك العقائد والطوائف التي تضمها الصين؟

الأرض الصينية يعيش عليها مواطنون صينيون، ولا يتم التعبير عن الطائفة فى الشارع على الإطلاق، فالقانون يطبق على جميع الطوائف بلا استثناء والجميع يحصل على حقوقه فى المواطنة كاملة دون تفرقة بين طائفة أو ديانة وأخرى.

كتاب “الاقتراب من العمق” هل هو استكمال لـ«30 يوما في المستقبل»؟

نعم هو استكمال للرحلة، ورصد لما عايشته بشكل عام، فضلا عن التركيز على الجانب السياسي والاقتصادي للصين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock